نهاية المحكمة الخاصة بلبنان والنتيجة: مغالطات قانونية واسعة وفوضى وتسييس

المحكمة الدولية، أدخلت لبنان لأكثر من عقد من الزمن في متاهات ومخاطر جسيمة، كادت في بعض الأحيان أن تدخل البلاد في أتون حروب مذهبية وإلى أحقاد وخلافات سياسية مستمرة حتى اليوم.
  • إغلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد 16 عاماً على إنشائها

بعد 16 عاماً على إنشائها بقرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، أعلنت الأمم المتحدة اليوم إغلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والنتيجة النهائية لعمل هذه المحكمة المثيرة للجدل الدائم، كانت قراراً مشكوكاً بأمره وبقانونيته، صدر في آذار/ مارس عام 2022 يحكم على اللبنانيين الثلاثة: سليم عياش وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي بالسجن المؤبد "لتخطيطهم وتنفيذهم جريمة اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق و21 آخرين" في 14 شباط/ فبراير 2005.

وتستند الشكوك القانونية في هذا القرار إلى: أولاً، أنه يفتقد الأدلة الدامغة لضلوع هؤلاء المتهمين بالجريمة، كون الدليل الوحيد الذي استند إليه الادعاء وتبنته المحكمة، هو دليل الاتصالات، وبحسب المناقشات المطولة التي حصلت خلال جلسات العام 2014، اعتمدت المحكمة، على ما قالته "تحليل مكالمات هاتفية بين الهواتف المحمولة التي استخدمت للتخطيط والتحضير وتنفيذ الهجوم"، علماً أن الادعاء اعترف عام 2014، أن ليس بحوزته ولا بحوزة وزارة الاتصالات اللبنانية، التي سلمت داتا الاتصالات في حينه إلى الادعاء وإلى المحكمة الدولية، أي مضمون لأي حوار هاتفي جرى خلال هذه الاتصالات بين هؤلاء الأشخاص، ولا أي مضمون لرسالة نصية SMS، وتم الاكتفاء بعنصر واحد يتيم هو عنصر الاستخدام فقط لهذه الهواتف الخلوية، للاستنتاج بأن هؤلاء خططوا ونفذوا الجريمة.

فريق الدفاع، الذي عيّنته المحكمة تلقائياً، رفض رفضاً قاطعاً اعتماد الاستخدام الفارغ من أي مضمون لهذه الاتصالات، كدليل يُستند إليه لإصدار حكم مبرم، وعلمت الميادين أن محامي الدفاع عن المتهمين قدموا إثباتات إلى المحكمة الدولية بعدم صلاحية مبدأ استخدام الاتصالات كدليل لتوجيه الاتهامات إلى هذه المجموعة.

فوضى توجيه الاتهامات

الشك الثاني، متعلق بالفوضى في توجيه الاتهامات، ففي 18 آب/ أغسطس 2020، وبعد تحقيقات دامت 12 عاماً وجلسات استمرت 6 سنوات (من 2014 حتى 2020) خلصت المحكمة إلى حكم وحيد بحق سليم عياش بتهمة ارتكاب الجريمة، ووجهت له 5 تهم تقضي بسجنه مدى الحياة، استناداً، كما ذكرنا سابقاً، إلى دليل الاتصالات المرفوض من قبل فريق الدفاع، وعند صدور الحكم تقدم محامو الدفاع، ولا سيما محامي الدفاع عن عياش، الأستاذ إميل عون، طلباً لاستئناف الحكم، لكنّ المحكمة رفضت الطلب وعدّته باطلاً وغير صالح.

الغريب، أنه في العام 2021، قدم المدعي العام الكندي نورمن فاريل استئنافاً يطلب فيه إعادة المحاكمة لتشمل الأحكام باقي أعضاء المجموعة التي يتزعمها عياش (بحسب تسميات المحكمة الدولية)، فوافقت محكمة الاستئناف مباشرة على الطلب، وفي غضون أشهر قليلة فقط، أي في 10 آذار/مارس 2022 صدر القرار النهائي عن المحكمة التي دانت فيه حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي "لدورهما في اعتداء 14 شباط/فبراير 2005 الإرهابي، بحسب بيان المحكمة.

محكمة الاستئناف ذهبت بعيداً في تصرفاتها غير القانونية، إذ رفضت رفضاً قاطعاً طلبات محامي الدفاع تقديم مرافعات خلال جلسات الاستئناف، ورفضت حتى حضور هؤلاء جلسات المحكمة، فاقتصرت جلسة الاستئناف على مرافعة واحدة، هي مرافعة المدعي العام الذي طالب بضم مرعي وعنيسي إلى عياش في الأحكام المؤبدة، وهذا ما حصل فعلاً، من دون الاستماع إلى أي رأي آخر يخص تحديداً فريق الدفاع عن المتهمين.

المفارقة العجيبة وغير المفهومة من قبل فريق محامي الدفاع، أنه بحسب كل القوانين الدولية والمحلية – الوطنية، يعدّ فريقا الادعاء والدفاع على قدم المساواة أمام المحاكم، فلماذا تصرفت محكمة البداية أولاً بهذا الشكل من خلال رفض استئناف محاكمة عياش، ولماذا وافقت لاحقاً على طلب الادعاء باستئناف محكمة عنيسي ومرعي ورفضت في الوقت ذاته مرافعات الدفاع؟

العودة قليلاً إلى الوراء اليوم، نتذكر هذا الملف منذ بداياته عام 2006، عندما قررت الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، تهريب طلب إنشاء المحكمة إلى الأمم المتحدة، علماً أنها كانت حكومة غير ميثاقية لخلوها من أي تمثيل للطائفة الشيعية فيها.

نتذكر أيضاً، كيف تم توجيه الاتهام بداية إلى سوريا بارتكاب الجريمة وتحولت كل التحقيقات باتجاه دمشق، وتم سجن الضباط اللبنانيين الأربعة لنحو أربع سنوات من دون أي دليل على اتهامات بتسهيل حصول الجريمة بالتشارك مع الأمن السوري، ثم أطلق سراحهم، قبل أن يتم تحويل الاتهامات إلى حزب الله اعتباراً من العام 2010.

كل هذه الوقائع وغيرها، التي تحتاج ربما إلى مناقشة جدية اليوم، تشير بكل وضوح إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان كانت محكمة مسيّسة، منذ بداية التحقيقات عام 2005 مع المحقق الألماني دتليف مليس، ذائع الصيت في الحفلات الليلية التي أقامها في مقر إقامته في "المونت فردي" (شرق العاصمة اللبنانية)، والذي قدّم تقريرين خلص بهما إلى توجيه الاتهام إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، لكنه استقال نهاية العام 2006 ليحل محله القاضي البلجيكي سيرج براميريتز.

المحكمة الدولية، أدخلت لبنان لأكثر من عقد من الزمن في متاهات ومخاطر جسيمة، كادت في بعض الأحيان أن تدخل البلاد في أتون حروب مذهبية وإلى أحقاد وخلافات سياسية مستمرة حتى اليوم. بالإضافة طبعاً إلى خسائر مالية ضخمة، نحو مليار ومئتي مليون كلفت المحكمة الدولية/ دفع لبنان منها 49%، في وقت كان سقط أكثر من80% من اللبنانيين تحت خط الفقر.

المصدر: الميادين نت