خمسون يوماً من الحرب.. هل تخدم الاصطفافات الدولية الفلسطينيين؟
بعد نحو خمسين يوماً على معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام - حماس في 7 أكتوبر، وفي إثر جرائم الحرب التي ارتكبتها "إسرائيل" في قطاع غزة، تتزايد المواقف الدولية المؤيّدة للفلسطينيين والمناهضة لـ"إسرائيل"، وبرز ذلك في موقفي إسبانيا وبلجيكا الرسميين، وفي خطوة برلمان جنوب أفريقيا الذي صوّت لصالح إغلاق السفارة الإسرائيلية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع "تل أبيب"، تطرح أسئلة حول إعادة تموضعٍ دولية فرضتها حرب غزة، ومشهد الاصطفافات الدولية اليوم، وهل تنعكس هذه الأمور على توازنات النظام الدولي؟
بداية انسحب التمثيل الإسرائيلي من قمة وحدة المتوسط بداية الأسبوع في مدينة برشلونة، جولةٌ ثانية من الخلاف الدبلوماسي بين "إسرائيل" وإسبانيا بشأن غزة. كما أنّ الخلاف الغربي الغربي أطلّ من مواقف أكبر قادة الاتّحاد الأوروبي، وكان واضحاً عنوان صحيفة "لارازون" الإسبانية حين سلّطت الضوء على الانتقاد الألماني الحاد بوجه رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيس نتيجة تعاطفه مع فلسطين.
وبعد انتشار مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، انتفض المتظاهرون لوقف المجازر ودعم فلسطين. بوليفيا التي ذاقت طعم الاضطهاد العرقي عبر التاريخ طردت السفير الإسرائيلي من أرضها.
التقلّب السياسي في كولومبيا أسهم في تغيّر العلاقات، وإذ برئيسها اليساري غوستافو بيترو يستدعي السفير الإاسرائيلي، كما هي حال تشيلي.
إزاء هذا التصعيد رفع أكثر من 60 نائباً أوروبياً ومن أميركا الجنوبية شكوى ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام المحكمة الجنائية من أقصى أميركا الجنوبية إلى القارة السمراء. لم يكن مستغرباً على جنوب أفريقيا اتّخاذ موقفٍ مشابهٍ، الثابت الوحيد هو أنّ دولاً أفريقيةً ولاتينيةً ما عادت تؤمن بالولايات المتّحدة الأميركية كقوةٍ عالمية، وأكبر دليلٍ هو تصويت 120 دولةً لوقف العدوان على غزة على عكس الإدارة الأميركية.
الصين ومعها روسيا كقوّتين بديلتين، انتقدتا ازدواجية المعايير الأميركية والغربية ليتقاطع موقفهما مع إرادةٍ شعبيةٍ وسياسيةٍ كبيرة.
التحول السياسي في رأي الشارع الغربي
محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية من جنيف موسى عاصي، يقول "نحن أمام حالة غير معهودة في تاريخ الاصطفافات، ونحن أمام نوع جديد من الاصطفافات ربّما يكون أفقياً إلى حدٍّ ما، لدينا من جهة رأي العام في الدول الأوروبية معززاً بمواقف أحزاب أقصى اليسار، إلى جانب عدد كبير من البرلمانيين في البرلمان الأوروبي، وبعض الاستثناءات الحكومية كموقفي إسبانيا وبلجيكا معززة أيضاً هذه المواقف بدول تاريخياً وتقليدياً تدعم الموقف الفلسطيني والشعب الفلسطيني".
إعادة تموضع دولية فرضتها حرب #غزة، كيف يبدو مشهد الاصطفافات الدولية اليوم؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 26, 2023
محلل #الميادين للشؤون الأوروبية والدولية موسى عاصي في #التحليلية #الميادين #فلسطين #غزة @moussaassi pic.twitter.com/cuDpbE0lpQ
ولكن، بحسب عاصي "اليوم نحن أمام موقف سياسي من قبل الرأي العام وهذا ليس موقفاً إنسانياً فقط، الذي دعا إلى فتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية ولكن عندما يُطالِب الشارع الأوروبي بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية وإقامة دولة فلسطينية ووقف الاحتلال فهذه مواقف سياسية وهذا الجديد المهم جداً في الانقلابات والاصطفافات السياسية في الدول الغربية تحديداً".
أفريقيا والعمق الاستراتيجي للقضايا العربية
وعن منطلقات وبواعث الموقف الأفريقي، يقول محلل الميادين للشؤون الأفريقية والدولية محمد حسب الرسول، إنّ الموقف في جنوب أفريقيا هو موقف مبدئي انطلق من تجربة ذاتية لجنوب أفريقيا مع الاحتلال ومع الاستعمار الأوروبي والغربي الذي استمر لسنوات طويلة، والذي تمكّنت جنوب أفريقيا من التحرر منه في عام 1994.
ما تأثير مواقف جنوب #أفريقيا من "إسرائيل" على الفضاء الأفريقي والفضاء العالمي؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 26, 2023
محلل #الميادين للشؤون الأفريقية والدولية محمد حسب الرسول في #التحليلية #الميادين #فلسطين #غزة pic.twitter.com/AvRr66MXVA
وأشار إلى أنّ ما حدث في جنوب أفريقيا هو "تعبير حقيقي عن موقف مبدئي يعبّر عن المجتمع والشعب في جنوب أفريقيا، ولكنه في الوقت ذاته يعبّر عن الوجدان الأفريقي بصفة نعم".
الخروج من أحادية القطب الأميركية
وتحدث مسلم شعيتو محلل الميادين للشؤون الأوراسية والدولية من موسكو عن المهام الملقاة على عاتق موسكو وبكين في التغيرات الدولية بعد أن سبقتهما شعوب ودول أيضاً برفض السياسة الأميركية والغربية، وقال إنه "إذا كانت روسيا قد تحدثت عن تعدد الأقطاب وطرح هذا الشعار، لكن حالياً وفعلياً شعوب العالم تخطّت كل هذه الشعارات وذهبت بعيداً في معاداتها لأحادية القطب واتّهمته بكل ما يجري من أحداث خاصةً في غزة".
ما هي المهام الملقاة على عاتق #موسكو و #بكين في التغيرات الدولي، حيث سبقتهما شعوب الدول الاخرى برفضها السياسية الآمريكية والغربية؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 26, 2023
محلل #الميادين للشؤون الأوراسية والدولية مسلم شعيتو في #التحليلية #طوفان_الأقصى #فلسطين #غزة pic.twitter.com/8Oe7GvJ1tL
وأكد شعيتو أنه "حالياً في غزة انتهت هذه الإفرازات وأصبح العالم بشكل واضح يرفض سياسة الولايات المتّحدة، لكن الخوف هو أن تصل هذه الشعوب إلى الفراغ حيث ترفض أحادية القطب الأميركية فيما روسيا والصين لم تقدّما البديل لا الفكري ولا السياسي ولا الاقتصادي"، مشدداً على أنه "عليهما أن يطرحا بدائل اقتصادية سياسية وأمنية تحديداً من أجل الخروج من أحادية القطب، ومن هذه الهيمنة، ومن هذا السلوك الدموي والعبثي الذي يمارسه الغرب ودوله".
دول عالم الجنوب وتأييده لغزة
يقول عاصي إنّ تموضع غالبية دول عالم الجنوب بدأ بشكل واضح منذ سنوات، و"رأينا ذلك خلال السنوات الماضية من تلك الانقلابات التي حصلت ضد الاستعمار القديم والفرنسي تحديداً في بعض الدول الأفريقية، وتجذّر بشكلٍ كبير بعد بدء الحرب الأوكرانية الروسية، والآن مع حرب غزة نرى تموضعاً بشكل حاسم في المواقف".
وأشار إلى أنّ "دول الجنوب هذه بمعظمها أو دول أميركا الجنوبية التي عانت أو ترى أنّ دول الغرب تتعاطى مع الشعب الفلسطيني كما تعاطت دول الاستعمار معها، وأن هناك قواسم مشتركة تجمع الفلسطينيين مع معظم دول الجنوب"، ورأى أنه " يمكن القول اليوم إنّ الدول الغربية خسرت محاولات جرت خلال الأشهر الماضية لإعادة استمالة دول الجنوب بعد الحرب الأوكرانية الروسية، ولكن هذه المحاولة يبدو أنها سقطت في حرب غزة بالضربة القاضية"، وفق عاصي.
أما بالنسبة إلى تأثير مواقف جنوب أفريقيا من "إسرائيل" على الفضاء الأفريقي والفضاء العالمي أيضاً، فرأى حسب الرسول أنّ "فضاء الدول الأفريقية في غالبها كانت تتبنى موقفاً إيجابياً جداً من القضية الفلسطينية وكانت تقاطع "إسرائيل" ولم تُقم معها علاقات دبلوماسية، وبالتالي الموقف الذي تبنّته جنوب أفريقيا الآن هو موقف يعبّر عن وجدان الشعب الأفريقي، وهو موقف بكل تأكيد له تأثيره الكبير حتى في المنظمة الإقليمية في الاتّحاد الأفريقي".
تأطير ردّات الفعل الشعبية في إطار سياسي
وبالنسبة إلى التغيرات لدى الرأي العام العالمي وردّات الفعل على التوحّش الأميركي والغربي، وإمكانية استمرارها من دون امتلاك فكر سياسي وأيديولوجيا، أعرب شعيتو عن عدم اعتقاده أن تستمر هذه الحالة طويلاً "لأنّ ماهية الرأي العام آنية، سريعة وردة فعل على ما يحدث، إذا لم تؤطَّر في إطار سياسي معيّن تطرحه قوى سياسية خاصةً القوى التقدّمية واليسارية والدول المتضررة كفكر سياسي"، وأيضاً "أيديولوجيا تطرحها الأنظمة المعنية بالتخلّص من هذه الهيمنة لا يمكن استمرارها لاحقاً".
إلا أنّ شعيتو شدد قائلاً: "نحن أمام فرصة تاريخية أنتجتها غزة وحكماً كانت البداية في أوكرانيا وما سعت إليه روسيا والصين والدول الأخرى، لكن إذا لم تُقترَن كما قلت بموقف سياسي واضح وبسلوك من المنظمات في دول العالم الثالث قد تكون هذه عملية بريئة عفوية تنتهي عند انتهاء الأزمة أو عند وقف إطلاق النار في غزة".
التظاهرات والتضامن العالمي هل سيخدمان القضية الفلسطينية على المدى الطويل؟
ولكن، هل يمكن الاستفادة من التظاهرات والتضامن العالمي مع فلسطين على المدى الطويل لصالح القضية الفلسطينية، وهنا رأى عاصي أنّ "هذا التشكّل هو موسمي وينتهي مع انتهاء الأسباب التي أدّت الى وجود هذا الرأي العام". ولكنه أشار إلى "أنّنا اليوم أمام حالة يمكن أن تكون جديدة"، مضيفاً أنّ " هناك نضجاً سياسياً لدى الرأي العام في أوروبا اليوم يمكن أن يُعوَّل عليه في المستقبل إذا ما تمّ نسج علاقات بين المنظمات التي حرّكت الرأي العام في أوروبا، لدينا هنا منظمات وجمعياتها مثل محاولات للتحرك PDS أي جمعيات مقاطعة البضائع الإسرائيلية هي التي حرّكت الشارع في أوروبا بالإضافة الى أحزاب أقصى اليسار كما يسمونها هنا -"، مشدداً على أنّ "هذه العلاقات هنا هي مسؤولية القوى الفلسطينية في نسج علاقات مع هذه الجمعيات ومع هذه القوى من أجل الاستمرار لأبعد من ذلك. ويمكن التعويل على هذا الرأي العام في مراحل مقبلة".
أما بالنسبة إلى جنوب أفريقيا وإمكانية تطوير مفاعيل هذا الموقف، فرأى حسب الرسول أنّ "هذا الموقف يتطلب وعياً واستعادة الوعي العربي بأنّ أفريقيا هي العمق الطبيعي والاستراتيجي للوطن العربي وللقضايا العربية".
وشدد على أنه "على الحكومات والأنظمة العربية التوجه نحو إعادة صياغة استراتيجية للتعاون والتعامل والشراكة مع أفريقيا، وفي ذلك مكاسب كبيرة على المستويين الاقتصادي والسياسي، وبكل تأكيد سيكون لذلك تداعيات ومفاعيل مهمة على مستوى القضايا الكبيرة كقضية فلسطين وقضية الموقف العربي الأفريقي من النظام العالمي الجديد الذي يجب أن يكون لأفريقيا وللوطن العربي مساهمة في بنائه".
وعن الأساليب التي غيّرت الرأي العام العالمي، التي شهدناها حالياً، وإمكانية الاستفادة منها وتطويرها، أكد شعيتو أنه "إذا كانت الجريدة سابقاً هي إحدى أهم الوسائل باتّجاه التحوّل الثوري، فالتلفزيون المباشر والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي حالياً التي رغبَت الدول الغربية وتحديداً الولايات المتّحدة أن تكون حفرة تقع فيها شعوب الدول الأخرى كما فعلت في ما يُسمى بالثورات الملونة، وقعت هي في هذه الحفرة إذ أصبحت هذه الوسائل أداة يمكن تحريك الرأي العام في هذه الدول".
إلا أنّ شعيتو رأى أنه "لا يمكن أن يستمر هذا التحريك إذا لم يتّكل على إمكانات مستقلة عن ما تمتلكه أو تقدّمه الدول الغربية من وسائل تواصل ومن وسائل إعلام، كما لا يمكن أن يستمر إذا كنا لا نملك وسائلنا الخاصة في الدعاية ووسائلنا الخاصة في نشر الأخبار وتعميم الفكرة التي نرغب في إيصالها إلى الرأي العام الآخَر".