رفع الدعم والبطاقة التمويليّة
باشرت الحكومة إعداد مشروع للبطاقة التمويليّة لتقديمه إلى المجلس النيابي بهدف إقراره، بعد أن أبلغ حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بأن لا قدرة لديه على الاستمرار بدعم المحروقات والسلع الغذائيّة والأدوية بعد أيّار/مايو، بسبب وصول احتياطاته النقديّة إلى الاحتياط الإلزامي البالغ 15 مليار دولار.
وتنصّ مسودة مشروع البطاقة على منح 750 ألف أسرة مبلغاً شهرياً بالدولار الأميركي، بمتوسط 137 دولاراً لكلّ أسرة، بعد أن تراجعت القدرة الشرائية للأسر، جرّاء الانهيار الحاد للعملة الوطنية التي فقدت أكثر من 80% من قيمتها. هذا المشروع المعدّ لسنة واحدة يكلّف ملياراً و200 مليون دولار، ما يوفّر، بحسب المشروع المقترح، أكثر من مليارين ونصف المليار من الدعم الذي يتكبّده مصرف لبنان سنوياً.
في العادة، تقوم الدّول بدعم سلع معيّنة، بهدف مساعدة فئات اجتماعية دخلها محدود، وتساند قطاعات اقتصادية تمرّ بصعوبات مالية معينة. هذا الدعم يكون من احتياطات المصرف المركزي أو من أموال الخزينة المودعة في المصرف المركزية، لكنّ الدعم حالياً لا يؤمّن من الاحتياطات، بل من الأموال المودعة لدى المركزي.
هذا الدعم الذي قدمته الدولة يفتقد الحد الأدنى من العدالة، وفيه من الظلم الكثير، إذ يتمّ استخدام أموال الناس فيه، كما أنّه يفتقد مبدأ التضامن الاجتماعي، فجزء من هذا الدعم يذهب إلى غير اللبنانيين المقيمين بطريقة قانونية أو غير قانونية.
وهناك باب آخر لعدم وصول الدعم إلى مستحقيه، من خلال احتكار التجّار معظم السلع المدعومة، عبر إعادة بيعها في السوق على أساس أنّها غير مدعومة، وتصدير بعضها إلى الخارج بطرق غير شرعية لجني الأرباح، مع غياب مراقبة أجهزة الدولة المعنية بالشأن الاقتصادي كلياً. هذا الأمر لم يعد يعتبر تضامناً اجتماعياً، بل يعتبر سرقة وتصرفاً كيفياً بأموال الناس.
العوائق الاقتصادية والماليّة للبطاقة التمويليّة
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السلع المدعومة فقدت تماماً من السوق المحلي قبل رفع الدعم بشكل رسمي، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائيّة بشكل جنوني، إذ تجاوز سعر كيلو اللحمة (البقر) 100 ألف ليرة، وكيلو الدجاج 50 ألف ليرة، إضافة إلى فقدان الأدوية وأزمة الوقود، ما يطرح السؤال التالي: هل ستحقق البطاقة التمويلية هدفها في ظلّ كلّ هذه الأزمات؟
يرفض رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب الموافقة على رفع الدعم مع عدم تأمين البديل، فالبطاقة التمويلية تحتاج إلى تمويل بالعملة الصعبة لمساعدة الأسر الفقيرة على تحمّل تبعات رفع الدعم، الأمر الذي لا يبدو أنّه متوفر، في ظل الانسداد الخارجي لتأمين التمويل، وهو ما حدث مع الرئيس دياب في زيارته الأخيرة إلى قطر، إذ فشل في تأمين التمويل للبطاقة. أمّا زيارته إلى العراق، فقد أجّلت إلى وقت غير معلوم.
على الصعيد المحلّي، يرفض حاكم المصرف المركزي تأمين التمويل، بحجة عدم وجود سيولة في الأموال المتبقية التي وصلت إلى الاحتياط الإلزامي الذي يرفض تخطيه، وخصوصاً مع تحذير وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من المسّ بالاحتياطي الإلزامي، ما سيؤدّي إلى توقف المصرف المراسل الأخير (GB Morgan) عن فتح اعتمادات لشراء السلع الأساسية التي يحتاجها لبنان. ويرفض سلامة والمصارف تمويل البطاقة على سبيل الاستدانة.
كما لا يوجد معيار واضح لتصنيف العائلات المستحقة للبطاقة التمويلية، وخصوصاً أنّ هناك خشية من الاستثمار السياسي من قبل السلطة والأحزاب، في ظل ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، إذ إن معظم الأسر اللبنانية يقلّ دخلها عن مليوني ليرة، ما يعقّد موضوع السير بالبطاقة التي قد لا ترى النور مع وجود الانحدار التنازلي الحاد لقيمة الليرة اللبنانية، ليطرح السؤال الآتي: ما البدائل الواقعية التي يمكن أن تقدمها الدولة لمواطنيها بعد رفع الدعم؟
وهناك خشية من حدوث انفجار اجتماعي واضطرابات أمنية وفوضى. على سبيل المثال، سيتخطى سعر صفيحة البنزين 120 ألف ليرة عند رفع الدعم، ما سينعكس ارتفاعاً للأسعار للسلع الأساسية التي يحتاجها المواطن.
وفي هذا السياق، يعتبر الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي أنّ كل ما جرى من إقراض للخزينة عبر سندات "يورو بوندز" اكتتب فيها المصرف المركزي من أموال المودعين، مخالف لقانون النقد والتسليف الذي لا ينصّ على وجود احتياطي إلزاميّ لدى المصرف المركزي بالعملات الأجنبية، بل بالليرة اللبنانية فحسب، ولا يأتي على ذكر تكوين احتياطات إلزامية بالعملة الصعبة كنسبة من ودائع المصارف.
ويشدّد يشوعي على ضرورة رفع الدعم الذي يعتبره تعدياً على أموال المودعين، الذين يجب أن يعيد المصرف المركزي أموالهم بنسب معيّنة عبر المصارف، على أن يدعم كل فرد نفسه بما يحتاج، فيما تقوم الدولة بتخصيص مساعدات للعوائل الفقيرة.