لهذه الأسباب أقال ترامب جون بولتون!
لم يكن مُفاجئاً قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم بإقالة مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، فالقرار كان متوقعاً منذ حزيران/ يونيو الماضي بعد بروز خلافات بين ترامب وبولتون بشأن السياسة الخارجية، وخصوصاً بعد تراجع ترامب عن توجيه ضربة لإيران وإعلانه رغبته في التفاوض معها، وكذلك بسبب تشدد بولتون في مواقفه تجاه المفاوضات مع كوريا الشمالية وحركة طالبان في أفغانستان، ورفضه انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها اليوم أن عزل ترامب لمستشاره الثالث للأمن القومي جون بولتون جاء بسبب خلافات جوهرية بشأن كيفية التعامل مع تحديات السياسة الخارجية الكبرى مثل إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان.
وأعلن ترامب عن قراره على موقع "تويتر" قائلاً: "أخبرت جون بولتون الليلة الماضية أن خدماته لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض. اختلفت بشدة مع العديد من اقتراحاته، كما فعل آخرون في الإدارة، وبالتالي طلبت من جون تقديم استقالته، التي قُدمت إليّ هذا الصباح. أشكر جون جزيل الشكر على خدمته. سأعيّن مستشاراً جديداً للأمن القومي الأسبوع المقبل".
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن رحيل بولتون يأتي في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى الانفتاح الدبلوماسي على عدويّن من أعداء الولايات المتحدة الأكثر عناداً، أي كوريا الشمالية وإيران، وهي الجهود التي أزعجت المتشددين في الإدارة، مثل جون بولتون، الذي يرى أن الدولتين "غير جديرتين بالثقة".
فقد استمر ترامب في التفاوض مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، على الرغم من رفض كيم التخلي عن برنامجه النووي، وعلى الرغم من التجارب الصاروخية القصيرة المدى المتكررة التي أجرتها كوريا الشمالية والتي هزّت جيرانها.
وقالت الصحيفة إنه في الأيام الأخيرة، أعرب ترامب عن استعداده للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني في ظل ظروف مناسبة، وأعلن حتى استعداده لتقديم تمويل قصير الأجل لطهران، على الرغم من أن العرض قد رُفض حتى الآن.
وكشفت "نيويورك تايمز" أن ترامب ظل يشتكي منذ فترة طويلة سراً من أن بولتون كان على استعداد لإدخال الولايات المتحدة في حرب أخرى.
وقد تفاقم التوتر بين الرجلين في الأشهر الأخيرة بقرار الرئيس ترامب إلغاء الغارة الجوية المخططة على إيران، رداً على إسقاط طائرة استطلاع أميركية بدون طيار، وكذلك بسبب لقاء ترامب والزعيم الكوري في المنطقة المنزوعة السلاح وعبوره إلى كوريا الشمالية.
فقد فضّل بولتون الضربة على إيران وانتقد علناً تجارب الصواريخ الكورية الشمالية الأخيرة التي تجاهلها ترامب. وبعد أن رتب الرئيس اجتماع "المنطقة المنزوعة السلاح" مع كيم عبر تغريدة على "تويتر" في اللحظة الأخيرة، اختار بولتون عدم مرافقته وبدلاً من ذلك قام برحلة إلى منغوليا.
وقالت الصحيفة الأميركية إن الخلاف بين الرئيس ومستشاره للأمن القومي يعود إلى الخلاف بالشخصية بقدر الخلاف بالسياسة. فلم يُظهر الرئيس لبولتون أبداً شعوراً حاراً، وهي ديناميّة غالباً ما تكون قاتلة في البيت الأبيض. كما اشتبك بولتون مع وزير الخارجية مايك بومبيو.
ويعكس الانشقاق في جوهره اختلافاً فلسفياً عميقاً تميزت به رئاسة ترامب. على الرغم من أن ترامب قد استخدم لغة بذيئة، فقد جاء إلى منصبه متشككاً بعمق في المغامرات العسكرية الخارجية، وواعداً بمفاوضات لحل النزاعات المضطربة. بينما كان بولتون أحد أكثر صقور واشنطن صراحة والمدافعين عن استخدام القوة الأميركية للدفاع عن مصالح البلاد.
بولتون، 70 عاماً، نائب وزير خارجية سابق وسفير لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، لم يشترك يوماً بالكامل في مغازلة ترامب للزعيم الكوري الشمالي، وعبّر عن خيبة أمله من أن الرئيس لم يكن مستعداً لفعل المزيد لتحويل الشرق الأوسط في خدمة المصالح الأميركية.
كان بولتون متصلباً في توجيه ترامب في ما رأى أنه الاتجاه الصحيح، حيث اشتبك مع مسؤولين في وزارة الدفاع أعربوا عن جزعهم من طلبات بولتون لخطط الحرب الطارئة.
وأثناء وجوده في منصبه، سعى بولتون إلى التقليل من خلافاته مع الرئيس إلى الحد الأدنى في الأماكن العامة. فبعد أن قال ترامب إنه سيكون مستعداً للقاء الرئيس الإيراني، وحتى لتقديم خط ائتماني لمساعدة طهران على التغلب على صعوباتها المالية أثناء سير المحادثات، أصر بولتون على أن هذا الأمر لا يعكس تنازلات من الرئيس.
وقال بولتون لـ"راديو أوروبا الحرة / راديو ليبرتي" إن ترامب "سوف يجتمع مع أي شخص ليتحدث معه. إنه مفاوض. هو صانع الصفقات. لكنّ التحدث معهم لا يعني ضمناً - بالنسبة إلى الرئيس ترامب، لا يعني تغيير موقفك".
عُيّن بولتون في ربيع عام 2018، خلفاً للجنرال مايك فلين، الذي استقال من منصبه كمستشار للأمن القومي بعد 24 يوماً، وأقر بعد ذلك بأنه مذنب في الكذب على مكتب التحقيقات الفدرالي، وخلفه الجنرال إتش. آر. مكماستر، الذي لم يُقم علاقة قوية مع الرئيس على الإطلاق، وأُرغم على الرحيل".
في اختياره بولتون، أعرب ترامب عن تقديره لأدائه على قناة "فوكس نيوز"، وأراد إيجاد تباين مع الجنرالات الحاليين والمتقاعدين الذين كان يُعتقد أنهم يديرون فريق السياسة الخارجية التابع له. حصل بولتون أيضاً على الدعم القوي من الملياردير اليهودي شيلدون ج. أديلسون، قطب الكازينو والداعم الكبير للحزب الجمهوري الذي يعد مؤيداً رئيسياً لترامب.
قبل وقت طويل من تعميم ترامب لشعاره "أميركا أولاً"، وصف بولتون نفسه بأنه "أميركاني" أعطى الأولوية لوجهة نظر متعمقة عن المصالح الوطنية والسيادة على ما اعتبره كلاهما بمثابة ترسيخ غامض لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد تشاطرا الشكوك العميقة حول العولمة والتعددية، وهو الشيء الذي مكّن بولتون من استغلال وقته في البيت الأبيض لتنظيم انسحاب الولايات المتحدة من معاهدات الحد من الأسلحة والاتفاقيات الدولية الأخرى.
بدعم من ترامب، ساعد بولتون على سن سياسات ترمي إلى الضغط على كوبا، وتراجع عن بعض وليس جميع التدابير التي اتخذها الرئيس السابق باراك أوباما في انفتاح دبلوماسي على الجزيرة الثورية. من بين أمور أخرى، فرضت إدارة ترامب قيوداً على السفر والتحويلات المالية إلى كوبا، وفتحت الباب أمام دعاوى قضائية رفعها الأميركيون الذين استولت على ممتلكاتهم بعد الثورة في عام 1959.
ولكن إذا كان فريق الأمن القومي الأصلي للرئيس ترامب يعد كابحاً لجماح قائد جديد زئبقي، فقد وجد الرئيس نفسه في بعض الأحيان يكبح جماح بولتون. وراء الكواليس، مازح ترامب حول ميل بولتون للمواجهة، إذ يتذكر أحد المسؤولين البارزين في إدارة ترامب قول الرئيس: "لو كان الأمر متروكًا لجون (بولتون)، لكنا في أربع حروب الآن".
كما يعود استياء ترامب من بولتون إلى الجهود الفاشلة للتخلّص من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. فبدلاً من النصر السهل الذي كان يتوقعه، وجد الرئيس نفسه متورطاً في صراع كان نفوذه فيه أقل مما كان يفترض. إن المعارضة السياسية المدعومة من البيت الأبيض لم تتمكن من تحويل جيش فنزويلا ضد مادورو وقد ظلت عالقة منذ أشهر.
وقالت "نيويورك تايمز" إن الاختلاف بين ترامب وبولتون برز في أيار/ مايو الماضي خلال أول رحلة قام بها الرئيس الأميركي هذا العام إلى اليابان. فبعد أن أخبر بولتون المراسلين أنه "ليس هناك شك" في أن إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية القصيرة المدى انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، رفض ترامب هذه المخاوف، وبقي حريصاً على الحفاظ على علاقته المتوترة مع كيم.
وقال الرئيس للصحافيين: "يعتقد شعبي أنه كان يمكن أن يكون انتهاكاً، كما تعلم. أنا أرى الأمر بطريقة مختلفة."
كذلك، رفض ترامب فكرة العمل على إطاحة الحكومة الإيرانية، وهو هدفٌ ظل بولتون يسعى إليه منذ فترة طويلة كمواطن عادي. قال ترامب: "لا نبحث عن تغيير النظام. أريد فقط أن أوضح ذلك".
بعد اتهام إيران في حزيران/ يونيو بتفجير ناقلتي نفط في خليج عمان ثم إسقاطها الطائرة الأميركية بدون طيار، فضّل بولتون إظهار القوة، ومرّر توصية من فريق الأمن القومي بشنّ غارة جوية على رادار إيراني ومنشآت أخرى، التي قبلها ترامب في البداية فقط، ليغيّر رأيه في اللحظة الأخيرة، مبرّراً ذلك بأنه قلق بشأن الخسائر البشرية التي ستنجم عن الأمر.
وكان غياب بولتون واضحاً عن رحلة ترامب إلى المنطقة المجردة من السلاح بين الكوريتين، واللقاء الذي دام ساعة مع كيم. وقال فريق بولتون إنه كان يتابع جدول أعماله فقط من خلال الذهاب إلى منغوليا، وقد عُدّ ذلك إشارة إلى أنه كان مؤيداً بالكامل لانفتاح ترامب الدبلوماسي على كوريا الشمالية.
كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس تقريراً لعدد من مراسليها في واشنطن وكابول عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدعوة قادة حركة "طالبان" الأفغانية إلى منتجع كامب ديفيد لتوقيع خطة سلام تضمن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بعد 18 عاماً على غزوها لها.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن جون بولتون كان الصوت الرئيسي المعارض للاتفاق مع "طالبان" في الداخل، حيث حاول حلفاء بومبيو على نحو متزايد عزل بولتون، الذي جادل بأن ترامب يمكن أن يسحب 5000 جندي مع ترك قوات كافية للمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب من دون اتفاق مع "طالبان"، لأنها مجموعة قال إنه لا يمكن الوثوق بها.
وكان الكاتب كورت ميلز قد كتب أمس مقالة في صحيفة "ذا أميريكان كونسرفلتيف" الأميركية بعنوان "هل انتهى وقت جون بولتون؟"، تحدث فيها عن ارتفاع الثرثرة حول الخروج المحتمل لمستشار الأمن القومي جون بولتون من الإدارة، مشيراً إلى أن الأخير كان "الشرطي السيئ" للرئيس ترامب.
ويشير الكاتب إلى أن الخلاف بين الرجلين يعود إلى عيد الميلاد الماضي في كانون الأول/ديسمبر 2018، عندما قام ترامب برحلة مفاجئة إلى القوات الأميركية في العراق، بعدما أعلن أمام وسائل الإعلام انسحاباً مفاجئًا للقوات الأميركية في سوريا. فبرغم كون ترامب هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأكثر تشككًا في دور أميركا في الخارج منذ جيل على الأقل، إلا أنه كان دائماً مهتماً بالقدر نفسه بعدم الظهور "ضعيفاً".
وأشار ميلز إلى أن ترامب وبولتون لم يكونا قريبين، وفقاً للمقابلات التي أجراها مع مسؤولي الإدارة الحاليين والسابقين، وأولئك الذين عرفوا الرجلين منذ سنوات. وتساءل: "لماذا يجلس سفير جورج دبليو بوش السابق في كرسي هنري كيسنجر وبرنت سكوكروفت في البيت الأبيض؟ وهل يمكن عدّ أيامه في هذا الدور؟". وأضاف: "لم يكن أي سياسي كبير، ولا حتى باراك أوباما، معارضاً لحرب العراق بشراسة أكثر مما فعل ترامب خلال الانتخابات التمهيدية".