بين الإبتزاز الاقتصادي واحتمال التهديد بـ"سد النهضة".. هل تستمر مصر في صفقة الطائرات الروسية؟
تعتمد الولايات المتحدة الأميركية في علاقاتها الدولية، منذ عقود، على تهديد أي دولةٍ تخالف قراراتها. يمكن لهذا التهديد أن يكون اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً، ويمكن أن يكون مستتراً أو مكشوفاً. ومنذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت معالم تلك السياسة تظهر بشكلٍ أوضح دون أقنعة وبعيداً عن الدبلوماسية المعهودة، لا سيما وأن وصول ترامب رافقه تراجع في النفوذ الأميركي، بالتوازي مع بدء أفول "أحادية القطب" التي مارستها واشنطن في العقدين الماضيين.
ولعلّ طلب ترامب من أمراء وملوك خليجيين "المال مقابل الحماية" في أكثر من مناسبة، وبهذه الطريقة المباشرة، من أكثر التجارب إثباتاً لما تحاول الإدارة الأميركية الحالية الترويج له، لكنه يعكس أيضاً توتراً ومخاوف من إمكانية تمردٍ على هيمنتها وسطوتها، من قبل دولٍ عديدٍ وفي مجالات مختلفة. وهذا تحديداً يشكل الجزء الأساسي من الكباش المصري-الأميركي الأخير، بما يخص الصفقة الروسية-المصرية، التي كشفت عنها صحيفة "كوميرسانت" الروسية في أبريل/نيسان الماضي، والتي ستحصل بموجبها القاهرة على أكثر من 20 مقاتلة من طراز "سوخوي 35" مقابل 2 مليار دولار أميركي. الصحيفة ذكرت حينها، أن العقد دخل حيز التنفيذ ويمكن أن تبدأ عمليات التسليم في 2020-2021.
لم تمضِ أشهر قليلة، حتى تأكدت واشنطن من حصول الصفقة فعلياً، ما أثار غضباً عارماً لدى الإدارة الأميركية، التي انطلقت على الفور بالتهديد بفرض عقوبات على القاهرة، حيث وجّه وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان في الأسابيع الماضية، رسالة إلى وزير الدفاع المصري، أكدا فيها أن "إبرام تلك الصفقة قد يتسبب في فرض عقوبات على مصر"، حسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" التي قالت إن الرسالة تضمنت أيضاً تحذيراً صريحاً من قبل الوزيران الأميركيان بأن "صفقات أسلحة جديدة وكبيرة مع روسيا ستؤثر على اتفاقيات التعاون في مجال الدفاع مستقبلاً بين الولايات المتحدة ومصر، وعلى المساعدات لمصر لضمان أمنها". في حين أن الصحيفة ذاتها كشفت أن "مصر قدمت طلباً رسمياً للولايات المتحدة الأميركية عام 2018 تطلب فيه مقاتلات أف-35، حيث وعد ترامب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائهما عام 2018 بتنفيذ الصفقة لكنه لم يلتزم بوعده"، موكدةً أن "البنتاغون يحظر بيع طائرات F-35 لجميع دول الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، وكما هو متوقع، سيبقى هذا الحظر ساري المفعول في السنوات المقبلة".
وفيما لم يصدر أي بيان أو توضيح رسمي رداً على ما أوردته الصحف الأميركية نقلاً عن مسؤولين في إدارة ترامب، نقلت صحيفة "ديلي نيوز" المصرية، الناطقة بالإنكليزية عن مسؤول مصري، وصفته برفيع المستوى، قوله إن "مصر دولة مستقلة ذات سيادة لا تتلقى أوامر من دول أخرى فيما يتعلق بسياساتها الداخلية أو الخارجية". وشدد على أن "التحذير الأميركي لا معنى له ولا يجب أخذه على محمل الجد"، مشيراً الى أن "الصفقة مستمرة ولن يتم إيقافها تحت أي ظرف". وفي موسكو، اعتبر نائب رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما، أندريه كراسوف، أن "التهديد بمثابة محاولة غير عادلة للمنافسة في سوق السلاح، ومسعى من واشنطن لتعزيز مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية"،مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية "تمارس سياسة العقوبات ضد البلدان التي لديها سياسة خارجية مستقلة".
على خطٍّ موازٍ، فإن وجود الولايات المتحدة كوسيط بين إثيوبيا ومصر في أزمة "سد النهضة"، من المحتمل أن يتم استغلاله أميركياً في سياق ضغوط أكبر على القاهرة، لا سيما وأن "سد النهضة" يعتبر من أكثر الملفات حساسية بالنسبة للأخيرة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً. ويذكر، أن كلاً من مصر وإثيوبيا والسودان كانت حددت مطلع الشهر الجاري، وخلال محادثات رعتها الإدارة الأميركية في واشنطن، منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، كمهلة للتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة الذي تشيده أديس أبابا على نهر النيل،حيث أفاد بيان مشترك عن وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي ووزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان بأن "وزراء خارجية الدول الثلاث توافقوا على العمل من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة بحلول 15 يناير/كانون الثاني المقبل".
من المحتمل أن تجد واشنطن في قضية "سد النهضة"، حدّ السيف الذي تظن من خلاله أنه يمكنها وضع القاهرة في أزمة قرارٍ تدفعها الى التراجع عن الصفقة الروسية. وفي المقابل، فإن الإصرار المصري على المضي قدماً بالصفقة رغم التهديدات والتحذيرات، يطرح العديد من التساؤلات حول قدرة مصر على مواجهة التحذيرات الأميركية، والتحرر ولو جزئياً من سطوة الولايات المتحدة في المجالين الاقتصادي والعسكري، وما إذا كانت مصر ترى في الصفقة الروسية فرصة للخروج من الهيمنة الأميركية، بمظلةٍ روسية، باتت تظلل مساحات واسعة من القرار السياسي المواجه لقرارات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.