هل أطاح التطبيع مع "إسرائيل" بوزير الخارجية التونسي؟

الرئاسة التونسية ورئاسة الحكومة تعفي وزيري الخارجية والدفاع من منصبيهما، ما أثار الكثير من الجدل في تونس حول الخطوة وخلفياتها وعلاقتها بملفي الفساد والتطبيع مع "إسرائيل".
  • قرار الإقالة جاء بالاتفاق بين الرئيس ورئيس الحكومة

أعلنت رئاسة الحكومة التونسية، أمس الثلاثاء، ‏إعفاء وزيري الدفاع عبدالكريم الزبيدي، والخارجية خميس الجهيناوي، من مناصبهما، وجاء القرار بعد مشاورات حكومية مع الرئيس التونسي قيس سعيّد، علماً أن قرار الإعفاء يأتي بعد أقل من أسبوع من استلام الرئيس الجديد منصبه.

في تونس أسالت هذه الاعفاءات الكثير من الحبر، وأثارت جدلاً واسعاً حول التوقيت والخلفيات، كما خلقت تجاذبات لا سيما وأن كلاً من وزيري الدفاع والخارجية نفيا رواية رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية بشأن إعفائهما، مؤكدين أنهما بادرا بتقديم استقالتهما.

إقالة سبقتها إشارات بوجود أزمة

يرى المتابعون للشأن السياسي التونسي أن قرار إعفاء وزير الخارجية خميس الجهيناوي، لم يكن بالمفاجئ، فقد  ظهر أن هناك إشكالاً بين الرئيس ووزير الخارجية، لاسيما بعد قرار الرئاسة إرسال كاتب الدولة لدى وزير الخارجية، صبري بشطبجي، لتمثيل تونس في اجتماع وزراء خارجية دول "المنظمة الدولية للفرانكوفونية"، الذي ينعقد اليوم الأربعاء وغداً، بدلاً من وزير الخارجية خميس جهيناوي، وهو اجتماع يكون عادة على مستوى وزراء الخارجية.

وتعززت الشكوك حول وجود أزمة بين الرئيس ووزير الخارجية خلال زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أول أمس الاثنين إلى تونس، حيث استقبله رئيس الجمهورية في قصر قرطاج بغياب الجهيناوي، في حين حضرته وجوه دبلوماسية جديدة، ممثلةً بسفير تونس في إيران طارق بالطيب، والمرشح لمنصب مدير الديوان الرئاسي عبد الرزاق بالطيب.

تجدر الإشارة إلى أن نقابة السلك الديبلوماسي رحبت، على لسان رئيسها هيثم باللطيف، بقرار إقالة وزير الخارجية، واعتبرت أن هذه الإقالة ستكون بداية لعهد جديد في الوزارة، وتأتي في محلّها في ظل ما وصفته بالأوضاع المتردّية في الوزارة سواء على صعيد ظروف العمل أو بالتعيينات.

رسالة واضحة للمطبعين مع "إسرائيل"

  • محلل سياسي: إقالة الجهيناوي مرتبطة بشكل كبير بمسألة التطبيع مع "إسرائيل" (أ ف ب)

خلّف استبعاد الجهيناوي من وزارة الخارجية، والزبيدي من وزارة الدفاع ردود فعل متباينة، كما اختلفت بشأنها القراءات السياسية.

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي، بولبابة سالم، في تصريح لـ "الميادين نت" إن خميس الجهيناوي كان موظفاً عند الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أكثر منه وزيراً للخارجية، معتبراً أن إقالته  مرتبطة بشكل كبير بمسألة التطبيع مع "إسرائيل".

وأضاف سالم أن ما حدث مؤخراً بترويج إشاعة زيارة وفد شبابي تونسي إلى تل أبيب، كان بمثابة الاستفزاز للرئيس الذي يعتبر التطبيع مع "إسرائيل" خيانة عظمى، مشيراً إلى أنه كان ينتظر من الجهيناوي أن يتخذ موقفاً إزاء هذه الإشاعات، وعند تأخر الرد حسم سعيّد موقفه بالإقالة.

وتابع بولبابة قائلاً "إن إقالة الجهيناوي هي بمثابة صفعة للمطبعين مع الكيان الصهيوني ورسالة واضحة بأن الشخصية القادمة التي ستكون على رأس وزارة الخارجية ليس لها أي علاقة بالتطبيع".

وفي ما يتعلق بإقالة وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، قال سالم إن هناك فتوراً في العلاقة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والزبيدي، وألمح إلى العبارة التي تضمنها بيان رئاسة الحكومة "ليس هناك مراكز نفوذ داخل الدولة"، معتبراً أن هذه العبارة تشير إلى تمرد الزبيدي على رئيس الحكومة.

وقال المحلل السياسي في هذا السياق إن سلوك الزبيدي تغيّر بعد ترشحه للانتخابات الرئاسية إذ لم يعد يحضر الاجتماعات الوزارية، كما طالب رئيس الحكومة بالاستقالة وهو لا يزال ضمن فريقه الحكومي، إلى جانب تصريحاته بشأن الانقلاب المزعوم.

وأشار إلى أن الزبيدي من الأشخاص الذين تمت "صناعتهم" بسرعة، معتبراً أن الأمر الذي يصنع على عجل يكون مريباً، عللا حد وصفه.

تصفية حسابات سياسية

من جهته، قال المحلل السياسي جمعي القاسمي لـ "الميادين نت"، إن اجراءات الإعفاء التي تمت بالأمس، اتخذت شكل ترتيب أوضاع حكومة تصريف أعمال، لكنها في الجوهر "عكست نوعاً من تصفية الحسابات السياسية على وقع السجالات التي عرفها المشهد التونسي خلال فترة الانتخابات بشقيها التشريعي والرئاسي"، معتبراً أنها بعيدة كل البعد عن منطق الدولة الذي يجب أن يطبع نشاط أي حكومة، بحسب تعبيره.

وأكد القاسمي أنه يمكن قراءة بعض المؤشرات السياسية من وراء هذا الإجراء، الذي اعتبر أنه تباين بين الإقالة والاستقالة في علاقة بالمشاورات الجارية حول الحكومة المقبلة، وفي نفس الوقت تعطي إشارات أخرى في ما يتعلق بالنهج الديبلوماسي الذي ستسير على خطاه تونس في عهد الرئيس الجديد.

وأضاف القاسمي أن استقبال الرئيس سعيّد أمس الثلاثاء لرئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، يعكس في نظره، "استدارة الديبلوماسية التونسية نحو جماعة الإخوان المسلمين في سياق التعاطي مع الملف الليبي"، الأمر الذي سيعيد تونس إلى الاصطفاف السياسي الذي كثيراً ما حذرت منه غالبية القوى السياسية، وفق قوله.

وتابع قائلاً "دون استباق للأحداث يبدو أن تونس دخلت ديبلوماسياً وسياسياً في مرحلة رمادية نتمنى أن يتم تخطيها خلال الأسابيع القليلة القادمة، دون ذلك سيبقى المشهد مربكاً بما سيؤثر على الأوضاع العامة بالبلاد"، بحسب تعبيره.

ولم ينفِ جمعي القاسمي أن مسألة التطبيع مع "إسرائيل"، هي من بين الأسباب التي دفعت بالرئيس إلى القبول بإقالة وزير الخارجية، مشيراً إلى أن كلاً من وزيري الدفاع والخارجية محسوبين على رئيس الجمهورية السابق، إذ أن سعيّد لم يعينهما ولم يقترحهما، وبالتالي فإنه لا يتحمل مسؤولية عملهما السابق.

وأضاف في ذات السياق، أن قيس سعيّد يريد خلال هذه الفترة الوجيزة التي تسبق تشكيل الحكومة أن يكوّن نوعاً من التناغم السياسي بين الرئاسة والمؤسستين العسكرية والخارجية، في انتظار تشكيل الفريق الحكومي الجديد الذي سيكون للرئيس قيس سعيد دون شك رأيه في تعيين وزراء للدفاع والخارجية.

بعد الإقالة.. ملفات الفساد ستطرح بقوة

وفي ما يتعلق بالجدل حول إقالة أو استقالة الوزيرين، قال المحلل السياسي بولبابة سالم إن نشر الجهيناوي لرسالة استقالته لا يعدو أن يكون سوى ذر للرماد في العيون ولحفظ ماء الوجه باعتبار أنها لم تمر على مكتب الضبط ولم تحمل ختماً. مشيراً إلى أن الرسالة "يروجها أنصاره المطبعين مع الكيان الصهيوني".

وأضاف بولبابة أن الجهيناوي والزبيدي يمثلان النظام القديم وأن ما أقدم عليه سعيّد هو ضربة قاصمة للحرس القديم.

ورأى بولباية أن الأيام القادمة ستشهد فتح العديد من المواضيع ذات العلافة بملفات الفساد وستكون هناك خطوات متسارعة لمحاسبة الفاسدين، وفق تقديره.

يذكر أن رئاسة الجمهورية طلبت رسمياً من رئاسة الحكومة إعطاء الإذن لمصالح الرقابة المالية لإجراء عملية تدقيق مالي شامل للمصالح الإدارية التابعة لرئاسة الجمهورية.

المصدر: الميادين نت