هل يمتلك حزب الله منظومات دفاع جوي؟
نفذّت المقاومة وعدها بالردِّ على الإعتداء الصهيوني على منزل يتواجد فيه عناصر من حزب الله في عقربا جنوب غرب دمشق، وبالكيفية التي تحدَّث عنها السيّد حسن نصرالله من خلال استهداف جرى انطلاقاً من الأراضي اللبنانية على هدف داخل فلسطين المحتلة.
واستعادت المقاومة من خلاله قواعد الإشتباك السابقة وثبتّتها، أقلّه ضمن معادلة الردّ على الردّ وبشكلٍ متناسبٍ من دون أن تذهب الأمور إلى التصعيد والمواجهة الشاملة.
بالردّ داخل فلسطين المحتلّة تكون المقاومة قد نفَّذت الوعد بالردّ على استهداف مقاومَين في سوريا من لبنان، وهي معادلة مزدوجة ستحمي المقاومة في سوريا وفي لبنان.
ولأن الكلام عن العملية ونتائجها قد وصل إلى مرحلة الإشباع من حيث مُقاربتها وتحليلها، يبقى أن السيّد حسن نصرالله قد نفَّذ وعد المقاومة الثاني بإسقاط مُسيَّرة صهيونية ردّاً على استهداف الضاحية على مشارف بلدة رامية الحدودية، وهو الأمر الذي كان الجميع بإنتظاره رغم أن إسقاط المُسيَّرات سيكون بإعتقادي ضمن حدود تضمن تنفيذ التعهّد ومن دون الكشف عن قدرات الدفاع الجوي لحزب الله ودون أخذ لبنان والمنطقة إلى المواجهة الشاملة، وبما يضمن إرساء وتثبيت قواعد الإشتباك وتثبيت معادلات الردع التي حسمتها المقاومة في البَّر والبحر وافتتحت مرحلة تثبيتها في الجو من خلال إسقاط المسيّرة الصهيونية الأولى بعد مرور 13 عاماً على مواجهة تموز/ يوليو 2006.
إسقاط المسيَّرات الصهيونية سيتم بأسلحة دفاع جوي معروفة، ويعرف العدو أن حزب الله يمتلكها وهي في الحد الأدنى صواريخ محمولة على الكتف كصواريخ سام – 7 المُطوَّرة أو صواريخ إيغلا الأحدث من السام– 7 .
إضافة بالطبع الى استخدام أسلحة الحرب الإلكترونية في السيطرة على المُسيَّرات الصهيونية، وهو أسلوب تتوفّر لدى حزب الله مقوّماته وأدواته التي تعتمد على الخبرة البشرية باستخدام تقنيات الحرب الإلكترونية واسعة المجال.
وانطلاقاً من الوقائع فإن الحديث عن امتلاك حزب الله لمنظومات دفاع جوّي ليس مسألة سهلة، حيث لا تتوفّر معلومات دقيقة عن الموضوع وبحيث يبقى أيّ كلام هو كلام إفتراضي ينطلق من حاجات الميدان أولاً، وقياساً على ما صرَّح به السيّد حسن نصرالله وغيره من مسؤولي حزب الله حول ضرورة حلّ مشكلة التفوّق الجوي الصهيوني ثانياً، وما يمثله كَسْر هذا التفوّق من تغييرٍ كبيرٍ في مُعادلات المواجهة.
الحديث الأول للسيّد حسن نصرالله عن حق المقاومة بامتلاك منظومات الدفاع الجوي جاء بتاريخ 17 شباط/ فبراير سنة 2009 في الذكرى السنوية للقادة الشهداء.
حينها لم ينفِ السيّد أو يؤكّد امتلاك المقاومة لمنظومات الدفاع الجوّي، لكنه أكّد أن للمقاومة الحق في امتلاك هذا السلاح ولديها الحق في استخدامه، مشيراً إلى أن المقاومة لديها الإرادة والشجاعة لأن تستخدم هذا السلاح دفاعاً عن أرضها وشعبها.
وممّا جاء على لسان السيّد حينها جملة في غاية الأهمية وهي التي يمكن اعتبارها قاعدة في مُقاربة امتلاك المقاومة لمنظومات الدفاع الجوّي حيث قال: "نحن لا نخوض الصِراع على قاعدة العنتريات والمُزايدات، بل على قاعدة المُفاجآت، ما أريد أن أثبته أننا نملك الحق في أن نملك أيّ سلاح ومن ضمنه سلاح الدفاع الجوي، وأيضاً لدينا كل الحق أن نستخدم هذا السلاح إذا أردنا. لقد ولَّى الزمن الذي نتصرَّف فيه وكأننا ضِعاف".
وبما أن إستراتيجية المقاومة قامت وتستمر على قاعدة المُفاجآت سواء بما يرتبط بالبُعد الدفاعي أو بما يرتبط بالقدرات الهجومية التي باتت المقاومة تمتلكها من خلال تجربتها في سوريا، فإن امتلاك المقاومة لمنظومات الدفاع الجوي يدخل ضمن باب الضرورات ليبقى حجم هذه المنظومات ونوعيتها عامل المُفاجأة الأكبر، مع التذكير بأنّ كلام السيّد عن حق المقاومة بامتلاك الدفاع الجوّي جاء قبل عشر سنوات من الآن، ما يعني أنّ الوقت كان كافياً لتتدرَّب طواقِم الدفاع الجوّي على استخدام المنظومات وامتلاك الخبرة اللازِمة في تشغيلها سواء حدثت هذه التدريبات في إيران أو في سوريا، وهي إن حدثت في سوريا فستكون بما لا يقبل الشك أنها تحدث ضمن أجواء قتالية حقيقية بمواجهة الطائرات والصواريخ الصهيونية.
وبالنظر إلى التطوّر الكبير الذي حدث لمنظومات الدفاع الجوي بحيث لم تعد هناك حاجة للتحكّم بالبطاريات عبر أنظمة تحكّم مركزية، وباتت كل عربة أو مُجنزرة تحمل الصواريخ مُجهَّزة بكل ما يلزمها من أنظمة قيادة وسيطرة ورادارات كَشْف وتعقُّب وأنظمة رؤيا كهروبصرية وحرارية، ما يعني أنّ عمل المنظومات بات مستقلاً ويخضع لتقديرات طاقم العربة أو المُجنزرة والذي يمكنه البقاء لفتراتٍ طويلةٍ ضمن مرحلة الصمت الراداري التي تحرم العدو من قدرة تحديد مكان المنظومة، ويمنح العربة عامل المُفاجأة من خلال تشغيل نظام تتبُّع الطائرة والإطباق عليها ضمن ثوانٍ معدودة.
ولأن المنظومات الدفاعية الحديثة تمتلك هذه الخواص، فمن المؤكَّد أنّ المقاومة ستشغّل منظومات الدفاع الجوّي بنظام الكمائن وهو نظام استخدمه الجيشان السوري والمصري خلال حرب 1973 بمنظوماتٍ قديمةٍ حينها وبات أكثر فاعلية وتأثيراً مع المنظومات الحديثة.
أمّا لماذا نتحدَّث وكأن الأمر بات واقعاً؟ فمن المعروف أنّ المقاومة كما حصلت على صواريخ أرض– أرض وصواريخ الكورنيت وغيرها من سوريا وإيران، فمن المؤكَّد أن المقاومة قادِرة على الحصول على حاجتها من منظومات الدفاع الجوّي التي تتلاءم مع طبيعة الجغرافيا اللبنانية، خصوصاً وأن عشر عربات من منظومة أس – 22 بانتسير إس – 1 وعشر عربات من منظومة بوك – إم 2 (نموذجها الإيراني هو منظومة خرداد التي أسقطت المُسيِّرة الأميركية أخيراً)، إضافة إلى عشر عربات من منظومة أوسا سام – 8 تؤمّن غطاء جوياً للمجال الجوّي اللبناني يمكنه التعامل مع الطائرات الصهيونية وخَفْض فاعليّتها بشكلٍ كبير، إذا ما تزامنت عملية التصدّي للطائرات الصهيونية مع عمليات استهداف للمطارات الصهيونية وخصوصاً أبراج المراقبة والمدارِج ما سيخفّض قدرات سلاح الجو الصهيوني.
هذه المنظومات يمكنها أن تختبيء في أيّ مكانٍ وتمتاز بسرعة التحرّك والإنتقال، وستكون بالحد الأدنى قادِرة على التخفيف من قدرات سلاح الجو الصهيوني على الإرتفاعات المُنخفِضة والمتوسّطة، وهو ما سيضع هذه الطائرات ضمن مدى الإس – 200 والإس – 300 السوري في حال حلّقت على ارتفاع عالٍ في المجالين الجويين للبنان وفلسطين المحتلّة ما يُحقِّق التكامُل في ظلّ أية مواجهة شاملة.
أمر أخير وهو أنّ المقاومة ستعتمد بالتأكيد التشغيل التدريجي المتناسب لمنظومات الدفاع الجوّي، وسيكون بمقدور الطواقم إجراء تقدير للموقف قبل اتخاذ القرار باستهداف الطائرات الصهيونية ضمن قواعد قِتال البقعة من دون الرجوع إلى المركز لتحقيق عامِل السرعة والمُفاجأة.