العميد يحيى سريع.. وجه من وجوه الحرب الإعلامية والنفسية في اليمن
اعتاد الظهور على المنابر، منذ سنواتٍ قليلة، ببدلته العسكرية المعهودة، وعلى كتفيه 3 نجوم يعلوها الطير الجمهوري، وفوق رأسه "البيريه" الحمراء، وخلفه العلم الرسمي اليمني، حيثُ يقف بكل حزمٍ وثقةٍ وثبات، من أجل الإعلان، للجمهور المحلي والعربي والعالمي، عن عمليات عسكرية للقوات المسلحة، بالصوت والصورة، وضمن بيانات مقتضبة.
إنّه المتحدّث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، الذي بات اسمه، في الآونة الأخيرة، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بـ"البشارات" والنصر بالنسبة إلى الجمهور الذي يؤيّده، وبالهزيمة والتهديد الوجودي للجمهور الذي يُعاديه، من خلال ما يعلنه من عمليات نوعية ما وراء البحار.
فمن هو العميد يحيى سريع؟
العميد يحيى سريع من مواليد محافظة صعدة المُحاذية للحدود السعودية الجنوبية حيث معظم القيادات في حركة "أنصار الله".
أكاديمياً، حاز العميد سريع شهادتي البكالوريوس والماجستير في اختصاص العلوم السياسية.
أمّا عسكرياً، فتلقّى سريع العديد من الدورات العسكرية والقتالية والأمنية والإدارية والتخصصية في العلوم العسكرية، إذ تدرج في التشكيلات العسكرية وتولى عدداً من المهمات في السلك العسكري في المؤسسة العسكرية اليمنية منذ بدء عدوان التحالف السعودي، حتى عُيّن رئيساً لشعبة "الحرب النفسية" في التوجيه المعنوي للقوات المسلحة عام 2017 برتبة عقيد.
وفي منتصف العام 2018، جرى تعيينه مديراً لدائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، وترقيته إلى رتبة عميد، ليُعيّن كذلك متحدثاً رسمياً باسم القوات المسلحة اليمنية في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه.
بياناتٌ مفصلية
بتعيينه متحدثاً رسمياً باسم القوات المسلحة اليمنية، دخل العميد سريع مرحلةً جديدةً ومهمّةً في مسيرته، لأهميّة هذا المنصب، كونه يُمثّل جبهةً إعلامية وتوثيقية فاعلة، في أوقات الحرب خصوصاً، إذ أصبح العميد الشخص الذي ينتظره الجمهور للاطلاع على التصريحات والتعليقات والتقارير الدقيقة بشأن عمليات القوات المسلحة وأنشطتها.
فمنذ تسلّم العميد سريع منصبه، أعلن، في بياناته المقتضبة المعتادة، عن المئات من العمليات العسكرية النوعية التي نفّذتها القوات المسلحة اليمنية، كان من أهمّها عملية "إعصار اليمن الثانية"، التي استهدفت العمقين الإماراتي والسعودي، وأيضاً عملية "كسر الحصار الثالثة" التي استهدفت نقاطاً حيوية في العمق السعودي، منها منشآت "أرامكو" عام 2022.
وكان آخر العمليات الاستراتيجية الهامّة التي أعلنها العميد سريع، عمليات القوات المسلحة ضد السفن الإسرائيلية، والسفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر، وأيضاً عمليات سلاح الجو الذي استهدف "إيلات" أكثر من مرّة بالصواريخ الباليستية والمسيرات، نصرةً لشعب غزة ودعماً لمقاومته في وجه العدوان الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
حضورٌ فاعل وشعبية واسعة
ومنذ تعيينه متحدّثاً رسمياً باسم القوات المسلحة اليمنية، وحتى الإعلان عن انضمام اليمن إلى ملحمة "طوفان الأقصى"، تميّز العميد سريع بإطلالاته التلفزيونية، التي يقف فيها بكل ثبات وثقة في النفس، وبطريقة إلقائه السريعة للبيانات بصوتٍ جهوريّ ومرتفع باللغة العربية الفصحى الممزوجة باللهجة اليمنية، ما جعله شخصاً ذا "كاريزما وحضورٍ" واضحين، وأكسبه شعبيةً محلية وعربية.
وما أكسبه شعبيةً محلية واسعة أيضاً، مشاركته وحضوره المتواضع بين الشعب اليمني في مختلف المناسبات، وأيضاً متابعته القوات المسلحة بزياراتٍ على الجبهات، وكذلك تفقّده الأطفال والأشبال في المراكز التعليمية، وذلك ضمن دوره كمدير لدائرة التوجيه المعنوي، ليتحوّل إلى رمزٍ قيادي بارز.
هذه الشعبية لدى الجمهور اليمني، عبّرت عنها صورة له انتشرت أمس وهو يركب خلف سائق دراجة نارية ليوصله إلى "ميدان السبعين" لإلقاء بيانٍ عسكري في مسيرة "مع غزة حتى النصر"، ليُكرّمه العميد سريع بمنحه درع دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة على موقفه ومبادرته.
في لفتة كريمة قام المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة مدير دائرة التوجيه المعنوي العميد يحيى سريع بتكريم صاحب الدراجة النارية الأخ/ مهدي أحمد سيف الحمادي ومنحه درع دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة على موقفه ومبادرته في مسيرة "مع غزة حتى النصر". pic.twitter.com/Trqg6nJV8Q
— أمين أحمد حيان Ameen Hayyan (@ameanhayan) December 17, 2023
وفي الآونة الأخيرة، تزايدت شعبيته عربياً أيضاً، فإضافةً إلى دوره ومكانته المُحبّبة لدى الجمهور، تميّز سريع بحضوره الفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً في منصة "إكس"، حيث يتابعه أكثر من 700 ألف شخص.
وهو يعتمد أسلوباً فريداً له أبعاد دعائية وإعلامية على هذه المنصة، إذ يُحضّر ويُشوّق الجمهور لانتظار بياناته، وذلك عبر مشاركته في كل مرّة، وقبل ظهوره الإعلامي، منشوراً يكتب فيه أنّ القوات المسلحة ستعلن "بياناً مهماً خلال الساعات القادمة" أو في توقيت يُحدّده.
وقد توسّعت شعبيته عربياً في الشهرين الماضيين مع انتظار الجماهير، المؤيّدة لليمن والقضية الفلسطينية، بياناته المتعلّقة بالعمليات اليمنية في البحرين الأحمر والعربي و"إيلات". وبرصد التفاعل على بياناته في منصّات التواصل، نجد الآلاف من التعليقات باللغات واللهجات المختلفة، التي تدعمه وتدعم قيادته وتدعو لليمن بالنصر ضد الاحتلال الإسرائيلي.
جبهة إعلامية وحرب نفسية
العميد سريع، وبتأديته لمهماته التي أدّت إلى اكتسابه هذه الشعبية، وبتقربه من الجماهير المحلية والعربية من خلال مواقع التواصل والوسائل الأخرى، أثبت أنّ مهمّة المتحدّث الرسمي باسم القوات المسلحة وظيفة أساسية في أوقات الحرب، والسلم أيضاً، يؤدي فيها المتحدّث الرسمي دوراً هاماً في الجبهة الإعلامية الحربية من خلال تحقيقه عناصر عدة مطلوبة لذلك، تتعلّق بشخصيته وطريقة تأديته لمهماته.
فمن موقعه، على المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، وفق التعريفات، أن يكون عسكرياً محترفاً، وأن يكون مطلعاً على الشؤون العسكرية، ولا سيما عمليات القوات المسلحة، وأن يتمتع بقبول وحرفية وذكاء ومرونة في التعامل، ويمتلك مهارات في الاتصال، إيجابياً مع وسائل الإعلام كافة والعلاقات العامة. وأيضاً أن يتميز بحسن التعبير باللغة التي يتحدث بها.
وتأتي تلك المواصفات لتحقيق الهدف من اختيار المتحدث، والذي يتلخّص في ضمان ورود التصريحات والتعليقات والتقارير بطريقة صحيحة، وذلك لإحداث الأثر المطلوب منها، وتحقيق الموضوعية والشفافية في عرض البيانات والمعلومات الإخبارية والتقريرية، وإنهاء أي فرص لتداول الشائعات والأخبار المغلوطة والتكهنات غير المؤكدة.
وبصفته متحدّثاً رسمياً باسم القوات المسلحة اليمنية، استطاع العميد سريع أن يكون من أبرز الوجوه التي تُمارس الحرب النفسية والدعائية اليمنية في وجه الأعداء، وذلك من خلال كشف الحقائق وتشكيل الرأي العام وتوجيهه نحو صوابية المقاومة اليمنية وعملياتها العسكرية التي تخطّت حدود البلاد، وأيضاً عن طريق تحديد هوية المعتدين على البلاد، ووصفهم كجزء من العدوان "الصهيوني الأميركي".
تشكيل الرأي العام وتوجيهه في البيانات التي يعلنها سريع، يتركّز أيضاً على سبيل المثال، باستهلاله أغلب بياناته بآيات قرآنية تدلّ على أحقّية الجهاد والدفاع عن النفس ونصرة المستضعفين، وحتمية النصر، ليعلن على مسامع العالم، بعد تلاوة تلك الآيات، الإنجازات المحققة للقوات المسلحة في هذا الإطار.
وفي الفترة الأخيرة، كان توجيه الرأي العام من خلال انتقائه مصطلحاتٍ محددّة لها أبعادها التاريخية والمعنوية، إذ عمد سريع إلى استخدام كلمة "أم الرشراش" في إعلانه استهداف القوات المسلحة اليمنية "إيلات". وتلك خطوة مقصودة يُرسّخ من خلالها الحق الفلسطيني في أرضه التي اغتصبها الاحتلال الإسرائيلي وغيّر معالمها وملامحها وأسماء مدنها. فـ"أم الرشراش" هي بلدة فلسطينية تقع في الطرف الشرقي لشبه جزيرة سيناء وتطل على خليج العقبة، لكن عام 1949، احتلّها "الجيش" الإسرائيلي وحوّل اسمها إلى "إيلات".
إضافةً إلى ذلك، عمد سريع إلى التأكيد في كل بيان أنّ العمليات اليمنية تأتي أولاً: "انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقتل والتدمير والحصار في قطاع غزة"، وثانياً: "تنفيذاً لتوجيهات السيد عبد الملك الحوثي"، وثالثاً: "استجابة لنداءات الأحرار من أبناء شعبنا اليمني العظيم وأبناء أمتنا". وهذه التأكيدات إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على أنّ العمليات العسكرية ضدّ الاحتلال متابعة من القيادة، وتحظى بتأييد شعبي، ما يدحض كل الحملات الدعائية الغربية التي تهدف إلى سحب الشرعية والتأييد الشعبي للقوات المسلحة اليمنية.
كما يُعيد العميد سريع، في كل بيان، تشديده على أنّ القوات المسلحة اليمنية مستمرة في عملياتها العسكرية ضد الكيان الإسرائيلي حتى يتوقف عدوانه وحصاره على قطاع غزة، وتلك جملة يُحدّد فيها أهداف العمليات العسكرية، كرسالة واضحة إلى كل من يهدّد اليمن ويضغط عليه بالحصار والتجويع وعودة الحرب، أنّ صنعاء لن ترضخ للضغوطات أو تستسلم حتى ينتهي العدوان والحصار الإسرائيليين على قطاع غزة.
حصار يمني لـ"إسرائيل"
وقد استطاعت أن تعكس بيانات القوات المسلحة اليمنية وردود الفعل عليها، المؤيّدة والمعارضة، الدور الاستراتيجي الهام الذي تؤديه صنعاء، ضمن محور المقاومة، في نصرة غزة ودعمها، والنابع من عقيدة ثابتة ومعهودة بنصرة القضية الفلسطينية مهما كلّف الأمر.
فاليمن لم يتوان لحظة واحدة عن نصرة فلسطين، وسارع إلى استهداف "إيلات" بالصواريخ والمسيرات، وبعدها إلى تحريك ورقة البحرين العربي والأحمر ومضيق باب المندب في وجه الملاحة البحرية للاحتلال الإسرائيلي والقوى الغربية الاستعمارية المشاركة في العدوان وحصار قطاع غزة، وهو الذي لم يُحرّك هذه الورقة خلال 8 سنوات من العدوان والحصار الخانق براً وبحراً وجواً علىه.
إنّ هذه العمليات تجاوزت عمقها المعنوي والرمزي في دعم اليمن للقضية الفلسطينية، لتُشكّل تهديداً ملموساً للاحتلال في البحر الأحمر، لأنّها تمسّ بمقتضيات "أمنه القومي" لوقوع البحر ضمن اتجاه "إسرائيل" الاستراتيجي الجنوبي ليشمل الدول العربية المشاطئة، ودول القرن الأفريقي المتحكمة في مدخله الجنوبي، بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل.
وأدّت العمليات اليمنية إلى فرض حصار بحري كامل فعلي على "إسرائيل" من خلال إلغاء خطوط شحن إليها، ما أدّى إلى خسائر اقتصادية وأضرّ بالأمن الغذائي، بحسب الإعلام الإسرائيلي، ذلك لأنّ 95% من البضائع الداخلة والخارجة من وإلى "إسرائيل" تمرّ عبر البحر، وجزءاً كبيراً منها يأتي من الشرق، أي من الصين ودول مشابهة، منها مواد خام ومواد مصنّعة بشكل نهائي، بحيث تمرّ عبر قناة السويس لتصل إلى موانئ حيفا وأشدود، لكن في ظل الحصار اليمني، فإنّ السفن لا تعبر باب المندب.
وقد أقرّت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ الخطر الذي تشكّله التهديدات اليمنية على السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى "إسرائيل"، تعرّض أكثر من أي شيء آخر، استقرار الاقتصاد الإسرائيلي للخطر.
من هذا المنطلق، رأى الباحث في سياسات الشرق الأوسط والأمن البحري، نيكولاس برومفيلد، في مقال له في موقع "Foreign Policy Research Institute" الأميركي، أنّه يجب أخذ التهديد اليمني على "محمل الجد"، موضحاً أنّ ما فعله اليمنيون تاريخياً، وما يفعلونه الآن، يعني أنّ اليمنيين "يعرفون ما يفعلون، ولديهم أسباب استراتيجية وكذلك أيديولوجية لما يفعلونه، فلطالما كانت عبارة "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"، شعارهم الذي يلتزمون به، ليُمثّل اليمن، بموقعه ودوره الاستراتيجي، موقفاً عربياً أصيلاً وشجاعاً في قوله وفعله.