هل تنجح تونس في اقتناص الفرصة وتعيد تموقعها في ليبيا؟
بعد نجاح الحوار الليبي في جنيف برعاية الأمم المتحدة، والتوصل إلى تشكيل الحكومة الليبية، وانتخاب رأسي السلطة من رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة ورئيس الجمهورية محمد المنفي بدأت العديد من الدول العربية والخليجية والأوروبية في التسابق، لإعادة تموقعها داخل ليبيا، لا سيما وأن السوق الليبية أصبحت سوقاً واعدة للإعمار وأيضاً لجلب اليد العاملة. ومن بين هذه الدول مصر التي بدأت مفاوضات جديدة حول إعادة مواطنيها للعمل داخل ليبيا، والرفع من حجم احتياطها من العملة الصعبة، في حين انطلقت عدة دول خليجية في توقيع عقود الإعمار داخل ليبيا بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا وتركيا في المجال الطاقي.
هذا التسابق نحو ليبيا يدفع الى التساؤل أين تونس من هذا السباق، خاصةً وأنها كانت من أول الدول التي فتحت حدودها لليبيين وتحملت أعباء كبيرة جراء الأزمة الليبية، ناهيك عن أن ليبيا تعد الشريك الاقتصادي الأول لتونس في المغرب العربي، وهي تحتل المركز الخامس بعد فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، وذلك استناداً إلى تقارير البنك الدولي، فالسوق الليبية تستوعب قرابة 70% من حجم الصادرات التونسية سنوياً، باستثناء التهريب والتجارة الموازية اللذين يشكلان أكثر من نصف المبادلات التجارية.
خسائر تونس في السوق اللبيبة
تكبدت تونس خلال 10 سنوات الماضية خسائر ناهزت 5 مليارات دولار، بحسب بيانات ليبية رسمية، أي أن أكثر من 11 مليار دينار تونسي، وهو رقم كانت له انعكاسات سلبية للغاية على مستوى فقدان التونسيين لمواطن شغلهم في ليبيا، بالإضافة إلى إغلاق 1300 شركة تونسية تعمل في قطاعات تجارية وخاصة المواد الغذائية، ويتراوح رقم معاملاتها بين 50 ألف دينار (17.5 ألف دولار) وأكثر من 50 مليون دينار (17.5 مليون دولار) لحقتها أضرار بالغة جراء توقف التبادل التجاري مع ليبيا.
تونس أمام فرصة تاريخية.. فهل تقتنصها؟
في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها تونس وانشغال الطبقة السياسية بالصراعات الداخلية، بدأت دول أخرى في اقتسام حصتها من السوق الليبية. وفي هذا السياق، قال سفير الاتحاد الأوروبي بتونس ماركوس كورنارو: "إذا لم تستغل تونس الفرصة وتنشط موانئها باتجاه طرابلس، سيأتي غيرها ليفتك منها الفرص والمشاريع".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل أنه من حق تونس التي تحملت أعباء كبيرة جراء الأزمة الليبية أن تكون شريكاً اقتصادياً في هذه المرحلة، خاصةً وأن الليبيين أنفسهم يكنون الامتنان تجاه تونس التي ساندتهم واحتضنتهم في أيام الحرب"، بحسب تعبيره.
الاستفادة من السوق الليبية ليس خياراً بل ضرورة قصوى، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تشهدها تونس، وتؤكدها كل المؤشرات، حيث قاربت نسبة البطالة 20%، كما خفّضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، تصنيف الإصدار الطويل الأجل للعملة الأجنبية والمحلية لتونس من B2 إلى B3، محافظةً على توقعاتها السلبية.
ورغم كل هذه السلبيات، تمتلك تونس إمكانيات بشرية كبيرة وخبرات في كافة المجالات، ما يمكنها من المساهمة وبشكل كبير في إعادة اعمار ليبيا. غير أن هذه الخطوة تحتاج إلى تحرك دبلوماسي جدي، وتجاوز الصراعات السياسية الداخلية، والعودة إلى الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، والتحرك نحو تفعيل اللجان الثنائية بين البلدين خلال الفترة القادمة، ورسم سياسات اقتصادية جديدة مع هذا البلد الذي يزخر بفرص جديدة للأستثمار والتنمية.
كما أن النجاح في إعادة كسب السوق الليبية سيكون مرهوناً بقدرة الدبلوماسية الاقتصادية التونسية على استغلال نقاط القوة المشتركة بين الأطراف التونسية و الليبية، ومدى قدرتها أيضاً على الاقتناع بجودة خدماتها وخبراتها وسط تسباق مشحون بمنافسة كبيرة بين عديد الدول.