أصبح للطائرات من دون طيار خلال الأعوام الأخيرة أهمية متزايدة في أي نزاع عسكري. تنبع أهميتها في الأساس من قدرتها على تنفيذ عدد من المهام القتالية والاستطلاعية في أجواء معادية وتقديم معلومات فورية عن أماكن تحشد القوات المعادية وخطوط مواصلاتها، ومهاجمة هذه الأماكن في بعض الأحيان.
كان للجيوش العربية تجربة مهمة في هذا الإطار، خصوصا الجيش المصري والتونسي
والسوري والاماراتي والجزائري بالإضافة إلى الجيش العراقي ما قبل الغزو الأميركي،
و لكن نستطيع أن نقول إن الجيش السوري كانت له التجربة الأكثر أهمية في هذا
المضمار نظراً لأنه فعلياً أول جيش نظامي عربي يستخدم الطائرات من دون طيار في
عمليات حربية.
التجربة السورية
استخدم الجيش السوري للمرة الأولى الطائرة من دون طيار "تى يو-143" سوفياتية
الصنع والتي يبلغ مداها 200 كم في عمليات استطلاع وتصوير أماكن التحشد الإسرائيلية
في لبنان وفلسطين المحتلة خلال حرب لبنان عام 1982. هذا النوع من الطائرات تم
أخراجه من خدمة القوات الجوية السورية
أوائل تسعينات القرن الماضي إلا انه أعيد مرة أخرى إلى الخدمة بقوة سرب
كامل وهو السرب 585 والذي تم تسجيل تمركزه أخيراً في مطار المزة العسكري . لم يتم تسجيل أي
استخدام معاصر لهذا النوع من قبل الجيش السوري الذي بدأ منذ العام 2010 في تنفيذ
برنامج بحثي وتصنيعي لتطوير طائرات من دون طيار مستفيدا من الخبرة الإيرانية
الكبيرة في هذا المضمار.
هذا البرنامج لم تنكشف تفاصيله الكاملة حتى الأن ولم تظهر ملامحه إلا بعد اقتحام
عناصر من إحدى كتائب المعارضة السورية المسلحة المسماة "كتائب أحرار
الشام" لمركز البحوث العلمية في حلب في سبتمبر/ أيلول عام 2012 حيث أظهر فيديو تم تصويره لحظة الاقتحام
وجود عدد من النماذج المطوّرة سورياً من الطائرة الإيرانية من دون طيار من نوع
"صاعقة" وهي طائرات
تستخدم كأهداف للتدريب. ونظرا لاشتعال الموقف على الأرض في سوريا منذ العام 2011،
توقف هذا البرنامج تماما واتجه الجيش السوري نتيجة حاجته إلى معلومات محدثة ودقيقة
إلى استخدام طائرات من دون طيار إيرانية لدعم عملياته العسكرية.
كان الظهور الأول لطائرات إيرانية الصنع من دون طيار في سوريا في شباط / فبراير
عام 2012 في أجواء كفر بطنا في غوطة دمشق الشرقية وهي الطائرة الإيرانية "بهباد" و التي تم اشتقاق
تصميمها من الطائرة الجنوب أفريقية "سيكر 1" . تحمل
كاميرتين إحداهما تلفزيونية والأخرى حرارية و تبلغ حمولتها نحو 50 كلغ بمدى 200 كم
وزمن تحليق يبلغ عشر ساعات. نالت النصيب الأكبر من الإسقاطات التي تعرضت لها
الطائرات من دون طيار في سوريا بعدد 5 إسقاطات
في الغنطو و الغوطة الشرقية
و المليحة. و استخدمها الجيش السوري على نطاق واسع خلال العام 2012 في عمليات
المراقبة والتصوير في كامل أجواء الغوطة الشرقية وريف دمشق و حمص.
ثاني طائرة من دون طيار تم تسجيل ظهورها في الميدان السوري هي الطائرة الإيرانية
"المهاجر" والتي ظهرت
بجيلين من أجيالها هما الجيل الثاني "ظهر لأول مرة في أجواء معضمية الشام في
أبريل / نيسان 2013" و الجيل الرابع " ظهر لأول مرة في أجواء عربين قرب
دمشق في حزيران / يونيو 2013". يبلغ مدى الجيل الرابع من هذه الطائرة 150كم
بسرعة تصل إلى 200 كم وتستطيع البقاء في الجو في مدة ما بين ثلاث وسبع ساعات. هذه
الطائرة اعتمد عليها الجيش السوري بشكل أساسي في عمليات المراقبة منذ مطلع عام
2013 نتيجة للإسقاطات المتكررة لطائرة "بهباد" و قد أثبتت هذه الطائرة مرونة
ودقة كبيرتين خصوصا وانه لم يتم إسقاطها حتى الآن.
الطائرة الثالثة التي تم تسجيل تواجدها في الميدان السوري هي الطائرة الإيرانية "الياسر" والتي ظهرت لأول مرة في أجواء القلمون في نوفمبر / تشرين الثاني عام 2013 و تعدد ظهورها في أجواء الغوطة الشرقية. تعد هذه الطائرة تطبيقا من تطبيقات الهندسة العكسية حيث طورتها إيران من الطائرة من دون طيار "سكان أيغل" أمريكية الصنع والتي صادرتها إيران أواخر عام 2012. يبلغ مداها نحو 200 كم و تحمل كاميرات تستطيع التصوير في الظروف الجوية السيئة وتتميز ببدن صغير مقاوم للماء يتم تخزينه في حقيبتي يد وتستطيع الوصول إلى ارتفاع 15 إلف قدم و الطيران بشكل متواصل لمدة ثماني ساعات. تعرض هذا النوع لإسقاطين أثنين خلال العمليات في سوريا حتى الأن.
الطائرة الإيرانية الرابعة التي استخدمها الجيش السوري هي الطائرة "شاهد 129"و التي تم تسجيل أول ظهر لها في أجواء الغوطة الشرقية في أبريل / نيسان عام 2014 و تعد أحدث طائرة تم تسجيل تواجدها في سوريا . يبلغ مداها العملياتى 1500كم وتستطيع الطيران لمدة تصل إلى 24 ساعة متواصلة. تتميز بقدرتها على حمل ما يصل إلى 8 صواريخ موجهة و لم يذكر أنها تعرضت لأية إسقاطات حتى الأن.
لم يقتصر استخدام الجيش السوري للطائرات من دون طيار على الأنواع الإيرانية فقط ، فقد تم تسجيل استخدامه للطائرة "أف 550" من إنتاج شركة "دى جى أى" الصينية و هي في الأساس طائرة هواة لكن تتميز بحجمها الصغير الذي يستطيع الوصول إلى ارتفاع يبلغ 2 كم مع إمكانية التحليق ليلا واستقبال البث المصور عالي الجودة لاسلكيا إما على شاشة ملحقة بوحدة التحكم أو على نظارات يرتديها المشغل بجانب استخدام تقنية "جى بى أس". و قد استخدمت لأول مرة في يوليو / تموز 2013 من قبل الجيش السوري في ريف أدلب و في الخالدية و تم إسقاطهامرتين.
في الميدان السوري لم يكن فقط الجيش السوري هو المستخدم للطائرات من دون طيار. فقوات التحالف الدولي و قوات المعارضة المسلحة أيضا استخدمتا هذه الطائرات. بالنسبة لقوات التحالف فقد تم تسجيل تحليق لطائراتها من دون طيار من طرازي "ريبر" و "بريديتور" في سبتمبر/ أيلول عام 2014 في أجواء الرقة لأول مرة . طائرة "بريديتور" يصل مداها إلى أكثر من ألف كيلو متر وتستطيع الطيران المتواصل حتى 24 ساعة بارتفاعات تصل إلى 7 كم و تستطيع حمل صواريخ جو – أرض على نقطتي تعليق أسفل جناحيها وإن كانت عملياتها في الأجواء السورية اقتصرت على المراقبة و التصوير. أما طائرة "ريبر" فهي نسخة محدثة من البريديتور ويبلغ مداها 1800كم بارتفاع يصل إلى 7.5 كم و مدة طيران متواصل تصل إلى 14 ساعة و تمتلك سبع نقاط تعليق أسفل جناحيها ما يتيح لها حمل حمولة أكبر بكثير من البريديتور..
وأخيرا لم تغب فصائل المعارضة السورية المسلحة عن استخدام الطائرات من دون طيار في عملياتها العسكرية. استخدمت ثلاثة أنواع من الطائرات من دون طيار تشترك جميعها في أنها طائرات مخصصة للهواة و ليست للاستخدام العسكري.
كان تنظيم "داعش" هو أول فصيل مسلح يستخدم الطائرات من دون طيار بشكل واسع حيث اعتمد على طائرة صينية تنتجها أيضا شركة "دى جى أى" و تسمى "فانتوم أف سى 40" و استخدمها في استطلاع محيط مطار الطبقة العسكري قبل اقتحامه و استخدمها أيضا لاستطلاع مناطق في عين العرب كوبانى السورية وفي الفلوجة العراقية. تتميز بكاميرا عالية الجودة وإمكانية تلقّي بثها لاسلكيا ويصل سقف تحليقها أيضا إلى نحو 2 كم.
تلا ذلك إسقاط الجيش السوري خلال شهر أكتوبر الماضي لنوعين من أنواع الطائرات من دون طيار التي حاولت فصائل المعارضة استخدامها. النوع الأول تم إسقاطه في حلب و هي الطائرة "كيو آر أكس 350" من أنتاج شركة "ووكيرا" الصينية و هي تعمل أيضا بتقنية جى بى أس و تحمل كاميرا عالية الجودة. الطائرة الثانية تم إسقاطها في دير الزور و هي طائرة من نوع "هوبيستار60" من إنتاج شركة "هوبيكو" الأمريكية وهي طائرة خفيفة للهواة لا تحمل اية كاميرات وارتفاع تحليقها أقل من كيلو متر واحد لكن استخدمتها بعض الفصائل المسلحة بعد إلحاق كاميرا بها.
نصل إلى خلاصة مفادها أن سوريا كانت تاريخيا أول دولة عربية تستخدم الطائرات من دون طيار في عمليات عسكرية. و حاليا باتت أجواؤها مسرحا لعمليات عدد متنوع من الطائرات من دون طيار تصنعها دول مختلفة و تشغلها على الأرض السورية جنسيات مختلفة أيضا. ولعل أهم ما استخلصه السوريون وغيرهم خلال هذا الصراع المستمر هو الأهمية القصوى لعمليات الاستطلاع والبث المصور المستمر لمتغيرات المعركة وهو ما يؤكد أن الطائرات من دون طيار في الحروب القادمة سيكون لها دور أساسي ورئيسي وليس فقط دورا معاونا للجيوش المتحاربة.