ملخص الصحف العراقية 10-04-2014
تحت عنوان "لنحترم الديمقراطية ونحميها" كتب طالب قاسم ألشمري في صحيفة "البيان" :
فتحت المعركة الانتخابية أبوابها على مصراعيها، والرأي العام العراقي مبني على رغبته في الخروج من أزماته، وإيجاد حلول لملفاته المعقدة والمتراكمة على الرغم من خطورتها وشدة الحاجة لتكثيف الجهود الوطنيه الخيرة وتوحيدها لإخراج البلاد من أزماتها المركبة والمعقدة خاصة السياسية منها ونحن بنا حاجه الآن ان تتكلل معركتنا الانتخابية بالنجاح والسعي لانتخاب برلمان ذو قيمة مهنية تخصصية، تؤهله للقيام بواجباته التشريعية والرقابية ومهامه الوطنية وفي هذه اللحظات التاريخية.
وفي خضم الأحداث الوطنية وتجاذبانها يبرز دور الإعلام في تسليطه الأضواء على العمليات الانتخابية وبناء رأي عام فاعل ومؤثر يسهم بقوة في معركة الانتخابات لاختيار وتأشير أصحاب المهنة والخبرة والاختصاص والوطنية الذين بإمكانهم الإسهام الفعلي لإيجاد حلول حقيقية لملفاتنا العالقة عن طريق الرقابة الدقيقة وتشريع القوانين التي تسرع ببناء الدولة والمجتمع، وردم خنادق الصراعات عن طريق انتخاب ممثلي الشعب الذين بمقدورهم بناء منبر حر ومجلس نواب نظيف مقتدر ومتمكن من تحقيق رغبات العراقيين وتنفيذها على الرغم من كل الرهانات والفخاخ التي ينصبها لنا الاعداء ان تحقيق هكذا مهام وطنية وقيمية وإنسانية هي المهمة التي يجب ان يتحملها وينفذها ويصرفها البرلمان المقبل، ليحظى بثقة الشعب وتأيده والتعاون معه برلمان يمثل العراقيين ولا يتقاطع مع رغباتهم المشروعة، ليستطيع بعدها العراقيون من الانتصار على أزماتهم وتشكيل حكومة قوية.
ان تحقيق هذه الأهداف تتطلب عملاً جاداً متوازناً مدروساً مخططاً له من الكتل السياسية والشخصيات الوطنية والعقلاء والخيرين بمباشرتهم بعقد لقاءات لاستكمال أحاديثهم بشأن إنجاح الانتخابات بالاتصالات والتواصل الجاد للحفاظ على الديمقراطية في تحقيق النجاح لمعركتنا الانتخابية وعملياتها بخلق وإيجاد فضاءات للحرية والحفاظ على نزاهتها واحترامها من قبل الجميع إذا يجب أن تتحقق الاتصالات والحوارات لإيقاف الحروب الساخنة والباردة والحملات الإعلامية وخطاباتها التي تفرق ولا تجمع، كونها تعرقل الحوارات البناءة بين الكتل، وهذا يتطلب تشكيل لجان تنسيق عالية المستوى واعية لدورها ومسؤولياتها لتحقيق هكذا تقارب مفتاحه هذه الحوارات الناضجة، والعقول المتفتحة لتنسيق المواقف الوطنية واحترام الاستحقاقات الدستورية والشعبية والقضاء، لأن البلاد اليوم فيه انقسامات حادّة، ومن المفروض القيام بعمليات آمنة لإخراجها من هذه الانقسامات والعقد السياسية والاجتماعية المركبة التي صنعها السياسيون، لأن ظروفنا الوطنية والشعبية تحتاج لقادة وسياسيين وأشخاص يهمهم الانسجام والتوحد، ولتتم هذه العملية بصدق وطني وسلام باحترام اللعبة الديمقراطية والتفاهمات السياسية والتوافقات الدستورية التي لا تتقاطع مع الدستور، كوني اعتقد ان الظروف المقبلة إذا لم تتحقق فيها انتخابات ديمقراطيه نزيه ستكون صعبه جداً على العراق والعراقيين في انتخاب رئيس وزراء ذي تجربة وخبرة وممارسة عملية يرضى عنه العراقيون لأسباب كثيرة في مقدمتها عدم وجود قنوات حقيقية للحوار بين الكتل الرئيسة بالشكل الذي يحقق رغبات العراقيين وطموحاتهم والعامل الآخر الأوضاع والمواقف الإقليمية المتداخلة وغير الصحية والوضع الأمني المتغير وغير المستقر في العراق الذي ترك هواجس غير إيجابية لدى المواطن...
طوابير طويلة تنتظرك دولة رئيس الوزراء
كتب نوزاد حسن في صحيفة "العالم" :
كمسلمين نعشق الحاكم الذي يدور في الشوارع ويتفقد الرعية، نحبه اذا تنكر بثياب متسول لانه يريد ان يرى صور الظلم التي تقع خارج قصره، ونحلم به اذا حمل أكياس الطحين للجياع في ليالي الشتاء، ونظل نذكره اذا عاقب ولده لانه ارتكب خطأ. ومع الوقت، نصنع لذلك الحاكم صورة جميلة في رؤوسنا لا يمكن ان يشوهها احد. وفي اعلى قمة من قمم عقلنا العالية، نجلسه وهو يشع بالنور، خالدا وحيدا، إذ لا احد يمكن ان يصل الى مستواه، ويظل كل الحكام اقل منه مستوى وعدالة ونورا.
وفي التاريخ الإسلامي والعثماني حكايات عن الخلفاء والولاة وكيف كانوا يقومون بجولات مسائية لتفقد الرعية. التاريخ الإسلامي مليء بقصص عن عثور الخليفة عمر او الامام علي على جياع موجودين في أثناء فترة حكمهم. المهم اننا نبحث فيهم عن النزاهة المفقودة في ايامنا هذه، ونكرر ـ دائما ـ كيف ان الامام علي كان يطفئ الشمعة اذا كان حديثه يخص اموره الشخصية لا امور الدولة. وكذلك، كنا نتمنى لو كنا نعيش في زمن عمر بن عبد العزيز الذي كان عادلا الى حد الجنون، فأبعد الشعراء المتملقين وحطم العربة الملكية التي كانت من الذهب ليضعه في بيت المال.
باختصار شديد: نحن نبحث عن حاكم من هذا الجيل العتيق. لم تعد فكرة الحاكم المتنكر مقبولة لانها فكرة انتهى زمنها. إننا، اليوم، نريد شخصا يجعلنا ننتظره لانه من المؤكد سيمر بنا ويرى مشاكلنا ويحاول حلها وهو واقف في الطريق. نعم، نريد حل المشكلة دفعة واحدة، لأن الرجل الذي يملك السلطة هو الشخص الوحيد الذي بيده كل شيء، وبمقدوره ان ينفخ في اية مشكلة فيحل خيوطها. وكنا نحمل على الدوام احتراما خاصا للشيخ زايد رحمه الله لانه خلق من الرمل مملكة، في الوقت الذي لم يخلق النفط الا السرقات والفوضى.
لسنا، نحن الشعب، من نحب تلك النوعية من الحكام، فالحاكم نفسه يعرف ما نشتهي وما نريده منه. إنه يعرف ان احترامنا له شيء صعب المنال. وما عدا المنتفعين منه، لن يكون هناك من يتمنى بقاءه في السلطة اذا لم يكن حاكما يزور الناس ويجلس معهم لمعرفة مشاكلهم، لا ليتاجر بها من اجل الغايات الانتخابية.
لدينا مثلا صدام حسين، عرف عنه في بداياته زياراته للعوائل وأحاديثه معهم. كان في بعض الأحيان يفتح الثلاجات ليرى ما بداخلها، لكن كل ذلك الدوران كان دورانا فارغاً، لأنه عبارة عن تسلية ذاتية لا اكثر، فلا يوجد أجمل من زيارة بشر تحكمهم انت وتعطيهم رواتب من خزينة يدك. هكذا كانت زيارة النائب.
إن افضل نموذج وآخر نموذج للرئيس الذي كان يدور في الشوارع متفقدا شعبه هو صورة الزعيم قاسم. لقد ختم تاريخ العراق المعاصر بمشهد الرجل العسكري ينطلق كل مساء في مناطق بغداد باحثا عن الفقراء وما يواجهونه من مشاكل. وكان الناس يتوقعون زيارته كما اكد كثير من كبار السن. فجأة ترى الزعيم فوق راسك. وقد رويت حكايات كثيرة وقصص ما زلنا نسمعها ونعيدها دون ملل، لعل اشهرها حادثة الصمونة والصورة.
يذكر عبد الكريم فرحان ان الاجتماعات كانت تتأخر في وزارة الدفاع احيانا بسبب الجولات المسائية لقاسم. وكانت هذه الجولات اشبه بطقس يومي لا غنى عنه. إنه طقس قديم في زمن جديد. وفي النهاية، صعد الزعيم الى القمر، ورأى الناس صورته هناك. لاحظوا طريقة الخلود وكيف تصنع، وكأن السياسة كانت في يوم ما صعودا للاعلى، للمكان الذي لن يصل اليه احد الا اذا كان من نوعية الحاكم الذي يرضي شهوة الجماهير ويجعلهم ينتظرونه.
في الواقع، أثارت فيّ كل الافكار السابقة جولاتُ السيد رئيس الوزراء، نوري المالكي. الطوابير الطويلة في دائرة المرور اثارت انتباهه، وعلّق على المنظر بطريقة مباشرة: "جا هاي الناس الواكفة".
وأنا اقول: توجد طوابير وطوابير في كل دوائر الدولة لناس يبذلون مالهم ووقتهم من دون ان ينتبه اليهم احد. هذا الجانب من صورة الناس الذين ينتظرون حلا لأبسط مشكلة يعانون منها، وهي: الروتين في عمل هذه الدائرة او تلك، فما بال المشاكل الكبرى، كالصحة، والبطالة، والأمراض، والجهل، من سيواجهها ويقترب من طوابيرها؟
الحل الامثل هو خلق مؤسسات تقوم بتوفير العدالة للناس. المؤسسات هي من تقوم اليوم بدور الخليفة العادل الذي لا يمكن ان يظهر لنا مرة اخرى. هكذا بنى الغرب نموذجه في ممارسة السياسة.
9 نيسان مرة أخرى
كتب عمار السواد في صحيفة "المؤتمر" :
في العراق، أغلب الحالمين يطفئون الحلم، يصمتون، وبدأ الكثير ممن لا يشك بصدق مواقفهم ضد الدكتاتورية العتيدة التي حكمت طويلا، يراجعون مواقفهم، وتأخذهم أسئلة حول آرائهم السابقة وتصوراتهم من أجل الحرية ورفضهم الاستبداد.
كثرة الموت، وسعة الخراب لا تشبه ما حصل بيد الطاغية، والفوضى أكبر مما تتحمل النفس، والخسائر إذا ما قورنت بعهد "النظام الحديدي"، كبيرة وجلية، وأي مقارنة، باستثناء فضاء حرية الرأي الراهن، تبدو لصالح ذاك الزمن، على الرغم من أنه زمن أسود ومظلم.
نهاية متوقعة لحلم تهشم بسرعة كبيرة، والخوف على مصير العراق فضلا عن مصائرنا كأفراد بات كل منا مهددا، يولد هذه الانتكاسات، وربما هي ليست نكسة بقدر ما هي اختناق، يشبه اختناق الكثير من العراقيين عندما قالوا يوما "نريد نخلص حته لو بيد الشيطان".
الا ان هذا الخناق، وردة الفعل الغريزية هي التي أوصلتنا لهذا الوضع الراهن منذ أن ما يسمى بالثورة العربية الكبرى التي تمسكت بالتحرر من العثمانيين بيد بدلائهم، ثم بالأحزاب الشمولية للخلاص من الطبقية والاقطاع، وبالعسكر للاستقلال، وبالبعث لتحرير لمواجهة عدو الأمة، وبالمصالح الامريكية للخلاص من أحد أسوأ طغاة العالم الثالث، وهذا الخناق يعيد انتاج ذات اخطائنا...
ليس المطلوب من الانسان غير المثقف ان يتحرر من ردة فعل حالة الاختناق، فردة فعله الطبيعية هي تلك، ولو كانت غير ذلك يخرج من دائرة كونه فردا عاديا، الا أن المطلوب اليوم بعد 11 سنة من اسقاط صدام كنتيجة طبيعية للانتفاضة ضده عام 91، ان ينجح المثقف بالتأني قبل إطلاق الاحكام، ان لا يكون منبع احكامه ردة الفعل الغريزية والطبيعية لمشاعره الخاصة، بل ان يمعن قليلا وعيه ويمنعها من أن تنتقل من مواقف خاصة الى افكار مروج لها.
يمكن ان نبني في عملية مراجعة المواقف على نقطتين، على الاستثناء الذي يتفضل فيه هذا العهد عن عهد صدام، وعلى التمني الخاطئ الذي كان يسكننا عندما أردنا ان نتخلص منه. الاستثناء يقول ان العراق بعد 2003 هو بكل ما تعنيه الكلمة أكثر حرية على مستوى الرأي من فترة الدكتاتور، بل أكثر من ذلك، ان الفرق شاسع، فاليوم نصل الى حدود قصوى في النقد، واحتمال الاستهداف على أساس ما نقول تبقى قليلة بالقياس الى ذاك الزمن الذي كان كل منا لا يتجرأ ان يقول كلمة فيها إساءة ولو صغيرة للحزب والنظام ورأسه. والتمني الخاطئ هو ان نطلب الخلاص من الشيطان.
بعد 11 سنة نشهد عملية نقد واسعة وغير مسبوقة عراقيا، لتاريخنا وحاضرنا، بدءا بما يجري من مانشيتات صغيرة في مواقع التواصل الاجتماعي وانتهاء بمقالات وكتب وخطب واعلام لا يكف ولا يتردد عن توجيه سهام الهجوم على ما يجري والمواجهة معه، ورغم الرغبة الجامحة بخنق هذه العملية من قبل ورثة الدكتاتور وشظاياه، الا ان الواقع يقول انها في اتساع ولا تستسلم ابدا. النقد قد لا يخلق تغييرا مباشرا، لكنه بلا شك، جزء من مسار لإصلاح حال ما او لتغيير، بدونه لا يمكن توقع الوصول الى أي مكان، لو بقينا ألف سنة إذا لم ننقد وإذا لم نراجع بسعة وبشجاعة فلن نحصل سوى على الحصرم، وسنعيد ذات اخطائنا، وسندفع مزيدا من الاثمان، كما دفعناها لزمن طويل.
بالتأكيد نحن كأفراد قد لا نكمل يومنا، يمكن لعبوة صغيرة او سيارة مفخخة وضع حد لحياتنا، أو رصاصة من قاتل مأجور او مجرم عقائدي يتقرب بموتنا الى عقيدته ليحوز قصرا في الجنة وحورية يعاشرها سبعين سنة من سنينا الأرضية، هذا صحيح، لكن هذه النهاية ستكون قائمة أيضا عندما كان الطاغية موجودا، لخطأ ما، او لزلة لسان صغيرة حتى من طفل صغير، او لوشاية جار، او لممارسة طقس سياسي او مدني او ديني. نهاية حياة انسان مثقف وغير مثقف، أمر متوقع في بلدان غير طبيعية كبلداننا، تتسع احتمالاتها أحيانا وتقلّ أحيانا أخرى، الا ان المحصلة النهائية أننا كنا دائما مخيرين بين أن نعيش صامتين صمتا مطبقا في أوطاننا او نذهب بعيدا الى مهاجر بعيدة كي نواجه برودة الغربة ونموت ببطيء شديد.
وفي إطار حريتنا قولا وكتابة اليوم، لا يمكن العودة لفكرة ان الشيطان بديل، الخلاص بيد دكتاتور ليس خلاصا، انما مجرد نهاية لأحد تمظهرات الدمار، خصوصا إذا أدركنا ان نهاية الدكتاتورية هي الفوضى، وان القدر أن يجرب شعبنا آلاما، فهو سيدفع الثمن سواء انتقل الى هذا الواقع او عادت القبضة الحديدية وسواها.
ماذا يقرأ ساستنا؟
كتب علي حسين في صحيفة "المدى" :
في كل مرة ازور فيها معرض أربيل للكتاب اسأل نفسي سؤالا واحدا ، وانا انظر إلى الكتب التي تغصّ بها قاعات المعرض : كيف يمكن قراءة كل هذه الكتب ، وأتذكر ما قاله الروائي "لورنس" لأحد زواره "بعض الكتب وجد لكي يذاق وبعضها لكي يُبتلع والقليل منها لكي يُمضغ ويُهضم ، بالأمس خيل لي وانا أتجول بين ممرات المعرض و كأنني أجوب شوارع روما، أو اقطع المسافات بين بيوت جزيرة كوبا بحثا عن صاحب "الشمس تشرق ثانية" ، وان سقراط سوف يطل في أية لحظة بردائه الطويل ليقول لي: "لا يمكن زوال تعاسة الدول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة التواضع " ، وان سيمون دي بوفوار ستخرج من صفحات روايتها "المثقفون" لتعيد على مسامعي درس الحرية الذي قال فيه البير كامو لسارتر ذات ليلة "لا يمكن للإنسان العاقل ان يختار العيش في قفص، إلا إذا أراد أن يربط مصيره بآيديولوجيات ميتة" فيما سارتر ينظر الى وجه صديقه اللدود الشبيه بوجوه نجوم السينما ليعيد على مسامعه درس المثقف الملتزم : "لا يمكن للمثقف ان يحاكم عصره دون الخوض في أوحاله."
وقبل ان أفيق من رحلة الخيال انتبهت على صوت احد زوار المعرض وهو يحدث زميلا له : هل تصدق، أنا الرجل الذي قضى عمره يتنقل من شوبنهور إلى طه حسين، لا أفهم بماذا "يرطن" ساستنا.. ضحك وهو يكمل حديثة: معظم المسؤولين ومعهم الحكومة لا يرون البسطاء من أمثالنا، إلا في الانتخابات.. قال إن رحلته مع الديمقراطية بدأت عام 2003 رغم أن عمرة الآن تجاوز الستين.. كان يدرك أن نظام صدام تعامل مع الوطن على أنه عدّاد سيارة أجرة لا يعمل إلا لصالحه.. ضحك صاحبه وتركه يكمل : في الانتخابات الأخيرة توهمت أن العدّاد سيكون نزيها.. وأن الناس ستحظى للمرة الأولى في حياتها بمسؤول من لحم ودم.. تستطيع أن تراه متى شاءت.. فقد مللنا من المسؤول الذي يخرج بين الحين والآخر من على شاشات الفضائيات ليذكرنا بأنه "المنقذ".. ثم مد يده وتناول كتابا من على احد الرفوف : انظر إلى هذا الكتاب وأشار بيده إلى كتاب "خطابات السلطة".. اقرأ ماذا يقول فيلسوف بحجم جان لوك من أن " الحاكم هو الذي يحقق نفعاً مستقبلياً للناس " ، لا نريد مسؤولاً يتفقد الناس في منتصف الليالي ويترك لهم على عتبة الباب حفنة من الدنانير، وعشاء من "صاج الريف".. نريد مسؤولا يدرك جيدا أن الانتخابات القادمة ربما لن تأتي به.. ثم راح الرجل وبحماسة يضرب الأمثال قائلاً لصاحبة : هل تعرف الكاتب المسرحي فاستاف هافال ، وقبل أن يجيب الآخر بنعم اكمل الرجل حديثه : هذا الرجل عاش حياته من أجل هدف واحد هو أن لا يأتي بأية خطوة خاطئة تثير حفيظة الناس وتزعجهم.. وأشار إلى كتاب يضم عدداً من مسرحيات الرئيس التشيكي.. قائلا: في هذا المجلد الصغير ستجد كلمات من نوعية: " لقد آمنت طوال حياتي، بأن ما يعمل لا يمكن العودة عنه أبدا، وأن كل شيء يبقى إلى الأبد. فالوجود له ذاكرة. وبالتالي فإن حياتي الضعيفة ، كطفل برجوازي، كمساعد عامل، كجندي، كرئيس، كمتقاعد.. حياتي هذه سوف تبقى هنا إلى الأبد. شاهدا على ما حاولت ان اقدمه للناس "
تعال يا عزيزي واقرأ ما كتبه باني الهند الحديثة نهرو عن سياسيي الإثارة والتهريج، يمد يده ليفتح كتاب " لمحات من تاريخ العالم " ليقرأ بصوت عال ": "كانت خطب القادة الفاشيين انفجارية تهديدية، يبدو أصحابها دائما في حالة تحدٍ ودعوات للنزال ".. من سيفهم أن الخطب والشعارات لا تبني بلداناً.. وأن كل مشاكل العراق لن تحل بمجرد الإيمان بأن مسؤولينا "حجاج" وضربوا ارقاماً قياسية في عدد "العمرات".
تركت الرجل يتحدث ، وأخذت انظر من جديد إلى رفوف الكتب وأعيد السؤال على نفسي : ترى كيف سيكون شكل العالم لو لم يكتب فيه ديكنز روايته "الآمال العظيمة"، ولم يحول فيه المتنبي الشعر إلى نصوص في الحكم، ، ماذا لو لم يأخذنا جويس في رحلة يوليسيس عبر شوارع دبلن، هل يمكن أن نتخيل بريطانيا من دون سؤال هاملت الأزلي: أكون أو لا أكون.
نظرت الى الرجل من بعيد ، لايزال يبث همومه ، كنت أتمنى ان أقول له : أيها الرجل الطيب قادة امتنا لايقرأون ويكرهون الكتب ، فهم يوغلون وباسم الديمقراطية ، بالتطرف ونهب الثروات، والانتهازية، ويمتطون التغيير لقهر العراقيين وإذلالهم .