كرامي لـ"الميادين نت": لن نتخلى عن المقاومة والجيش فوق الشبهات...والمهم أن تنتصر سورية
وزير لبناني شاب، نشيط وديناميكيّ، هو وزير للشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، لكنه قبل كلّ شىء "وزير سياسي" بامتياز يمثّل فريقاً لبنانياً وازناً وفاعلاً على الأرض. فيصل كرامي سليل الدوحة الكرامية الضاربة في تاريخ لبنان منذ ما قبل استقلاله عام 1943، من الراحل عبد الحميد إلى الشهيد الرشيد، فالأفندي دولة الرئيس عمر كرامي، ينهض شاهداً على الحسّ الوطني العابر للطوائف، وهو في حديثه المطوّل والخاص بـ"الميادين نت" يرفدنا بومضات متفائلة رغم كل شيء في هذا الزمن اللبناني والعربي الصعب.
عن الذكرى السابعة لحرب تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان، يقول الوزير كرامي "إن لهذه الذكرى موقع خاص في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي، فهي فعلياً ذكرى النصر الأول الردعيّ والكابح للعدوان الصهيوني المستمر منذ أوائل القرن الماضي وليس فقط منذ تأسيس ما يسمى بالدولة اليهودية عام 1948، وما تلا ذلك من جولات عجز فيها العرب للأسف عن مواجهة اسرائيل بشكل يعيد ترتيب التوازنات ويؤسس لإعادة الحقوق وتحرير الأرض". إن هزيمة اسرائيل، يقول كرامي، "كانت مفاجأة لإسرائيل أولاً، ولكل رعاتها الدوليين ثانياً، ولآخرين لطالما صدّقوا أن اسرائيل أعظم من أن تقهر، المهم أنّ ما حصل في تموز 2006 عدّل المخططات المرسومة للشرق الأوسط الجديد، وانتقلنا إلى مشاريع بديلة نراها الأن تعمّ العالم العربي".
"حرام ...حرام أن يرفض الإنسان انتصاره"
ويتطرّق الوزير اللبناني إلى نتائج الحرب على المستوى العسكري المباشر، "فنتائج حرب تموز أسسّت لتوازن رعب وتوزان ردع بيننا وبين اسرائيل، ولكن لا أحد يمنع من التنبه بأن العدو يجهد منذ تلك اللحظة لكي يعيد قلب المعادلات لصالحه، ومن هنا أفهم ويفهم كلّ لبناني وكلّ عربيّ أسباب الهجمة الشرسة على فكرة ومفهوم "المقاومة". ويعبر الوزير كرامي عن أسفه لتشكيك البعض في لبنان بانتصار المقاومة عام 2006 قائلاً: "باختصار: حرام ..حرام أن يرفض الإنسان انتصاره! إنه من العجيب حقاً أن تخرج أصوات التشكيك منذ أول يوم للنصر الكبير وأنّ تستمر حتى هذه الأيام، وأنا أحيل المشككين إلى تقرير لجنة "فينوغراد" الإسرائيلية، وإلى كلّ ما تقوم به اسرائيل من تدريبات عسكرية ومناورات متواصلة وقبة حديدية في سبيل مواجهة أي هزيمة أخرى في المستقبل". وعن توّقعه لعدوان إسرائيلي على لبنان يرى كرامي "أن أوضاع الكيان الصهيوني الداخلية لطالما شهدت اضطرابات لكنهم كانوا دائماً قادرين على تجاوز مشاكلهم للتوّحد ضدنا وضد العرب، بل حتى إن كلّ القرارات الأممية لم تعترف بها اسرائيل. وبالنتيجة، إنها المقاومة التي تشكّل الرادع الحقيقي. ونعم، أنا اتوّقع أن إسرائيل سوف لن تتردد في شنّ حرب على لبنان متى سمحت لها الفرص المناسبة، وليس هناك أنسب من زمن التشرذم العربي والحروب الداخلية التي تهدد المنطقة".
الهدف شلّ المقاومة
"لماذا نلف وندور؟ إن الهدف هو شلّ المقاومة ولو أمكن إلغاء كلّ مفاعيلها وكلّ نشاطها. من هنا لن أرد على أحد من المشككيين واكتفي بالقول لمن فاتهم أن يفهموا واقع موازين القوة وموازين الحقّ معاً إن معادلة الشعب والجيش والمقاومة فيها وعيّ وحكمة وواقعية من الشعب والجيش والمقاومة معاً....وفيها رغبة صادقة بصون خصوصيات لبنانية تتصل بالتوازنات التي يقوم عليها البلد...المهم، ليعلم القاصي والداني أمرين واضحين: نحن نمثّل شريحة من الشعب اللبناني الذي لن يتخلى عن حفظ المقاومة ودعمها ومؤازرتها ضد عدو الأمة إسرائيل. وكذلك فان جيشنا الوطني هو فوق كل الشبهات والانتقادات ولن نقبل بالتشبيح عليه من الصغير والكبير، ودعوني اقول هنا شيئا استطرادياً، وهو أن الانقسام موجود فعلياً بين الشعب اللبناني، ولكن هذا الانقسام لا يبررّ إجراء تسويات أو تقديم تنازلات تطال المبادىء والثوابت"، يقول الوزير الشاب.
الإسلام في أفضل حالاته رغم نجاح الفتنة
وعن حال الإسلام والمسلمين في ظل سطوع نجم التطرف الديني والمذهبي يقول كرامي "إن الفتنة بين المسلمين قد نجحت للأسف. ولا بد من الإقرار بالواقع لنعرف كيف نواجهه، ولكن فات الذين نجحوا أن الحاصل هو انقسام سياسي بامتياز، إنقسام حول الخيارات، إنقسام بين مشروعين متناقضين. وأقول وبكل ثقة ويقين إن هناك فتنة سياسية وليست دينية، وعليه، ورغم النجاح الذي أحرزه المفتنون فإن الدين لا يزال بألف خير.....بل أقول لك الحقّ، إن الإسلام اليوم في أفضل حالاته، فلا شيء أفضل للإسلام والمسلمين من انكشاف الأمور وسقوط الأقنعة...وهذا ما نُراهِن عليه لمواجهة مشروع تفتيت وتقسيم المنطقة...أريد أنّ أميّز بين التطرّف الديني السياسي وبين التطرّف الديني بمعنى الإلتزام الديني، وهذا ما قاله الرئيس عمر كرامي في قلب طرابلس، وأمام حشد يتجاوز الثلاثين ألف طرابلسي، وهو أننا في أمر دينناـ كلنا سلفيّون، ولكن السلف الصالح الذي تحدّث عنه الرئيس كرامي والذي تعلمنا أن نسير على نهجه، هو المصدر الذي استلهمنا منه التسامح والإنفتاح والتنوّر ... وهو لا علاقة له بكلّ هذا الصراع السياسي باسم الدين. باقتضاب أقول إنّ الإسلام دين اعتدال وسماحة، وهذا حال السواد الأعظم من المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، ولاسيما في لبنان وسورية. وعلى الإسلام السياسي بكلّ تفرعّاته أن يواجه معاركه السياسية بعيداً عن الدين وعن المعتقدات الراسخة لدى جمهور المؤمنين وعن الموروثات العطرة للسلف الصالح حول التآخي والعيش الواحد والإنفتاح على الآخر".
المهم بقاء سورية بوحدتها وخياراتها وهويتها
يعتبر الوزير كرامي ما يحصل في سورية " فاجعة عربية بكلّ المقاييس ونحن لا نطلب لسورية سوى الأمن والأمان والنجاة من المحنة بأسرع ما يمكن... ولعل هذا هو الدعاء الأول لي ولكثير من المؤمنين في شهر رمضان المبارك. أما بالنسبة للوقائع الميدانية، وما ستسفر عنه، فأنا أتابع الأموروالمستجدات مثلي مثل كلّ الناس، ولا زلت أرى أنّ المأساة في سورية لم تنته فصولاً بعد.. وهذا ما يحزّ في القلب كثيرأ، أما فيما يتعلّق بالإنتصار، فالمهم أن تنتصر سورية...ولا أترددّ في القول إنّ بقاء الرئيس الأسد في السلطة أو عدم بقائه هو أمر ثانوي بالقياس إلى حجم الخطر الذي يهدد سورية ومعها كلّ الأمة، المهم بقاء سورية بوحدتها الوطنية،والجغرافية، وبخياراتها القومية، وبموقفها العروبيّ ، وبهويتها الحضارية. وأنا ضد جعل المسألة مسألة بقاء أو رحيل الرئيس الأسد، فهذا يقود إلى صراع مفتعل لا يعبّر عن واقع وحقيقة الإستهداف الكبير الذي تتعرّض له سورية. ويهمني أنّ أشير إلى أنني حين أتحدّث عن سورية، فأنا أعني وأقصد كل سورية، موالين ومعارضين، فالإنقسام الحاصل بين السوريّين ليس مبرراً لأي لبناني لأن يكون منقسماً حول سورية والسوريين جميعاً، ومجدداً أكررّ حمى الله سورية".
"النأي بالنفس" مقولة فاشلة
ويطلق الوزير اللبناني موقفاً من مشاركة "حزب الله" في القتال في سورية فيقول: "لدينا كتيّار سياسي وموقف معلن ونهائي يقول بأن مصلحة لبنان تقضي بعدم التدخّل في الشأن السوري الداخلي وفي الأزمة السورية عموماً، ونحن لم نعدّل أو نغيّر في موقفنا. ولكن واقعياً، فإن كل لبنان تدخّل في كلّ سورية، منذ البدء، ولا يزال يتدخّل حتى اللحظة، وطبعاً التدخّلات كانت أحياناً سرّية وأحيانا شبه سريّة وأحيانا علنية. أنا أفهم ان لدى جميع المتدخلّين مبررات قد تكون وجيهة بالنسبة إليهم، ولكنني مع ذلك لا زلت أعتقد أن مصلحة لبنان هي بعدم التدخّل في سورية". ويعتبر كرامي أن "مقولة " النأي بالنفس التي اعتمدها لبنان فاشلة، ولم يطبقها حتى الذين يعلنون تأييدهم لها، فقد غلبتنا أحكام الجغرافيا والتاريخ، وتبيّن أنّ النأي بالنفس في سورية، هو كالنأي بالنفس عن النفس. وهذا محال.على كلّ حال كانت مقولة تحمل نيّات طيّبة، ولكن النيّات الطيّبة لاتكفي في مواجهة حقائق وحتميات الحياة".
الحكومة متعثّرة ... ولست قلقاً على طرابلس
وفي الحديث عن شغل اللبنانيين الشاغل أي تشكيل حكومة لبنانية جديدة، يقول الوزير كرامي: "للأسف السياسة الداخلية اللبنانية لايتم صنعها في لبنان، وبالتالي فإن العرقلة ليست بسبب الأزمة السورية وحسب، وإنما بسبب الأزمة الكبرى والتشابكات الكبرى، على المستوى الإقليمي كما على المستوى الدولي..وهذه ضريبة يدفعها اللبنانيون لإنهم لم يعرفوا كيف يحافظوا على هامش جيد منلإستقلالية في ما يتصّل بشؤونهم السياسية الداخلية. وصدقاً لا أعرف إذا كانت حكومة الرئيس سلام ستبصر النور ومتى؟ ... وإنما أتمنى أن ينجح في مهمته التي تبدو متعثّرةحتى الآن". وبسؤالنا عن امكانية إناطته بحقيبة في الوزارة العتيدة يوضح كرامي أن "ذلك يتعلّق بحجم التشكيلة المطروحة إنّ كانت من 30 وزيراً أو 24، وعلى كلّ الأحوال نحن جاهزون للقيام بواجبنا في أيّ موقع كنا فيه".
حالات التطرف في طرابلس أقلية، والأكثرية الصامتة تتحرك في الوقت اللازم
وتبقى مدينة طرابلس هاجساً بالنسبة لأهلها وللبنان ككلّ من ناحية تأثير الأزمة السورية المباشر عليها، ولا ينفي ابن عاصمة الشمال خوفه وقلقه على طرابلس "لأسباب عديدة منها أنّ طرابلس حرمت كثيراً خلال الـ 25 سنة الماضية، وكان فيها مشاكل اقتصادية بسبب الإنماء غير المتوازن الذي أفقر المدينة وأصبح، للأسف، من السهل تطويعها وأخذها إلى أماكن لانريدها ولا تشبهها، ولكن دون شكّ فإن الأزمة السورية أرخت بثقلها على المدينة، فطرابلس مرتبطة بما يحدث في سورية سلباً أم إيجاباً، من الناحية السياسية والإقتصادية والحياتية، وأيضاً من ناحية التحريض المذهبي والتوترات الأمنية. ولكن رغم ذلك انا لست قلقاً، لإنني متأكد من أنّ الأكثرية الساحقة هي مع السلطة والدولة والجيش اللبناني وليست خارجة عن القانون". وعن الوضع في الشمال واعلان مسلحّي المعارضة السورية محافظة شمال لبنان "المحافظة السورية رقم 15 " يقول كرامي "إن ما ينطبق على طرابلس ينطبق على الشمال كلّه لإنها قلب الشمال وعاصمته، والمجتمع الطرابلسي والشمالي رافض أن تكون أرضه ساحة للإقتتال، والوقت أثبت ذلك، وحالات التطرّف أقلية قليلة جداً، والناس فرضت وجودها، والأكثرية الصامتة من أهل طرابلس تتحرك في الوقت اللازم".