من حرب أكتوبر إلى عشرية النار.. كيف حاولت"إسرائيل" تحييد سوريا عن دائرة الصراع؟
"ليس أشق عل نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973، سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي.. وسيظل معي باقياً على الدوام".
بهذه الكلمات اعترفت غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، في كتابها الذي حمل اسم "حياتي"، بالنتائج القاسية التي أسفر عنها انتصار الجبهة العربية في حرب تشرين التحريرية عام 1973.
وقالت مائير إن الصدمة التي تلقتها "إسرائيل" لم تقتصر فقط، في كونها جاءت بلا إنذارات، بل في كونها حرباً على جبهتين في وقتٍ واحد، والقتال مع "أعداء" يعدون أنفسهم للهجوم على إسرائيل منذ سنين".
وأشارت مائير في كتابها إلى أن الاستعدادات على الجبهتين كانت مفاجئة، قائلةٍ إن الجبهة السورية تطلبت من المطبخ السياسي لدى "إسرائيل" الإعداد لخطة التعبئة العامة، والحشد للتصدي، للجنود والآليات، والجاهزية الصاروخية والطيران لدى سوريا.
"صفعة لإسرائيل"
لم تكن مائير وحدها من نقل الرعب الإسرائيلي آنذاك، حيث نقلت وكالة "فرانس برس" عن الضابط الإسرائيلي المتقاعد أفيغدور كهلاني، الذي تعدّه "إسرائيل" أحد أبطالها على الجبهة السورية، أن حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 شكّلت "صفعة لإسرائيل"، مستدركاً: "فجأة أدركنا أنها حرب شاملة".
وبيّن كهلاني أن سوريا كانت متفوقة على "إسرائيل" في المعركة، مستذكراً أنّ مرتفعات الجولان سقطت في أيدي السوريين خلال 24 ساعة، ونسبة القوات السورية كانت أكبر من كتلتها الإسرائيلية، مضيفاً: "كانت دباباتهم أفضل من دباباتنا".
وبسبب خسارات "إسرائيل" السريعة في حرب أكتوبر، شُكّلت لجنة للتحقيق في جاهزيتها العسكرية، ورد فعلها على اندلاع الحرب، وكانت نتيجتها استقالة رئيس أركان الجيش دافيد إليغازر، ورئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا، في العام 1974، لتستقيل غولدا مئير بدورها من رئاسة الوزراء في العام ذاته.
ويرى كهلاني أن حرب أكتوبر، مثلّت تحذيراً لإسرائيل، من أن سوريا تشكل خطراً وجودياً على المستقبل الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
تحييد سوريا عن دائرة الصراع
المحلل السياسي والعسكري كمال الجفا قال، للميادين نت، إن "إسرائيل" حاولت تحييد سوريا عن دائرة الصراع منذ حرب الاستنزاف، التي سبقت حرب أكتوبر في تموز/يوليو من العام 1967، ويتمثل ذلك بما قام به وزير الخارجية الأميركي آنذاك وليم روجرز، حين ركز في خططه على مصر، ليعقد معها تسويات تقتضي انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية.
وتابع الجفا أنّه تم طرح تسوية بين مصر والأردن من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، واستبعدت منها سوريا، لأن الولايات المتحدة و"إسرائيل" ليستا في وارد تقديم أي تنازل أو تسوية مع سوريا، "من المؤكد أنها ستكون مرفوضة".
كما أشار إلى أنّه خلال فترة حرب أكتوبر، استبعدت سوريا من كل الخطط، و"إسرائيل" ركزت على فصل المسارات وتأمين الانسحاب وتسوية مع مصر والأردن، لتتفرغ لمحاربة سوريا عسكرياً.
وهنا استعدت سوريا، لأن تكون في عين العاصفة، وتوقعت أنّ الإسرائيلي لن يكتفي عند حدود الجولان. وعليه، بدأت بالإعداد لتعزيز قواتها، وذاك التعزيز هو ما فاجأ "إسرائيل" بعد انطلاق الشرارة الأولى للحرب.
بعد أكتوبر.. سوريا هاجس "إسرائيل" الأكبر
الخبير السياسي والعسكري محمد عباس، قال للميادين نت، إن حرب أكتوبر أثبتت أنّ "إسرائيل" كيان هش غير قادر على مواجهة جبهتين في آن معاً، وبات من الواضح أنها استفاقت على "الخطر السوري الذي يهدد وجودها ومستقبلها في المنطقة".
كما تابع أن "إسرائيل" سعت في مرحلة ما بعد حرب أكتوبر، حتى عشرية النار، والحرب الأخيرة على سوريا، دوماً إلى استغلال كل الفرص للنيل من الدور السوري في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، وذلك باستذكار افتعال أزمات في المنطقة، مثل العدوان على لبنان عام 1975 الذي كان تخطيطاً إسرائيلياً لإشغال سوريا بخاصرتها.
ولتنعكس زعزعة الاستقرار في لبنان على سوريا، محاولين جعلها أداة للدخول إليها عبر البوابة اللبنانية، بما يجعل سوريا ضمن فكي كماشة، وفق عباس.
كذلك، استذكر أيضاً حرب 1982، التي فشلت "إسرائيل" خلالها من هزيمة سوريا وتغيير موقفها الجيو سياسي، حيث بقيت متمسكة بمواقفها الوطنية، وحقوقها دون التنازل عن الجولان، رغم مفاوضات السلام التي جرت بين عامي 1999 و2000.
وأشار عباس إلى أن "إسرائيل" والولايات المتحدة التي تقف خلفها، باتت ترى أنه من الضروري في ظل الانتصارات السورية المتلاحقة، إخراج هذا التهديد المحدق من دائرة الصراع، وتغيير الأدوات لتحقيق ذلك.
وتابع عباس أنه في هذا الوقت خرج الأميركيون بنظرية تدمير المجتمعات من الداخل، لتفكيك المنطقة، ثم صدرت وثيقة دعا فيها قادة البيت الأبيض الأميركي نتنياهو إلى فرض السيطرة على المنطقة، بنصيحة مفادها أنّ على "إسرائيل تدمير الجيوش العربية السوري والعراقي والمصري، وخنق سوريا من حدودها وتمزيقها من الداخل".
ولفت عباس إلى ما جاء في كتاب أميركي حمل اسم "الاختيار" صدر عام 2004، متحدثاً عن أن المنطقة التي تقع فيها سوريا هي منطقة غنية بالثروات، وأن على أميركا إعادة إنتاجها من جديد، بالتقسيم وفق الهويات، والمصالح الأميركية بما يخدم "إسرائيل"، من خلال نظرية "دعوا أعداءنا يقتلون أعداءنا".
وكي يتحقق هذا الغرض، كان على "إسرائيل" ومن خلفها أميركا، السعي في طريق حروب الجيل الرابع التي تعمل على تدمير المجتمعات من الداخل.
وقال عباس إنّه من حرب أكتوبر، حتى عشرية النار، كان الاستيلاء على سوريا هدف استراتيجي لكل من أميركا و"إسرائيل"، للضغط على محور المقاومة ومنعه من التواصل الجغرافي مع العراق وإيران.
وأيضاً، لجعل "إسرائيل" مطمئنة على أنها لن تجد "دولة تمانع السلام وتتمسك بالحق الفلسطيني بالعودة"، وبالتالي بالسيطرة على قلب المتوسط، وعقدة شبكات الطاقة.
واختتم عباس بالقول إنّ "من يخوض الحرب اليوم في سوريا، هم أبناء وأحفاد من خاض حرب تشرين وانتصر في السابق، ويواجهون نفس القوى".
"إسرائيل" تخشى عودة سوريا إلى ما قبل 2011
بدوره، قال العميد تركي الحسن، والذي كان واحداً من الضباط المشاركين في حرب أكتوبر، إن سوريا أثبتت قوتها، وقوة سلاحها البري والجوي خلال الحرب، عبر الهزائم الساحقة التي ألحقتها بالعدو الإسرائيلي آنذاك، حتى أنها أجبرت "إسرائيل" على الاستعانة بالولايات المتحدة للضغط على سوريا، بعدما رأت أن الجبهات غير متكافئة في ساحة الحرب.
واعتبر حسن أن الحرب السورية اليوم، والاستهداف الذي يطال سوريا منذ العام 2011، جاء بعد حصيلة تاريخية من الانتصارات السابقة، على الأطراف التي تعمل جاهدة لفرض الهيمنة الأميركية والإسرائيلية على دول المتوسط، والسيطرة على مواردها.
ولفت إلى أنّ "إسرائيل" تخشى قوة سوريا، وعودتها إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، لأنها تعلم أن بوصلتها ثابتة وتتجه نحو الأراضي المحتلة، لذا تقوم مع شريكتها الولايات المتحدة اليوم، بالعمل على إطالة أمد الحرب في سوريا.
لعل حرب أكتوبر شكلت منعطفاً تاريخياً كبيراً في موازين القوى عربياً، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط، وكانت ميداناً ظهرت من خلاله القوة السورية، وصلابة قواتها المسلحة وتنظيمها عسكرياً، مما أتاح هزيمة "إسرائيل" في ذلك الوقت.
لكن ذلك لم يتوقف في فترة السبعينيات المنصرمة، بل استمرت سوريا، في لعب دور رئيسي مقاوم للاحتلال، حيث تمت مقارعة "إسرائيل" ومشاريعها في المنطقة، وتصدّت دمشق لأذرع الأعداء في الداخل السوري خلال الحرب الأخيرة عليها، كما تتصدى للاحتلالين التركي والأميركي في مناطق من شمالها وشرقها.