هل تلجم المنصّة الدولار؟
قبل أكثر من شهرين، أُعلِن إنشاءُ منصّة إلكترونية لتحديد سعر صرف الدولار، عقب اجتماع عُقِد بين المستشار المالي لرئيس الجمهورية اللبنانية الدكتور شربل قرداحي، وحاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة. وكان من المفترض بها أن تُطلَق خلال أسبوع.
تهدف هذه المنصة إلى تهدئة السوق، عبر إشراك المصارف والصرّافين فيها، إلى جانب الشركات والأفراد، لبيع الدولار وشرائه بسعر قريب إلى سعر السوق الموازية، على أن يقوم المركزي بالتدخّل عند الحاجة، وبحسب إمكاناته.
بعد شهرين، أعلن المصرف المركزيّ إطلاق منصة "صيرفة" تجريبية لدى الصرّافين الذين يبيعون الدولار ويشترونه، بحسب سعر التطبيقات، يقومون من خلالها بتحديد تفاصيل كل عملية، مثل هُوية الشاري وسبب الشراء... حتى يستطيع المركزي تقدير حجم السوق والسعر النهائي في هذه المنصة.
المنصّة لن تخفّض السعر
القول إنّ المنصّة تهدف إلى خفض سعر صرف الدولار هو أمر مُجافٍ للحقيقة، ما لم تكن جزءاً من الإجراءات المتَّخَذة ومن خطّة الإنقاذ الشامل، بل هي إجراء موقَّت، هدفه تنظيم الفوضى وتخفيف الأضرار. كما أن الخطوات التي تُتَّخَذ حالياً ليست حلاً، بل هدفها تخفيف الآلام، ولا يمكن تثبيت سعر الصرف.
جَسّ نبض
انطلاق المنصّة جرى كعملية جسّ نبض وجمع للمعلومات، فالمركزي يدخل السوق السوداء وهو لا يحيط بكل تفاصيلها. وما طلبه من الصّرافين هو العمل وفق سعر السوق الموازية، لكن مع تسجيل العمليات كافّةً، بهدف جمع المعلومات ومحاولة معرفة حجم السوق، على نحو تقريبيّ، وتحديد السعر المرجعي الذي ستنطلق منه المنصة، وهو سعر مشابه لسعر السوق الفعلي، حتّى يتجّه الناس إليها، وتحلّ بدلاً من السوق الموازية.
أحد أهداف هذه المنصّة هو الشفافية، ليكون المصرف المركزي محيطاً بالسوق الحرّة ومعلوماتها، لا كما حدث عندما وصل سعر الدّولار إلى 15000 ليرة لبنانية. وعندما سأل رئيس الجمهورية حاكم المصرف المركزيّ عن سبب هذا الارتفاع، لم يقدم إجابة واضحة. وحدّد المصرف المركزي من خلال 3 تعاميم أصدرها، بشأن إطلاق المنصّة، أنّها مفتوحة للجميع، وهدفها تنظيم عمل المنصة، وتأطير وظيفتها.
وبحسب التعاميم، لا يموّل المصرف المركزي والمصارف المنصة، بحسب الخبير أنطوان فرح، بل "هي عملية نقل للسوق السوداء إلى المصرف والصرّاف الشرعي". أما الصندوق الذي أعلن المركزي إنشاءه، فإنه يهدف إلى التدخّل في حالات معيّنة للَجْم السوق، وهو لن يعلن المبلغ المرصود، إلّا أنّه يتلاءم مع قدراته والضرورة القصوى التي تستدعي تدخّله.
ومن خلال الشفافية التي حاول المركزي اتِّباعها، عبر تسجيل كل العمليات ورفع السرية المصرفية عن الحسابات، يمكنُ كشفُ آليات العمل، والحدُّ من عملية المضاربة التي كانت تجري في السوق السوداء. وما سيحدث هو تمويل ذاتيّ للعمليات اليومية، مثلما يحدث في السوق السوداء حالياً؛ أي من خلال عمليات شراء الدولار وبيعه لتأمين عمليات الاستيراد.
12000: سعر مرجعيّ
حدّد المصرف المركزي سعر 12000 لبيع الدولار وشرائه، بعد الفترة التجريبية التي افتتح خلالها المنصة. ويستطيع الصرّافون والمصارف بيع الدولار وفق هذا السعر.
مُعوِّقات المنصّة
تنطلق المنصّة وسط ظروف سياسية واقتصادية صعبة، مع الحديث عن رفع الدعم، والسؤال عن صمودها أمام هذه الضغوط، ونجاحها في تحديد سعر مبدئي للدولار، واستمراريتها، وخصوصاً أن وزير المال غازي وزني يعتبر أنّها تهدف إلى التخفيف من السعر، وأنها مرحلية. وهنا، ستتعاطى المصارف كالصرّافين، فيمكنها شراء أوراق نقدية من عملائها، وشراء عملات أجنبية في مقابل الليرة، أو بيع عملات نقدية أجنبية.
ويعتبر الخبير المصرفي نسيب غبريل أنّ "المصرف المركزي لا يملك عصاً سحرية لخفض سعر صرف الدولار"، مطالباً بألا تكون التوقّعات المرجوّة من المنصة غيرَ واقعية. ويعتبر أنّ "هدف المنصة الأقصى هو الحدّ من تدهور سعر صرف الليرة، وتخفيف الاعتماد على السوق السوداء، والشفافية في عمليات شراء العملات الأجنبية وبيعها".
ولفت غبريل إلى أنّ "الحلّ أشمل وأكبر كثيراً من منصّة"، متمنياً أن يُبذَل جهد لتشكيل سلطة تنفيذية، وتشكيل حكومة تكون أولويَّتها المطلقة وضع مشروع إصلاحي تمويلي متكامل، والذهاب به للتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وطالب بأن تتضمّن الخطّة، (هذا الأمر هو أحد شروط صندوق النقد)، بالتوافق بين مصرف لبنان والحكومة عبر وزارة المالية، وبين صندوق النقد الدولي "توحيدَ أسعار صرف الدولار التي تتعدَّد بين السعر الرسميّ الذي يعتمده المركزي لتعاملاته مع المصارف (1507.5 ليرة)، وسعر 3900 ليرة، بحسب لمنصة الأولى، والذي يُستخدم لسحب أموال المودعين، وسعر منصة "الصيرفة"، بالإضافةً إلى السعر المتداوَل في السوق الموازية". ويضيف غيريل أنه بعد التوقيع على الاتفاق وتحديد تاريخ لسريان تحديد سعر الصرف، يصبح حينها السعر موحَّداً، وتختفي السوق الموازية.
ويردّ غبريل الأزمة إلى عدم السير في مشروع إصلاحيّ، الأمر الذي أدّى إلى أزمة فقدان الثقة، وغياب تدفّقات رؤوس الأموال، وتسبّب بشحّ في السيولة في السوق اللبنانية، وظهور سوق سوداء لتحديد سعر صرف الدولار، متحدّثاً عن عدم وجود قرار لمعالجة الأزمة، ووجود لامبالاة سياسية، وعدم إعطاء الوضع الاقتصادي والمعيشي الأولوية. ويعتبر مراقبون أنّ "تحميل المنصّة أكثر ممّا تحمل، على قاعدة أنّها ستثبّت سعر الصرف، هو كلام خارج العقل والمنطق".
وتربط مصادر متابعة نجاح المنصّة بمسألتين رئيسيتين، هما الدعم وقانون الـCAPITAL CONTROL. فعلى السّلطة البتّ في مسألة رفع الدعم أو ترشيده. فكيف يستطيع "المركزي" أن يموّل المنصة، وهو يقدم دعماً يكلّفه نحو 500 مليون دولار شهرياً، وهو من الاحتياطي الإلزامي، علماً بأن ترشيد الدعم يؤدّي فقط إلى خفض سعر صرف الدولار بصورة موقتة، فمثلاً، إنّ خَفضَ الدعم من 500 مليون دولار شهرياً إلى 250 مليوناً، بشرط أن يذهب فارق المبلغ إلى حساب المنصّة، سيخفّض سعر الصرف من 13000 ليرة إلى ما دون 10000 ليرة للدولار الواحد، إلّا أنّ رفع الدعم سيؤدّي إلى طلب كبير جداً على الدولار.
وتعتبر المصادر أنّ إقرار قانون الـCAPITAL CONTROL ضروريٌّ لنجاح المنصّة، وهو يهدف إلى التفريق قانونياً بين حسابات الدولار القديمة وحسابات الدولارات الطازجة، ويؤمّن للحاكم والمصارف حمايةً قانونية "تُشَرّع" تسديد الودائع القديمة بالليرة. بمعنى آخر، تأمين حماية لاستخدام الاحتياطي الإلزامي، وهو عبارة عن أموال المودعين.
بالنسبة إلى موضوع الدّعم، تدلّ كلّ المؤشرات على عدم وجود طرف في السلطة مستعدّ لاتخاذ قرار بشأن رفعه أو ترشيده، في ظل عدم تأمين البطاقة التموينية التي اقترحتها الحكومة المستقيلة بديلاً منه. ويبدو أنّ الطريق لا تزال طويلة أمام إقرار قانون الـCAPITAL CONTROL، إذ لم تتمّ مناقشة نسخته المحدَّثة في اللجنة الفرعية في المجلس النيابي.
وأخيراً، مع الحديث عن الـCAPITAL CONTROL، ورفع الدعم، والبطاقة التموينيّة، والمنصة، المطلوب هو رؤية واضحة وإيجاد حلّ شامل للأزمتين المالية والاقتصادية.