"غوش دان درّة تاج إسرائيل".. كيف أصبحت كابوسها المرعب؟

"جنرال إسرائيلي همس في أذن نتنياهو مرّتين محذراً من شنّ حرب مفتوحة على لبنان كي لا يتم تدمير غوش دان". إشارة موجزة في الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، كانت كفيلة بإحياء هاجس مرعب في كيان الاحتلال، فما هو سيناريو "غوش دان" المرعب؟
  • "غوش دان درّة تاج إسرائيل".. كيف أصبحت كابوسها المرعب؟

مع انتشار خبر اغتيال "إسرائيل" نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ ثمّة مخاوف من قصف منطقة "غوش دان" في سياق الردّ على الاغتيال.

واستندت هذه التقديرات إلى كلام واضح أطلقه الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في خطابٍ له بتاريخ 23 آب/أغسطس 2023، وقال فيه إنّ "أي اغتيال على الأراضي اللبنانية يطال لبنانياً أو فلسطينياً أو إيرانياً أو سورياً... بالتأكيد سيكون له ردّ الفعل القوي ولا يمكن السكوت عنه ولا يمكن تحمّله"، مضيفاً: "لن نسمح أن تُفتَح ساحة لبنان من جديد للاغتيالات، ولن نقبل بتغيير قواعد الاشتباك القائمة".

وفي خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد القائدَين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، أمس الأربعاء، أكّد السيد نصر الله للإسرائيليين أن عليهم انتظار الردّ، وتحدّث عن جنرال إسرائيلي قال إنه حذّر نتنياهو مرّتين من شنّ حرب على لبنان؛ لأنّ هذا سيؤدّي إلى تدمير منطقة "غوش دان"، مذكّراً بإيجاز بأهمية "غوش دان" كبقعة جغرافية يجتمع فيها "ثلاثة أرباع إسرائيل"!

كلمات قليلة كانت كافية لإحياء الرعب في قلوب الإسرائيليين من سيناريو "تدمير غوش دان" المتداول أصلاً، فهذا التهديد لا يرد للمرّة الأولى على لسان السيد نصر الله، ونصيحة الجنرال الإسرائيلي لم تأتِ من فراغ، بل استندت إلى تهديدات أطلقها السيد نصر الله في وقت سابق، ويدرك الجنرالات مدى قدرة المقاومة عملانياً على تنفيذها.

وقد جاء ذكر "غوش دان" أول مرّةٍ في خطابٍ للسيد نصر الله، من دون أن يسمّيها، حين ردّ في ذكرى الشهداء القادة في شباط/ فبراير 2010، على التهديد بـ "عقيدة الضاحية"، بالتهديد باستهداف "تل أبيب"، موضحاً أن "ضرب تل أبيب" لا يعني "تفخيت حيطان" كما قد يظن الاحتلال بل تهجير مستوطنيها، وملمحاً إلى "تجمع سكاني إسرائيلي كبير جداً في شريط يضمّ أيضاً مصافي النفط والمصانع الكبرى والمؤسسات الحكومية وكل شيء"!

قبل ذلك بأشهر، وتحديداً في الرابع عشر من آب/أغسطس 2009  كان السيد نصر الله قد أطلق معادلته الشهيرة التي كان لها الدور الأبرز في تكريس ردع استراتيجيّ امتدّ أعواماً طويلة، حين توجّه إلى الإسرائيليين بالقول: "إذا قصفتم بيروت أو الضاحية الجنوبية فسنقصف تل أبيب"!

وتكرّر هذا التهديد على لسان السيد نصر الله في مناسبات مختلفة، لم يكن آخرها المقابلة التي أجراها معه رئيس مجلس إدارة قناة الميادين  في تموز/ يوليو 2022، بمناسبة ذكرى الأربعين ربيعاً من عمر المقاومة الإسلامية، حين ذكّر السيّد نصر الله بأنّ الإسرائيلي "أدرك بعد عدوان تموز أنّ المواجهة مع المقاومة في لبنان هي مواجهة خطيرة وكبيرة، وأنّ قُدرات المقاومة أصبحت تتجاوز المواجهة على الشريط الحدودي أو المستعمرات بعمق عشرين كيلومتراً أو أربعين كيلومتراً، وإنّما تمتد إلى الشمال وإلى الوسط".

وإذا كانت صواريخ المقاومة الدقيقة قادرة على الوصول إلى هذه المديات البعيدة منذ ذلك الحين، فإنّ مرور السنوات كان يحمل تطوراً إضافياً ونوعياً في القدرة التدميرية لهذه الصواريخ، وصولاً إلى تكريس قناعة لدى الإسرائيليين أن تدمير "غوش دان" رهن بلحظة انطلاق المنازلة الكبرى، فما هي "غوش دان"، ومن أين تأتي أهميتها الاستثنائية بحيث يؤثر استهدافها إلى هذا الحدّ في مسار أي حرب مقبلة؟

"غوش دان.. قلب إسرائيل النابض"

هناك أكثر من تعريف لمنطقة "غوش دان"، وتختلف هذه التعريفات من حيث الاتساع، والتعريف الأكثر شيوعاً يشمل المنطقة الجغرافية الممتدّة من "نتانيا" في الشمال إلى أسدود في الشمال بطول 90 كلم، ومن البحر غرباً إلى مدينة "أريئيل" في الشرق بعرض 20 كلم، بمساحة إجمالية تبلغ 1500 كلم2، يتجاوز عدد سكانها 4 ملايين نسمة (أكثر من 90% منهم يهود). يتوزّع هؤلاء بشكل أساسي على مدن "تل أبيب وريشون ليتسيون وبيتح تكفا وأسدود ونتانيا وبني براك"، فضلاً عن عدد من المدن الأخرى، وما يزيد على 300 مستوطنة، وتتجاوز نسبتهم 45% من السكان في كيان الاحتلال، ويعود سبب هذا التركيز الديموغرافي إلى حالات نزوح سابقة من مناطق الخطر القريبة من الحدود مع لبنان ومع قطاع غزة إلى "غوش دان" بوصفها بعيدة (آنذاك) عن دائرة الاستهداف، بُعدُها المفترض هذا جعلها أقل تجهيزاً بوسائل الحماية من ملاجئ وخلافه. ومع بدء ملحمة "طوفان الأقصى" تجدّد النزوح إلى "غوش دان" من محيط غزة ومن شمال الكيان ليزداد الاكتظاظ السكاني فيها.

وتعدّ "غوش دان" درّة تاج الاقتصاد في الكيان، فهي تضمّ مركز البورصة وتجمُّع الاستثمارات والمصارف والشركات الضخمة للتكنولوجيا، وهي بالتالي العصب المالي الأساسي لـ"إسرائيل"، والإدارة الاقتصادية، ومركز التواصل مع العالم. وفيها تتركّز معظم المؤسسات الحكومية والمباني الوزارية  و"مطار بن غوريون" ومركز محطات القطار الداخلي.

الغباء الاستراتيجي و"طوفان النار"

تشير التقديرات الأخيرة في المؤسسة الأمنية والعسكرية في "إسرائيل" إلى امتلاك حزب الله ترسانة من الصواريخ الدقيقة المتعدّدة المديات تبدأ من الكاتيوشا بعيدة المدى (20 - 38 كلم)، إلى فجر 5 (45 - 72 كلم)، وB-302 (110 كلم)، وزلزال 2 (210 كلم)، وM-600 (250 كلم)، وصولاً إلى سكاد دي (700 كلم). بينما لا تتجاوز المسافة بين الحدود اللبنانية الجنوبية وبين أقصى "غوش دان" جنوباً أي "أسدود" 170 كلم، ما يعني أن هذه الصواريخ تصل إلى "غوش دان"، بل تغطي كامل مساحة الكيان، وهو ما سبق أن أشار إليه السيد نصر الله في أكثر من مناسبة.

هذا الواقع يدركه ويعلم مآلاته كثيرون في كيان الاحتلال، وقد أشار أحدهم، وهو الخبير والمحلل العسكري الإسرائيلي أوري بار يوسف، في مقالةٍ له نشرتها صحيفة "هآرتس"، ردّ فيها على تصريحات وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار حول توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله لتحييد قدراته الباليستية، بقوله إنّ الأمر غير مجدٍ، ووصل إلى حدّ وصف صاحبه بالغباء الاستراتيجي، معتبراً اقتراحاً كهذا من شأنه، في ظروف أخرى، أن يتحوّل إلى نكتة، وأنّ ضربة إسرائيلية استهلالية لمخازن السلاح الباليستي لن تجلب الخلاص، بل ستؤدّي إلى تدمير أجزاء كبيرة من "إسرائيل"، ولن يمكن مفاجأة "حزب الله" لأنّه يعلم جيداً باحتمالات ضربة إسرائيلية، وقد قام بالتأكيد بكل ما هو مطلوب لإفشالها، فبحسب أوري بار يوسف، "أهمية صواريخ الحزب التي تصل إلى غوش دان وجنوبها والتي يبلغ عددها عشرات الآلاف، ويوازي مجموعها قوة القنبلة الذرية التي ألقيَت على هيروشيما، تكمن في توزّعها على مواقع مختلفة في لبنان، وهي في معظمها تحت الأرض. وإذا كانت لدى إسرائيل معلومات استخبارية جيدة عن مكان وجودها، فمن الأفضل التشكيك فيها، في ضوء تجربة الماضي". 

وفي مقالة أخرى، يؤكد بار يوسف أنّ الصواريخ التي ستطلق على الكيان لن تصيب فقط مستوطنات غلاف غزة أو الجليل، بل ستصيب أيضاً بصورة أساسيّة منطقة "الخضيرة"، وخصوصاً "تل أبيب"، وأنّ الدمار الذي سيلحق بالمدن سيكون هائلاً، والخسائر البشريّة ستصل إلى الآلاف، كما ستتضرّر البنى التحتيّة للكهرباء والمياه والاتصالات والغاز.

وبالعودة إلى تقديرات المؤسسة الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال، فقد أشارت مؤخراً إلى أنّه في يومٍ واحدٍ من القتال مع حزب الله، ستضطرّ "إسرائيل" إلى التعامل مع إطلاق آلاف القذائف الصاروخية ضدّها، حيث ستُطلَق نحو "إسرائيل" في الأيام الأولى من الحرب نحو 6000 قذيفة صاروخية، و"سينخفض العدد لاحقاً خلال أيام الحرب إلى 1500 – 2000 في اليوم". ويعتقد خبراء الأمن في كيان الاحتلال أنه ستكون هناك نحو 1500 إصابة مصنّفة "فعّالة" في كل يوم في كيان الاحتلال، وهذا بعد احتساب الصواريخ التي ستسقط في مناطق مفتوحة، واعتراضات القبة الحديدية، التي يرى الخبراء أنّ فرص نجاحها ضعيفة في تحقيق نسب اعتراض مرتفعة. 

هذا الواقع كفيل بتقديم صورة أكثر وضوحاً حول أبعاد  المنازلة الكبرى ومآلاتها، بعيداً من التصريحات الشعبوية لنتنياهو وبعض وزرائه وكبار ضباط "الجيش" في كيان الاحتلال، والتي تحاول تعويض تآكل الردع بالنبرة العالية، من دون أن يملك أحد منهم استراتيجية فعالة لمواجهة "طوفان من نار" ينتظر "غوش دان"، درّة التاج في كيانهم، عند ارتكابهم أي حماقة كبرى في التعامل مع الجبهة الشماليّة مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: بعد توعد السيد نصر الله بالرد على اغتيال العاروري.. حالة تخوف وتأهب في "إسرائيل"

المصدر: الميادين نت