مفارقات في إنتخابات الرئاسة الأميركية: تأثير السياسة الخارجية
كشفت دراسة لـ"لميادين" بالتعاون مع مركز الدراسات الأميركية العربية "أن مقتل السفير الأميركي في ليبيا، واقتحام السفارة الأميركية في مصر، شكلّ إنعطافات هامة في وعي الجمهور الأميركي الذي بدأ يتساءل حول تأثير الأمر على مسار الإنتخابات وحسم نتائجها، إلى جانب أي من المرشحيْن سيكون الرابح الأكبر، وذلك إستثناءاً لتاريخ الإنتخابات الرئاسية الأميركية التي عادة ما تشكل الحالة الإقتصادية والبرامج الضرائبية عمادها الأساسي في التعبئة والحشد الشعبي".
تقول الدراسة أنه "بالنظر للأوضاع الإقتصادية الراهنة، وتفاقم الأزمات التي ولدّتها، يصبح منطقياً الإستنتاج بأن الرئيس باراك أوباما ينبغي أن يكون خاسراً بفارق كبير، إلا أن نتائج إستطلاعات الرأي المستمرة تشير إلى نقيض النتائج المتوقعة، بل إنه إستطاع التفوّق على خصمه ميت رومني في أغلب الولايات المتصارع عليها".
وكشفت الدراسة أن "الإجابة التقليدية للمواطن الأميركي إن كان يشعر بأنه أفضل حالاً مما كان عليه الأمر قبل أربع سنوات (مدة الولاية الرئاسية) تفضي إلى إجماع عام بتراجع الأحوال الاقتصادية، لأن النمو الإقتصادي المرجو يسير ببطء شديد، ومعدلات البطالة شهدت إرتفاعاً مستمراً، ومعدلات الفقر في تصاعد (الإحصائيات الرسمية تشير إلى نحو 15% من مجموع الأميركيين هم دون مستوى الفقر) علاوة على إنقطاع بضعة ملايين من الموظفين عن سوق العمل".
وتشير الدراسة إلى أن "هذه النتائج المقلقة هي التي تميز عهد الرئيس أوباما، خاصة وأن معدلات متوسط الدخل تدهورت إلى أدنى مستوى منذ عام 1995. إذ تمّ إعتماد شهر حزيران/ يونيو 2009 كمحطة فاصلة لنهاية حالة الركود الإقتصادي، ومنذ تلك الفترة للحظة الراهنة تضاءل متوسط الدخل الأسري من 53,508 دولاراً إلى 50,964 دولار. كما أن كافة الفئات الإجتماعية ما دون سن 65 عاماً شهدت تراجعاً ملحوظاً في معدل دخلها السنوي، بينما الفئة العمرية الشابة من سن 25 إلى 34 عاماً فقد تراجعت معدلاتها بنسبة 8.9%. وعلى الرغم من سلسلة الفشل لسياسة أوباما الإقتصادية، فإنه يتمتع بالأفضلية الشعبية للفوز في الإنتخابات".
مفارقات تاريخية
ورأت الدراسة أنه هنا "ينبغي أخذ عامل السياسة الخارجية في الإعتبار وتأثيره على مجرى الإنتخابات. فمثلاً، شكلت عملية إحتجاز الرهائن الأميركيين في إيران عام 1980 عاملاً مباشراً في ترجيح كفّة الإنتخابات لصالح المرشح الجمهوري رونالد ريغن، وقضت نهائياً على آمال الرئيس جيمي كارتر في إعادة إنتخابه. وفي حقبة التاريخ القريب، ساهمت الحرب العالمية الثانية في فوز الرئيس فرانكلين روزفلت لولاية رئاسية ثانية، عام 1944، على الرغم من حالته الصحية المتدهورة والتي أدت لوفاته بعد 6 أشهر فقط".
كما رأت الدراسة أنه "ومن المفارقات التاريخية، أن الرئيس أوباما قرر الإستناد إلى سجل السياسة الخارجية، قبل أسبوعين، في سعيه لصرف النظر عن الأوضاع الإقتصادية ودرء مخاطرها، للدلالة تصدّر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، جون كاري، بلورة خطاب الحزب الديموقراطي بالتوجه نحو السياسة الخارجية في كلمته أمام المؤتمر العام للحزب، إذ وصف فريق الخصم الجمهوري بأنه "عديم الخبرة في السياسة الخارجية للمضي في حملة الترشيح لمنصبي الرئيس ونائب الرئيس منذ عقود خلت". وهاجم الرئيس أوباما في خطابه أمام المؤتمر كلاً من المرشحين عن الحزب الجمهوري بأنهما "حديثي العهد في إدارة السياسة الخارجية"، محذراً بأنهما "سياخذونا للوراء إلى عصر يسوده الغطرسة والتخبط والذي كانت أعباءه بالغة جداً على الولايات المتحدة"، وعليه، يجد الديموقراطيون ملاذهم الآمن في تسليط الضوء على الخبرة التي إكتسبها أوباما في إدارة دفّة السياسة الخارجية.
وتقول الدراسة أنه "فجأة إنقلبت الأوضاع للأسوأ في مجال السياسة الخارجية الأسبوع الماضي، في ظل التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط: إندلاع سلسلة من المظاهرات المناهضة للسياسة الأميركية، ومقتل السفير الأميركي في بنغازي، وآخرين في ليبيا. في البداية، صبّت الوسائل الإعلامية الرئيسة جام غضبها على المرشح الجمهوري ميت رومني للسرعة القياسية التي دفعته للتعليق على الأحداث الساخنة قبل الآوان. بل أن بعضها ذهب بوصف تصرفه بأنه "يجّسد ضحالة خبرته وإنعدام حصافته".
شكوك حول قدرة أوباما
واعتبرت الدراسة أنه "في المقابل، أساءت الإدارة الأميركية تقدير الأحداث، وأصدرت تصريحات متتالية إعتبرت "ركيكة ولا ترتقي لمستوى الحدث"، إذ رمت إلى حرف مسار الإنتقادات بتوجيهها اللوم إلى الفيلم المسيء للرسول الكريم، مما فاقم غضب النبض الشعبي أمام إنتشار المظاهرات المعادية للولايات المتحدة، على إمتداد العالم قاطبة. وتصاعدت موجة الإنتقادات للإدارة الأميركية ككرة ثلج متدحرجة، على خلفية ما تمّ كشفه من خفايا الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، والتي أشرت إلى قيام السلطات الليبية بتحذير الولايات المتحدة مسبقاً من تدهور الأوضاع الأمنية في بلادها، مما أدى للإستنتاج بأن ادارة الرئيس أوباما أخفقت في إتخاذ أي إجراءات إحترازية. كما أن توقيت الهجوم في الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر الأليمة، عزّز مشاعر التوجس والريبة لدى العامة من أن الأمر ينطوي على ما هو أبعد من ثمة إندلاع مظاهرات عفوية".
ولاحظت الدراسة أنه في "المحصلة العامة للحظة هو تراجع رصيد الرئيس أوباما في السياسة الخارجية لدى الجمهور. ودلّ على ذلك إستطلاع للرأي أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" بالتعاون مع "شبكة أن بي سي للتلفزة" على عينة من 900 فرد مسجلين في الكشوفات الإنتخابية، والذي أشار إلى أن نسبة 49% تؤيد آداء الرئيس أوباما في السياسة الخارجية مقابل 46% أعربت عن عدم رضاها، مما يعني تدهور شعبية الرئيس أوباما بنسبة 5% عما كان عليه الأمر قبل شهر مضى، وزيادة نسبة عدم الرضى إلى 6%. نسبة التأييد له على مستوى عموم الولايات المتحدة ثابتة عند 49%، وهي المرة الأولى التي تنخفض شعبيته إلى ما دون 50% منذ شهر نيسان/ إبريل 2011، قبل إعلانه عن مقتل أسامة بن لادن".
وتقول الدراسة أنه الجدير بالذكر إن "الاستطلاع أجري على مدى أربعة أيام من 12 إلى 16 أيلول/ سبتمبر الجاري، عقب إقتحام المتظاهرين للسفارة الأميركية في مصر، والهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي يوم 11 أيلول/ سبتمبر. وإن تسارع التطورات وتداعياتها تشير إلى عدم إرتياح بالكامل بين الناخبين لإدارته الأزمة الديبلوماسية، وتنامي التساؤلات حول أهلية خبرته في السياسة الخارجية."
وأشارت الدراسة إلى أن "المظاهرات المناهضة للسياسة الأميركية أسهمت في إثارة الشكوك مجدداً حول قدرة أوباما الحقيقية، لاسيما وأن الإنطباع السائد بين جمهور الناخبين، بأن الإدارة لديها القابلية والنزعة لإنتهاك المادة الأولى من التعديل الدستوري والتي تنص على صون حرية التعبير، فضلاً عن القلق حول سلامة البعثات الديبلوماسية الأميركية المنتشرة عبر العالم. كما أن النبض الشعبي تجاوز "إنجاز" الإدارة لمقتل أسامة بن لادن الذي جرى تسليط الأضواء عليه في المؤتمر العام للحزب الديموقراطي".
وأوضحت الدراسة أن "فريق حملة الرئيس أوباما الإنتخابية عدّل مسار الخطاب السياسي فجأة، وإبتعد عن ذكر مزايا السياسة الخارجية في سجل الرئيس، مما يعكس بطلان الفرضية السابقة بأن إنجازات أوباما في مجال السياسة الخارجية ستشكل مأزقاً للخصم الجمهوري ميت رومني".
وتقول الدراسة أن "الأوضاع الإقتصادية المتردية لا زالت تتصدر أولويات الحملة الإنتخابية، وأن نتائج السباق الرئاسي الأولية تبشر بمعركة حامية الوطيس بين المرشحيْن، ومن المرجح أن تسهم مسألة السياسة الخارجية في حسم موقف الناخبين المترددين".
وعليه ترى الدراسة أنه "وإستناداً إلى مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، يمكننا القول أن بعض الناخبين سيحسم أمره بناء على إستنتاجه مَن مِن المرشحيْن هو الأفضل لإدارة دفة السياسة الخارجية. وهذا يتطلب من الرئيس أوباما العمل على ترميم العثرات المتعددة في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 50 يوماً. أما التحدي الذي يواجهه خصمه رومني فينطوي على مهارته في تسويق نفسه كمرشح رئاسي كفؤ وجدير بتبوأ منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بيد أن المسألتين تمثلان تحديات أساسية من الصعب التغلب عليها".
تقديس حرية التعبير في الداخل الأميركي
تحت هذا العنوان تقول الدراسة إنه "جاء في النص الوارد في المادة الأولى من تعديل الدستور الأميركي ما يلي: الكونغرس غير مخوّل سنّ قانون يراعي إقامة مؤسسة دينية، أو يحظّر حرية ممارسته، أو الإنتقاص من حرية التعبير أو الصحافة، أو حق الشعب في التجمهر السلمي، ومطالبة الحكومة النظر في مظالمهم."
ورأت الدراسة أن "مفهوم الحرية التامة للتعبير قد لا يجد صدى في بعض المجتمعات، لكنه يمثل حجر الزاوية في الحريات الأميركية والفكر السياسي. يعتقد الأميركيون أن حق التفكير هو بداية التحرر، والتعبير ينبغي حمايته من تطاول الحكومة لتلازم التعبير والتفكير في معادلة دائمة". وأن التعبير الذي يحرّض على العنف يمنع في أميركا، وهناك قيود مشددة تحدد الأساليب التي تروّج للعنف".
وتشير الدراسة إلى أنه "في المفهوم الأميركي، الخطاب الذي قد يؤجج الأجواء ضد معتقدات دينية محددة لا يعتبر خطاباً يروّج للعنف. على سبيل المثال، حادثة قيام فنان مغمور بوضع الصليب، الرمز المقدس للمسيحيين، في وعاء من البول تبقى حرية محميّة. أما مئات الملايين من المسيحيين الأميركيين فكان ردهم على الحادثة محصور في شجب العرض الفني بقوة عوضاً عن اللجوء لإستخدام العنف ضده".
وتقول الدراسة إن "الجمهور الأميركي يتعاطف، بشكل عام، مع مشاعر غضب المسلمين نتيجة للفيلم المسيء لمعتقداتهم ورموزهم الدينية، لكنهم أيضاً يراعون حرية الفرد للتعبير عن آرائه. أما طائفة المسيحيين الإنجيليين، القلقين لمجرد الإدلاء بأصواتهم لصالح أحد معتقدي مذهب المورمن المنبوذ لديهم، فمن المرجح أن يلجأ أنصارها للتحريض على موقف الإدارة الأميركية وإتهامها بانتهاك هذا النمط من حرية التعبير، وتوجيه اللوم لها بالتزامها الصمت أمام الهجمات التي تشن على المسيحيين. مصير هذه الحملة من الإدعاءات هو الإرتماء في أحضان حملة المرشح الجمهوري ميت رومني".
في الختام، تشير الدراسة إلى "إمكانية عودة مسائل السياسة الخارجية لتتصدر الحملة الإنتخابية الضارية في الأيام القليلة المقبلة، بيد أن هناك شبه إجماع بين المراقبين والمعنيين أن الأمر لا يعدو مؤقتاً وتأثيراته هامشية، إلا إذا تبلورت الأوضاع وإنخرطت الولايات المتحدة في عمليات عسكرية، أو شنت حرباً في المنطقة. أما ما عدا ذلك، سيظل الدور الأبرز والأهمية القصوى للاوضاع الداخلية التي ستقرر مصير الإنتخابات المقبلة.