الاعتداء على الصحافيين في غزة ولبنان.. سياسة "إسرائيل" في طمس الحقائق

"إسرائيل" احتلت المرتبة الأولى عالمياً في قتل الصحافيين وانتهاك حقوقهم وملاحقتهم، وذلك بهدف إسكات الحقّ صوتاً وصورة،ـ والتغطية على المجازر التي ترتكبها قواتها بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.
  • من تشييع مراسلين صحافيين في قطاع غزة استشهدا بعد اعتداءٍ إسرائيلي (أرشيف)

تحاول "إسرائيل" دائماً إسكات الحقّ صوتاً وصورة، فتعمد إلى استهداف الصحافيين الذين يغطون المجازر التي ترتكبها قواتها بحقّ الشعبين الفلسطيني واللبناني، والتي أقلّ ما يُقال إنها جرائم ضد الإنسانية.

يُواجه الصحافيون في أثناء تغطيتهم للحرب الدائرة حالياً بين "إسرائيل" وحركة حماس، والتوترات على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تحديات كبيرة تتمثّل في تعرّض حياتهم للخطر، فإما يتمّ قتلهم، أو يتعرّضون للاعتداءات والمضايقات، أو تتعرّض مكاتبهم للقصف. 

استهداف الصحافيّين في فلسطين

بحسب تقرير صادر عن نقابة الصحافيّين الفلسطينيين، فقد استشهد 11 صحافياً فلسطينياً بصواريخ طائرات الاحتلال الإسرائيلي خلال 10 أيام من بدء عملية "طوفان الأقصى"، وأصيب العشرات بجراح متفاوتة، وفُقد اثنان آخران، ودُمّر نحو 50 مقراً ومركزاً لمؤسسات إعلامية.

ومن بين الصحافيين الذين استشهدوا محمد الصالحي، وهو مصوّر صحافي يعمل لدى وكالة أنباء "السلطة الرابعة"، وإبراهيم لافي، مصوّر "عين ميديا"، الذي استشهد عند معبر ايرز الذي تعرّض للقصف يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري مع بدء عملية "طوفان الأقصى"، ومحمد صبح، مصوّر وكالة "خبر" للأنباء، وسعيد الطويل، رئيس تحرير موقع "الخامسة" الإخبارية، وهشام النواجحة، مصوّر وكالة "خبر"، عندما قصفت طائرات حربية إسرائيلية منطقة تضم العديد من مكاتب وسائل الإعلام في حي الرمال غرب غزة يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر. 

وكانت منازل الصحافيين مرمى لصواريخ الاحتلال التي هدمت كلياً أو جزئياً عدداً منها على رؤوس ساكنيها، ممّا أدى إلى إصابتهم وأفراد عائلتهم، منهم مثلاً الصحافي في فضائية "فلسطين اليوم" محمد بعلوشة الذي استشهد في إثر قصف منزله في شمال غزة. 

وفي السياق نفسه، أصيب العديد من الصحافيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس بنيران الاحتلال الإسرائيلي، وتعرّضت الطواقم للضرب والاعتقال والاحتجاز والمنع من التغطية وإطلاق النار باتجاهها.

مثلاً تعرّض طاقم قناة "القاهرة الإخبارية" في القدس، للاعتداء خلال تغطية الأحداث في القدس، ووجّهت قوات الاحتلال السلاح في وجه أفراد الطاقم وأجبروهم على إخلاء المكان. كما تعرّض فريق "بي بي سي"   في "تل أبيب" للاعتداء والاحتجاز تحت تهديد السلاح. 

استشهاد مصوّر رويترز في لبنان

انضم صحافيو لبنان إلى زملائهم الفلسطينيين وتعرّضوا للاعتداءات الإسرائيلية حيث قصف الجيش الإسرائيلي سيارة تضم صحافيين في بلدة علما الشعب، أثناء تغطيتهم الأحداث التي كانت تجري على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ما أدى إلى استشهاد المصوّر الصحافي التابع لوكالة رويترز، عصام عبد الله، وأصيب 6 صحافيين آخرين.

ومن جهتها قالت "إسرائيل" عبر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "نحن على علم بالحادث الذي وقع مع صحافي رويترز، إننا ننظر في الأمر. لدينا بالفعل لقطات، ونجري استجواباً. إنه أمر مأساوي". 

في المقابل، أدان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الحادث وقال إن استهداف الصحافيين "وصمة عار جديدة" تضاف إلى سجل القوات الإسرائيلية في القتل.

وأوعزت وزارة الخارجية والمغتربين، إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، عن قتل "إسرائيل" المتعمّد للصحافي الشهيد.

وفي تعليقه على الحادث، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الكثير من الصحافيين يدفعون حياتهم ثمناً لإيصال الحقيقة للجميع.

تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الصحافيين

منذ سنوات طويلة يتعرّض الصحافيون في فلسطين المحتلة لاعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيتهم الأحداث التي تجري في المنطقة. فبحسب تقرير صدر عن "مراسلون بلا حدود" عام 2021، فإنه بين عامي 2018 و2022 تعرّض أكثر من 144 صحافياً فلسطينياً وأجنبياً لاعتداءات إسرائيلية، من ضمنها إطلاق النار عليهم، رشقهم بالقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، الضرب بالعصي، السحل، ما سبّب لهم عاهات دائمة كفقدان الأطراف والتشوّهات في الوجه.

ووفقاً لتقرير صدر عن لجنة حماية الصحافيين عام 2023، فإنه منذ عام 2001 قتلت "إسرائيل" ما لا يقلّ عن 20 صحافياً من بينهم 18 صحافياً فلسطينياً، فيما كان الصحافيان الآخران مراسلين صحافيين أوروبيين.

بينما قالت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أوائل العام الحالي، إن "إسرائيل" قتلت 55 صحافياً فلسطينياً منذ عام 2000، وسجّل العام 2022 أكثر من 900 اعتداء إسرائيلي على الصحافيين.

واحتلت "إسرائيل" المرتبة الأولى عالمياً في قتل الصحافيين وانتهاك حقوقهم وملاحقتهم، بحسب دراسة أجرتها منظمة التيارات المضادة countercurrents الأميركية.

كما يقبع في سجون الاحتلال العديد من الصحافيين، من بينهم الصحافي محمود عيسى، الذي كان مديراً لمكتب صحيفة "صوت الحق والحرية" في مدينة القدس المعتقل منذ العام 1993، وإبراهيم أبو صفية الذي حكمت عليه محكمة الاحتلال بالحبس لمدة 24 شهراً.

تحقيقات "إسرائيل" في قتل الصحافيين

بعد استشهاد الصحافي اللبناني عصام عبد الله قبل عدة أيام، قال مندوب "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، إن "إسرائيل" ستفتح تحقيقاً في الواقعة. وهي ليست المرة الأولى التي تعلن "تل أبيب" أنها ستحقّق في مقتل صحافيين، إذ سبق لها أن أعلنت ذلك من دون أن تجري تحقيقاً جدياً أو توجّه اتهامات أو تخضع أحداً للمحاسبة.

بشكل عام، لا تجري "إسرائيل" تحقيقات معمّقة حول الاعتداء على الصحافيين، إلا عندما يكون الصحافي الضحية أجنبياً أو موظفاً لدى مؤسسة إعلامية بارزة، ومع ذلك كانت التحقيقات تجري ببطء من دون اتهام أي أحد، ودائماً ما كانت تتذرّع "إسرائيل" بأن جنودها أطلقوا النار على الصحافيين للمحافظة على سلامتهم أو لأنهم تعرّضوا لهجوم.

وفي هذا الخصوص قال حجاي إلعاد، المدير التنفيذي لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان، إن الجهود الإسرائيلية للنظر في تصرّفات الجنود، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بمقتل صحافيين فلسطينيين، لا تعدو عن كونها "مسرحية تحقيق" بدلاً من إجراء تحقيق جدي.

فمثلاً أثار مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة برصاص الاحتلال أثناء تغطيتها لعملية عسكرية إسرائيلية في جنين بالضفة الغربية المحتلة العام الماضي، غضباً دولياً عارماً، وأعلنت "إسرائيل" أنها ستحقّق في الحادثة. وبعد عدة أشهر، أقرّ الجيش الإسرائيلي بوجود "احتمال كبير" بمسؤولية أحد جنوده عن مقتل أبو عاقلة، والذي كان يستهدف مشتبهاً بهم من المسلحين الفلسطينيين ولم يتعرّف عليها كصحافية. وبالتالي برّأ الجيش الإسرائيلي الجندي الذي أطلق النار على الصحافية الشهيدة من جريمة القتل.

الحماية القانونية للصحافيين

إلى جانب قواعد حقوق الإنسان التي تسري بشكل مقيّد في وقت الحرب، يحمي القانون الدولي الإنساني الذي تطبّق قواعده أثناء النزاعات المسلحة الصحافيين.

فبموجب هذا القانون، يعتبر الصحافيون مدنيين وبالتالي يتعيّن على القوات العسكرية أن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحمايتهم أثناء العمليات العسكرية، وذلك بموجب المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949. كما تعتبر الهجمات العسكرية على محطات التلفزيون أو الراديو المدنية محظورة لأنها منشآت مدنية محمية وليست أهدافاً عسكرية مشروعة، وحتى لو كانت أهدافاً عسكرية يجوز مهاجمتها فيجب مراعاة مبدأ التناسب في الهجوم. 

وبالتالي، فإن الاعتداء على الصحافيين بصفتهم مدنيين، من دون أن يكون لهم أي دور مباشر في الأعمال العدائية، يشكّل جريمة حرب تستوجب المسؤولية الدولية.

ملفات في المحكمة الجنائية الدولية

يوجد أمام المحكمة الجنائية الدولية ملفات تتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومن بينها الجرائم الإسرائيلية بحق الصحافيين الفلسطينيين. مثلاً في العام 2022 رفعت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، والاتحاد الدولي للصحافيين، والمركز الدولي من أجل العدالة للفلسطينيين، شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن الاستهداف الممنهج للصحافيين الفلسطينيين، واستهداف وسائل الإعلام وتفجير برجي الشروق والجوهرة في مدينة غزة في أيار/مايو 2021.

وبعد اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال رفعت السلطة الفلسطينية -عبر وزارة خارجيتها-شكوى لدى النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية. وفي الإطار نفسه، رفعت أيضاً شبكة الجزيرة الإعلامية دعوى في المحكمة الجنائية الدولية ضد "إسرائيل" مؤكدة أن الشهيدة أبو عاقلة قتلت برصاص مباشر من قوات الاحتلال.

وفي العام 2021، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا أنها فتحت تحقيقاً رسمياً في جرائم مفترضة في الأراضي الفلسطينية، والتي تشمل الضفة الغربية، القدس الشرقية، وقطاع غزة خلال حرب صيف 2014 وما بعدها. وفي أواخر العام الماضي، أعلن مدّعي عام المحكمة الحالي كريم خان أنه سيزور فلسطين في العام 2023.

تواجه المحكمة الجنائية الدولية، فيما يتعلق بملفات النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، عقبات تتمثّل برفض "إسرائيل" التعاون مع المحكمة، وإعلانها أنها ستتخذ كل التدابير اللازمة لحماية مواطنيها وجنودها، فضلاً عن الضغوطات التي يمكن أن تتعرّض لها من قبل الدول الحليفة لـ "إسرائيل" لرفض اتهام مسؤولين أو جنود إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. 

ويمكن هنا أن نشير إلى تدخّل الغرب في عمل المحكمة التي أصدرت مذكّرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبناء لذلك وضعت موسكو مدّعي عام المحكمة على قائمة "المطلوبين"، كما أن المدّعي العام لم يزر فلسطين لغاية اليوم بينما زار أوكرانيا.

لم تشفع الخوذ الزرقاء ولا الدروع الواقية المطبوع عليها كلمة صحافة press في حماية الصحافيين من الهجمات الإسرائيلية، بل تعمد سلطات الكيان إلى الاعتداء على الصحافيين لطمس الحقائق، ومع ذلك سيبقى صوت الحق عالياً لفضح جرائم "إسرائيل" التي يندى لها الجبين.

المصدر: الميادين نت