سوريا تطرح فئة نقدية جديدة.. فهل تؤثر سلباً على التضخم؟
أثار طرح مصرف سوريا المركزي لعملة نقدية جديدة من فئة 5 آلاف ليرة سورية تخوف العديد من السوريين من انهيار الليرة.
وبيان المصرف الذي نشره عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" اعتبر أن الوقت قد أصبح ملائماً، وفق المتغيرات الاقتصادية الحالية لطرح فئة نقدية جديدة. لتبدأ تساؤلات كثيرة حول ماهية الورقة النقدية ومستقبلها على الليرة أو ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية.
إذ جاء قرار المصرف المركزي موافقاً لما طرحه بعض المحللين الاقتصاديين الذين توقعوا مسبقاً طرح ورقة نقدية جديدة من فئة الـ 5 آلاف ليرة سورية، رغم نفي المصرف بشكل مستمر لتلك التقديرات أو الشائعات.
أوضح المصرف في بيانه أنه اعتمد على طباعة أوراق نقدية من الفئة الجديدة منذ عامين "بناء على دراسات قام بها خلال السنوات السابقة. الدراسة بحسب بيان المصرف المركزي تضمنت وضع خطة كفيلة بتأمين احتياجات التداول النقدي من كافة الفئات، كما أكدت الحاجة لفئة نقدية أكبر من الفئات المتداولة، بما يتناسب مع حاجة السوق من التداول النقدي.
بالمختصر يبدو المصرف المركزي السوري وكأنه يقدم توضيحاً مفاده "طباعة العملة الورقية من قيمة 5 آلاف ليرة جاء نتيجة التضخم الذي مر على اقتصاد البلاد".
هذا الواقع يذكر بطرح دمشق العلمية الورقية من قيمة 2000 ليرة، مطلع عام 2017، إذ جاءت بعد أن فقدت الليرة السورية حينها أكثر من ضعفي قيمتها عن عام 2015 وناهز سعرها حدود 550 ليرة للدولار الواحد بعد أن كان 250 ليرة للدولار صيف 2015.
جدل بين السوريين وخشية من تضخم قادم
بيان المركزي والإعلان المفاجئ عن طرح العملة الورقية من قيمة 5 آلاف ليرة بعد نفي متكرر أثار موجة جدل بين السوريين، بين من رأى فيها خطوة إيجابية تخفف من حجم الأوراق النقدية في التبادل، وآخرين وصفوها بالخطوة التي تعبر عن ضعف في الاقتصاد المحلي.
وفي كلتا الحالتين يعتبر القلق انعكاساً لضعف الواقع الاقتصادي في البلد بشكل عام، إضافة إلى حاجة السوق للتخفيف من العملات الورقية من فئة 50 و 100 و 200 ليرة، التي فقدت قيمتها الشرائية فعلياً.
نهاية عام 2019 بدأ الاقتصاد السوري مرحلة جديدة من التضخم، ففقدت الليرة بين أيلول/سبتمبر 2019 وحزيران/يونيو 2020 ما يقارب 5 أضعاف قيمتها ليصل سعر الصرف الى 2500 ليرة " في السوق السوداء" مقابل الدولار الواحد، وذلك نتيجة انخفاض النشاط التجاري المتمثل بتوقف كثير من المنشآت التجارية والصناعية عن العمل، بعد اعلان البدء بتطبيق "قانون قيصر"، والتشديد بحزم العقوبات الأميركية على سوريا وما ترتب عليها من عقوبات طالت أشخاصاً ومسؤولين وتجاراً عاديين، إضافة إلى مؤسسات سورية خاصة وعامة.
حزوري للميادين نت: نظرياً ليس هناك تضخم جديد أو تغير بالأسعار
الأستاذ في قسم العلوم المالية والمصرفية في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري أكد للميادين نت أن طباعة الورقة النقدية "الأكبر في تاريخ المصرف المركزي السوري"، ووضعها في التداول، لاشك له إيجابيات من حيث تسهيل التداول النقدي وسهولة نقل الأموال أو تخزينها وتخفيف تكاليف الإصدار النقدي على المصرف المركزي، مما يحقق وفراً اقتصادياً.
كلام دكتور الاقتصاد في جامعة حلب يعكس حاجة سوريا إلى هذه الورقة النقدية في ظل ضعف النظام البنكي السوري الذي يقتصر على تعاملات تجارية خاصة، وعدم امتلاك معظم المواطنين السوريين لحسابات بنكية، إلى جانب غياب التجارة الالكترونية في البلد، ما يجعل من الورقة النقدية الجديدة حاجة ماسة لتسهيل التداول والتخفيف من حجم الكتلة المالية التي يحملها الفرد لإنجاز معاملاته اليومية والتجارية.
كما اعتبر الحزوري أن طرح الورقة النقدية من فئة 5 آلاف يحمل في طياته اعترافاً رسمياً بالتضخم، وتدنياً للقوة الشرائية لليرة السورية، هنا يذهب الحزوري ليؤكد أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه أو في حال عادت الليرة لتفقد شيئاً من قيمتها قد يتطلب طرح فئات نقدية أكبر في المستقبل كفئة الـ 10 آلاف، ووصف ذلك بـ "الشر الذي لا بد منه إن لم يتم السيطرة على التضخم في المستقبل".
وأضاف الدكتور حزوري "أن طرح الفئة الجديدة سيكون مقابل سحب الأوراق النقدية التالفة والمشوهة من التداول، وأن كمية الأوراق النقدية من الفئة الجديدة تساوي كمية الفئات النقدية التالفة التي ستسحب من التداول.. أي لن يكون هناك عرض نقدي أكبر من العرض النقدي الحالي".
ويتابع "لن يكون هناك أي تضخم جديد، أو تأثير في المستوى العام للأسعار من الناحية النظرية". وأيضاً إن كانت الكميات الجديدة المطروحة للتداول تعادل حجم الزيادة في الإنتاج السلعي والخدمي الحقيقي في الاقتصاد، فلن يكون لها أي أثر على التضخم وارتفاع الأسعار.
أما إن كانت من أجل تمويل عجز الموازنة، من خلال الاقتراض من المصرف المركزي، فأكد حزوري أنه سيكون لها تأثير سلبي على المستوى العام للأسعار وستؤدي إلى المزيد من انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، وبالتالي على التضخم، وأثرها السلبي على الوضع المعيشي للمواطنين.
وعن مدى تأثير طرح الورقة النقدية الجديدة على سعر صرف الليرة في السوق السوداء غير الرسمية، أكد الدكتور حزوري، أنه في كل الحالات، هناك أثر نفسي يرافقه ردة فعل سلبية، ولاحظناها منذ اليوم الأول للإعلان الرسمي عن طرح الفئة الجديدة، ولوحظ من خلال تغير سعر الصرف في السوق السوداء، ولكن المهم هو مدى استمرار هذا الأثر السلبي أو تزايده، فاستمراره سيترتب عليه تضخم غير مبرر وغير حقيقي، ما يجعل من تدخل المصرف المركزي حاجة ملحة لضبط هذه الآثار.
حزوري: المهم هو معالجة الوضع الاقتصادي والعمل لتحسينه
ليبقى الأهم من طرح ورقة نقدية عالية القيمة من عدمه، برأي الدكتور حزوري هو معالجة الوضع الاقتصادي، والعمل الجاد للجم التضخم الاقتصادي من خلال دوران عجلة الإنتاج ما يترتب عليه من زيادة دخل الفرد، ليستطيع تأمين الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة، إلى جانب ضرورة العمل على ترشيد الاستيراد وإيقاف المستوردات الاستفزازية التي تساهم في تدهور سعر الصرف، من سلع رفاهية كأحدث أجهزة الموبايل والمتممات الغذائية والسيارات الحديثة جداً، والتي لا تخدم سوى الطبقات المخملية.
ليبقى التحدي أمام الاقتصاد السوري في المرحلة الحالية والمقبلة، مرتبط بقدرة الحكومة السورية على إدارة دفة الاقتصاد مجدداً في ظل تشديد أميركا والاتحاد الأوروبي لعقوباتهما على دمشق، والعمل على خنقها من خلال منعها من الحصول على موارد الطاقة كأدنى متطلبات البلد لإعادة دوران عجلة إنتاجه، وهنا يلاحظ اتجاه دمشق للعودة مجدداً للتأكيد على القطاع الزراعي كحالة بديلة تمكنها من تأمين متطلبات البلاد الأساسية في ظل العقوبات، لمنع تدهور أكثر في قيمة الليرة، ولتتجنب مستقبلاً أي احتمال للتوجه نحو طباعة لورقة نقدية جديدة أكبر.