تفجيرات باكستان.. أسباب داخلية أم أيادٍ خارجية؟
تشهد الساحة الباكستانية تصاعداً كبيراً في الهجمات الإرهابية، كان آخرها الانفجار الانتحاري الذي وقع يوم 29 أيلول/سبتمبر الماضي، والذي استهدف تجمعاً دينياً خلال الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف في منطقة ماستونغ في إقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان، وراح ضحيته 60 شخصاً، وأدى إلى إصابة العشرات.
وبعد ساعات قليلة من الانفجار، هزّ انفجار آخر مسجداً خلال صلاة الجمعة في منطقة هانغو في إقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان، وأسفر عن مقتل 5 أشخاص على الأقل وإصابة 12 آخرين.
لم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجومين اللذين وقعا مؤخراً، إلا أن وزير الداخلية الباكستاني المؤقت سارفراز أحمد بوغتي اتهم الهند بالتورط في الهجوم الذي وقع في بلوشستان، إذ قال لوسائل الإعلام في كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان، "إن جناح البحث والتحليل (RAW) التابع لوكالة الاستخبارات الهندية متورط في الهجمات الإرهابية الأخيرة في الإقليم".
تأتي التفجيرات الأخيرة استمراراً لسلسلة الهجمات التي وقعت هذا العام؛ ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، قتل أكثر من 100 شخص في تفجير انتحاري استهدف مسجداً في بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا. وفي شباط/فبراير، استهدف مسلحون مركزاً للشرطة في مدينة كراتشي. وفي تموز/يوليو، أدى هجوم انتحاري استهدف تجمعاً لجمعية علماء الإسلام الباكستانية في باجور التابع لإقليم خيبر إلى مقتل 60 شخصاً على الأقل وجرح 200 آخرين.
تصاعد أعمال العنف
أصبحت أعمال العنف مألوفة في باكستان، ولا سيما في إقليمي بلوشستان وخبير بختونخوا المتاخمين لأفغانستان، اللذين تنشط فيهما الجماعات المسلحة المتطرفة. وتتصدر تنظيمات متطرفة المشهد في باكستان، أبرزها حركة "طالبان باكستان"، والانفصاليون البلوش، وتنظيم "داعش"، و"جهاد باكستان".
شهدت باكستان في شهر آب/أغسطس الماضي أكبر عدد من الهجمات المسلحة منذ العام 2014؛ فوفقاً لتقرير نشره المعهد الباكستاني لدراسات النزاع والأمن، وقع 99 عملاً إرهابياً في جميع أنحاء البلاد تسبب بمقتل 112 شخصاً وإصابة 87 آخرين.
وبحسب التقرير، فإن أعمال العنف زادت بنسبة 83% في شهر آب/أغسطس مقارنة بشهر تموز/يوليو، إذ تم الإبلاغ عن 54 هجوماً. وجاء في التقرير أيضاً أن باكستان شهدت 22 هجوماً انتحارياً في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، قتل فيها 227 شخصاً وجرح 497.
وأضاف التقرير أن بلوشستان شهدت زيادة بنسبة 65% في الهجمات المسلحة من 17 تموز/يوليو إلى 28 آب/أغسطس، فيما شهدت المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقاً زيادة بنسبة 106% في الهجمات من 18 تموز/يوليو إلى 27 آب/أغسطس الماضي.
وبحسب تقرير آخر صدر عن مركز البحوث والدراسات الأمنية المستقل، ومقره إسلام أباد، فإن عدد الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية هذا العام ارتفع بنسبة 19% مقارنة بالعام الماضي، واحتل إقليما بلوشستان وخيبر بختونخوا 92% من إجمالي الوفيات.
تشكو باكستان من تزايد الهجمات المسلحة على أراضيها منذ استلام حركة "طالبان" السلطة في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي في العام 2021؛ فقد قال رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنوار الحق كاكار في تصريحات بثها التلفزيون الحكومي مطلع الشهر الماضي "إن سبب تجدد الإرهاب الذي شهدته بلوشستان وخبير بختونخوا هو الانسحاب العسكري السريع الذي نفذته الولايات المتحدة الأميركية والناتو"، وأرجع كاكار السبب وراء شن الجماعات المسلحة هجمات متكررة وأكثر فتكاً على قوات الأمن في بلاده إلى استخدام هذه الجماعات المسلحة المعدات العسكرية التي خلفتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان.
تصرّ إسلام أباد على أن حركة "طالبان باكستان" تنشط بكثافة في أفغانستان وتنظم هجماتها على باكستان من هناك، وتدعي أيضاً أن مواطنين أفغاناً شاركوا في بعض العمليات العسكرية لحركة "طالبان باكستان" داخل باكستان.
من جانبها، رفضت حركة "طالبان" الأفغانية الاتهامات الباكستانية، مدعية أنها لا تسمح باستخدام أراضيها لتهديد باكستان، وأنكرت أن الأسلحة الأميركية التي استولت عليها أرسلت إلى خارج البلاد.
ويأتي تزايد أعمال العنف في باكستان بعد إلغاء وقف إطلاق النار بين الحكومة الباكستانية وحركة "طالبان باكستان"؛ فبعدما استولت "طالبان" على الحكومة في أفغانستان، حاولت مرات عدة جلب الحكومة الباكستانية التي كان يرأسها عمران خان وحركة "طالبان" باكستان إلى طاولة المفاوضات.
ورغم أن هذه المفاوضات أدت في بداية الأمر إلى اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار لعدة أشهر، فإنَّ الاتفاق انهار في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بعدما اتهمت حركة "طالبان" الباكستانية الجيش الباكستاني بمهاجمة عناصرها، ورفضت الحكومة التي حلّت محل حكومة عمران خان الاستجابة لمطالب حركة "طالبان باكستان".
من جهة أخرى، تنشط في إقليم بلوشستان مجموعات انفصالية تطالب بالاستقلال عن باكستان، إذ ترى هذه الجماعات أن السلطات تستغل موارد الإقليم الطبيعية من دون أن يحصل السكان المحليون على حصة عادلة من هذه الموارد. لذلك، تستهدف هذه المجموعات الانفصالية قوات الأمن والمدنيين.
ويعارض انفصاليو البلوش الاستثمارات الصينية في بلوشستان، حيث تستثمر بكين في ميناء غوادر الذي يدخل ضمن مشروع الممر الاقتصادي المشترك بين الصين وباكستان، وهو برنامج لمشاريع البنية التحتية بقيمة 62 مليار دولار، يهدف إلى ربط إقليم شينجيانغ الصينية ببحر العرب عبر باكستان.
لذلك، كان الصينيون في مرمى الهجمات التي قام بها انفصاليو البلوش. مثلاً، شنت مجموعة جيش تحرير بلوشستان الشهر الماضي هجوماً على قافلة تنقل مهندسين صينيين إلى ميناء غوادر. وفي نيسان/أبريل 2022، تبنت المجموعة نفسها هجوماً انتحارياً نفذته امرأة استهدف مركبة تقل كادراً تعليمياً صينياً في جامعة كراتشي جنوبي البلاد.
دعم خارجي
بالنظر إلى الأوضاع الداخلية لباكستان وموقعها القريب من أفغانستان والصين، فضلاً عن التغيرات التي تشهدها الساحة العالمية والتنافس الصيني الأميركي، لا يمكن فصل تزايد أعمال العنف في باكستان عن الدعم الخارجي الذي تتلقاه الجماعات المسلحة في البلاد.
دائماً ما يتهم المسؤولون الباكستانيون الهند بأنها ترعى جماعات تستخدم العنف في باكستان، وهي مزاعم تنفيها نيودلهي التي تتهم إسلام أباد بدعم المسلحين الذي يشنون هجمات في الهند، ويقاتلون في الجزء الذي تسيطر عليه من إقليم كشمير المتنازع عليه، وهو ادعاء تنفيه باكستان؛ فقد اتهم وزير الداخلية الباكستاني السابق رانا ثناء الله خان الهند بكونها وراء تفجير حصل عام 2021 قرب منزل حافظ سعيد؛ مؤسس جماعة إسلامية مسلحة متهمة بتدبير هجوم وقع في مومباي عام 2008.
وتدعي باكستان أن جماعات التمرد البلوش تتلقى دعماً خارجياً من الهند والولايات المتحدة الأميركية من أجل إثارة عدم الاستقرار في المنطقة ومحاربة المشاريع الصينية وتوتير العلاقة بين إسلام أباد وبكين.
تعارض نيودلهي منذ فترة طويلة إنشاء الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، لأنه يمر عبر الجزء الخاضع لإدارة باكستان في كشمير، والذي تعتبره نيودلهي جزءاً من أراضيها المحتلة "بشكل غير قانوني" من قبل إسلام أباد. وترغب الهند في إفشال الممر ومنافسة الصين إقليمياً، وهذا ما يفسر رغبتها في الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني لينافس ميناء غوادر وتحمسها للممر الاقتصادي الهندي الأوروبي الذي أعلن عنه مؤخراً في قمة العشرين.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فبسبب تنافسها مع الصين، تريد إفشال مشروع "الحزام الطريق" وإبعاد باكستان عن الصين. وربما بدأت واشنطن تنخرط أكثر في إسلام أباد بعد تدخلها بإبعاد رئيس الوزراء السابق عمران خان عن السلطة، بحسب تقرير لموقع "الانترسبت" الأميركي، وزيارة السفير الأميركي لدى باكستان دونالد بلوم ميناء غوادر قبل عدة أسابيع.
يشكل تزايد أعمال العنف في باكستان تحدياً للسلطة الباكستانية في الوقت الذي تمر البلاد بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية على الإطلاق، وبحالة طوارئ مناخية وعدم استقرار سياسي، إذ تدير البلاد حكومة انتقالية عاجزة، ويقبع زعيمها الأكثر شعبية عمران خان خلف القضبان، ويتم تأجيل الانتخابات باستمرار، فضلاً عن غياب سياسة شاملة لمكافحة الإرهاب وتدخلات خارجية متزايدة في سياسة باكستان.