رحلة الراهبات من يبرود إلى الحرية
محمد بلوط- صحيفة "السفير" اللبنانية: قبيل منتصف ليل الأحد بقليل انتهت معاناة راهبات معلولا الـ13والمساعدات الثلاث، مع إطلاق سراحهن، ليطوى بذلك ملف آخر من ملفات الخطف في سوريا، في "استنساخ" لسيناريو تحرير المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، سواء من حيث الضغط الميداني الذي شدّ الخناق على الخاطفين، او من حيث دور الأمن العام اللبناني والوسطاء الإقليميين وتفاصيل صفقة التبادل، ليصبح السؤال التالي: ماذا عن قضية المطرانين المخطوفين؟
لم تكن رحلة الأمتار الأخيرة للراهبات إلى الحرية سهلة، إذ تخللها الكثير من حبس الأنفاس، والصعود والهبوط في التوقعات، قبل ان تكتمل فصولها في ساعة مبكرة من فجر الإثنين، مع وصولهن إلى جديدة يابوس، حيث كان في استقبالهن الوسيط الذي لعب دوراً أساسياً في قضيتهن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بالإضافة إلى وفد يمثل البطريركية الأرثوذكسية ووزير الأوقاف السوري ومطران دمشق ومحافظ ريف دمشق وعدد من الذين واكبوا هذه القضية من ألفها إلى يائها.
وجاءت هذه النتيجة تتويجاً لمسار طويل من المفاوضات الشائكة التي استمرت طيلة ثلاثة أشهر وشاركت فيها دول، وخاصة قطر، وأدارها اللواء عباس ابراهيم، بإشراف رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
وصلت الراهبات المحررات إلى جديدة يابوس في نقطة تقع داخل الحدود السورية، بمواكبة الأمن العام، الذي كانت إحدى دورياته قد تسلمت الراهبات والمساعدات الـ16 عند نقطة وادي عطا في جرود عرسال، بعدما تعثّرت عملية الإفراج لبعض الوقت مساء الأحد، بفعل الضغوط التي مارسها الخاطفون في اللحظات الاخيرة لتعديل شروط الصفقة، وهو ما كاد يهدد مصير الاتفاق المبرم معهم، قبل أن يعودوا إلى التقيد به، بعد الرد القاطع الذي وصلهم من اللواء ابراهيم برفض أية محاولة للتجزئة أو التنصل من بنود الصفقة المتفاهم عليها.
وعُلم ان الخاطفين طرحوا في ربع الساعة الأخير زيادة عدد المعتقلات اللواتي يطالبون باطلاق سراحهن وتجزئة الصفقة، بحيث يُفرج أولا عن 8 من الراهبات المحتجزات ثم يُفرج لاحقاً عن الأخريات (صفقة ثانية)، على أن تطلق السلطات السورية عشرات المعتقلات لديها على مرحلتين ايضاً، لكن هذا الطرح رُفض من ابراهيم الذي أبلغهم بموقف حاسم مفاده: إما تنفيذ الاتفاق بحذافيره وإطلاق جميع الراهبات دفعة واحدة، وإما أن تلغى العملية من اساسها.
واقترن موقف ابراهيم بترك ضباط الأمن العام نقطة انتظار الراهبات في جرود عرسال، وقبل أن يتوجهوا إلى بيروت، جاءتهم تعليمات جديدة من اللواء ابراهيم بالعودة إلى النقطة المتفاهم عليها، اثر تراجع الخاطفين عن مطالبهم واتصالهم مجدداً بالوسيط القطري وإبلاغه استعدادهم للسير بالصفقة من دون تعديلات.
وما ساهم في إعطاء قوة دفع للمفاوضات هو أن الجيش السوري كان اشترط إطلاق الراهبات خلال 24ساعة، بالتزامن مع معطيات ميدانية في محيط يبرود مكان احتجاز الراهبات، ما دفع المسلحين إلى الموافقة على إبرام صفقة الأمر الواقع.
وفي المعلومات، أن تحرير راهبات معلولا جاء في سياق سلة متكاملة قضت بإطلاق سراح معتقلات في السجون السورية (أكثر من 150 وفق ابراهيم) وتسليم الخاطفين مبلغ 16مليون دولار أميركي، تولت تسديده دولة قطر التي حضر رئيس استخباراتها غانم الكبيسي إلى لبنان منذ ليل السبت (كان قد تابع المفاوضات من يوم الخميس من اسطنبول بالتنسيق اليومي مع اللواء ابراهيم الذي قطع زيارته إلى موسكو وعاد إلى بيروت على وجه السرعة).