"فورين بوليسي" عن محاولات واشنطن كبح بكين: أغلقت باب الحظيرة بعد خروج الحصان
أكّدت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أنّ الولايات المتحدة "لا تستطيع إيقاف صعود الصين"، مشددةً على أنّ واشنطن عليها أن "تتوقف عن المحاولة".
واعتبرت المجلة أنّ الإدارة الأميركية اتخذت العديد من الإجراءات ضدّ الصين، "من دون أن تأخذ قدرةَ الصين على الانتقام في الاعتبار"، ما يشير إلى أنّ واشنطن لا تتّبع نهجاً مدروساً وشاملاً في تعاملها مع بكين.
وأشارت المجلة إلى التعريفات التجارية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على الصين عام 2018، وهو إجراء انتقده خلفه جو بايدن العام اللاحق، معتبراً أنّ ترامب، "في حين قد يعتقد أنّه صارم مع الصين، تسبّب بخسارة لدى المزارعين والمصنّعين والمستهلكين الأميركيين، وبدفع المزيد من الأموال".
إلا أنّ بايدن، على الرغم من انتقاده خطوة ترامب، حاول زيادة الضغط على الصين، من خلال حظر تصدير الرقائق ومعدّات أشباه الموصلات، وفقاً للمجلة. بالإضافة إلى ذلك، أقنعت إدارة بايدن حلفائها، مثل هولندا واليابان، بأن يحذوا حذوَها.
ومؤخراً، في الـ9 من آب/أغسطس الماضي، أمرت إدارة بايدن بحظر الاستثمارات الأميركية في الصين، بما يشمل "التكنولوجيا الحساسة والمنتجات المتعلقة بقطاعات أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة والذكاء الاصطناعي، التي تمثّل تهديداً حاداً بشكل خاص للأمن القومي بسبب قدرتها على تحقيق تقدم كبير في القدرات العسكرية والاستخبارية للصين".
اقرأ أيضاً: "تلغراف": واشنطن تمنع بيع الرقائق للشرق الأوسط خوفاً من وصولها إلى الصين
وبحسب "فورين بوليسي"، تؤكد هذه الإجراءات أنّ الحكومة الأميركية تحاول وقف نمو الصين. وفي غضون ذلك، يبقى "السؤال الكبير" هو ما إذا كانت واشنطن قادرةً على النجاح في ذلك، وتجيب المجلة: "ربما لا".
وشبّهت المجلة الأميركية قرار واشنطن "إبطاء تطور بكين التكنولوجي" بالحماقة، "التي كشفت عنها الكليشيه القديمة": "إغلاق باب الحظيرة بعد خروج الحصان"، إذ أظهرت الصين الحديثة عدة مرات عدم إمكان وقف تطورها التكنولوجي.
وعبر التاريخ، فشلت جهود تقليص الصعود التكنولوجي للصين. وفي السياق الحالي، تخلق هذه الجهود ضرراً لا يمكن إصلاحه للشراكات الجيوسياسية الأميركية طويلة الأمد، بحسب "فورين بوليسي".
ووفقاً لها، بُذل الكثير من الجهود الهادفة إلى إيقاف تقدُّم الصين في عددٍ من المجالات، منذ إنشاء الجمهورية الشعبية الصينية في عام 1949، ويشمل ذلك مجالات الأسلحة النووية، الفضاء، الاتصال عبر الأقمار الصناعية، نظام تحديد المواقع، أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
مثلاً، حاولت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، تقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية، في عام 1993. واليوم، باتت الصين تمتلك نحو 540 قمراً صناعياً في الفضاء، وهي تطلق منافساً لشركة "Starlink".
الإجراءات الأميركية ضد الصين مضرّة بواشنطن نفسها
"فورين بوليسي" لفتت إلى أنّ الصين تهيمن على معالجة المواد الضرورية لمعظم التطلعات التكنولوجية الحالية والمستقبلية للولايات المتحدة، مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والنحاس، التي تُعدُّ بالغة الأهمية في صناعة السيارات الكهربائية سريعة التطور على مستوى العالم.
وأوردت المجلة أنّ التدابير الأميركية التي تهدف إلى حرمان الصين من الوصول إلى الرقائق الأكثر تقدُّماً يمكن أن يضرّ بالشركات الأميركية الكبيرة، المتخصصة في صناعة الرقائق، أكثر مما تضرّ بالصين، المستهلك الأكبر لأشباه الموصلات في العالم، والمشتري لنحو 25% من مبيعات شركة "ميكرون " الأميركية.
وبحسب المجلة، تدرك شركات أشباه الموصلات الأميركية ذلك "متألِّمةً"، ففي 17 تموز/يوليو الماضي، أصدرت جمعية صناعة أشباه الموصلات الأميركية بياناً قالت فيه إنّ الخطوات المتكررة التي اتخذتها واشنطن ضد بكين "تهدّد بتقليل القدرة التنافسية لصناعة أشباه الموصلات الأميركية".
كما تسبّب هذه الإجراءات تعطيل سلاسل التوريد، وحالةً من عدم اليقين الكبير في السوق، بالإضافة إلى تحفيز استمرار الانتقام المتصاعد من قبل الصين، وذلك بحسب البيان الذي دعا إدارة بايدن إلى عدم فرض المزيد من القيود، من دون مشاركة واسعة النطاق مع ممثلي وخبراء صناعة أشباه الموصلات.
ووفقاً لـ"فورين بوليسي"، يستحيل أن يدعم قانون الرقائق صناعة أشباه الموصلات الأميركية إلى أجل غير مسمى، في حين لا توجد قاعدة طلب عالمية أخرى تحلّ محلّ الصين.
اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": لا عدد كافٍ من العمال لصناعة أشباه الموصلات في أميركا
وأكدت المجلة الأميركية أنّ الدول الأخرى المنتجة للرقائق ستبيعها للصين (كما فعلت تاريخياً)، ما يجعل الإجراءات الأميركية "بلا جدوى".
واعتبرت المجلة أنّ الولايات المتحدة، من خلال حظرها تصدير الرقائق والمدخلات الأساسية الأخرى إلى الصين، سلّمت خطّتَها الحربية قبل سنوات من المعركة. في غضون ذلك، يتم دفع الصين نحو بناء الاكتفاء الذاتي في وقت أبكر بكثير مما كانت ستحقّقه لَولا ذلك.
السياسات الحمائية الأميركية القصيرة النظر "أيقظت العملاق النائم"، وفقاً لـ"فورين بوليسي". والآن تواجه واشنطن التهديد المتمثّل في خسارة الإيرادات المهمة، وحتمية بناء الصين نظاماً كاملاً خاصاً بها لأشباه الموصلات على المدى الطويل.
وأضافت المجلة أنّ كثراً من صنّاع السياسىة الأميركيين يعتقدون أنّ سياسة بلادهم في التعامل مع الصين، التي استمرت 5 عقود من الزمن، قد فشلت.
وأشارت المجلة إلى ما ذكرته في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، ومفاده أنّ "بعد مرور نحو نصف قرن منذ الخطوات الأولى للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون نحو التقارب، أصبح واضحاً أنّ واشنطن وضعت، مرةً أخرى، قدراً كبيراً من الثقة في قدرتها على تشكيل مسار الصين. وبدلاً من ذلك، اتبعت الصين مسارها الخاص، متناقضةً مع التوقعات الأميركية في هذه العملية".