بعد زلزال المغرب وفيضانات ليبيا .. أرقام مرعبة لخسائر البلدين الاقتصادية
يومان فقط كانا الفصل بين كارثتين طبيعيّتين هزّتا العالم العربي خلال الأيام الماضية، إذ لم يكد المغرب يستوعب صدمة الزلزال المروّع الذي ضرب أراضيه في الـ8 من الشهر الحالي، حتى فُجعت ليبيا بإعصار تسبّب بفيضانات تُعدّ الأسوأ في القرن الـ21.
إضافةً إلى ما تسبّبت فيه الكارثتين من آلاف الوفيات والإصابات، سيتكبّد البلدان كلفةً باهظةً على صعيد الخسائر المادية، بحسب ما تشير تقديرات أولية. فالزلزال والفيضانات تسببا بتدمير عشرات المدن المغربية والليبية، تاركين بذلك ملايين الأشخاص بلا مأوى ولا عمل.
ما حلّ في المغرب وليبيا أعاد تشكيل جغرافية المكان والسكان، ليصبح اقتصاد البلدين تحت ضغوط ما بعد الكارثة. بعد انجلاء غبار الكارثة.. ما هي أبرز الخسائر الاقتصادية التي ستتكبّدها الدولتين؟
المغرب.. تقديرات بخسائر اقتصادية حادة
في حين لا تزال السلطات المغربية تحصي الخسائر البشرية والمادية والتراثية، فإنّها لم تحصر بعد لائحة الخسائر والأضرار المادية والتجهيزات المتضررة، التي سيكون أثرها بالغاً في توازنات النمو الاقتصادي العام، وأرقام الناتج الإجمالي للبلاد.
وتقول السلطات المغربية ومعها خبراء اقتصاديون، إنه ما زال من المبكر تقدير تأثير الزلزال على الاقتصاد الوطني وإحصاء الخسائر الناجمة عنه بشكلٍ دقيق.
ولكن كما هو الحال مع أي كارثة طبيعية واسعة النطاق، فمن المرجح أن يكون للزلزال تأثير سلبي مباشر قصير المدى على الاقتصاد المغربي، مما يؤثر على البنية التحتية وكذلك القدرة الشرائية لسكان المغرب.
وبحسب ما ذكر موقع "Crisis 24"، ستكون هناك تداعيات غير مباشرة للزلزال على النشاط التجاري في المنطقة على المدى القصير والمتوسط، مع انتشار الضرر الاقتصادي عبر شبكات التجارة وسلاسل التوريد.
وسيعتمد مدى التأثير الاقتصادي للزلزال على قدرة المغرب على إعادة تخصيص الموارد من أجل إعادة الإعمار، وفق الموقع.
ولا شكّ أنّ الزلزال ألقى مزيداً من الضغوط على الاقتصاد المغربي الذي يعاني من ضغوط تضخمية وتباطؤٍ في النمو. وبحسب بيان من الديوان الملكي المغربي، الخميس الفائت، فإنّ نحو 50 ألف مسكن انهار كلياً أو جزئياً في الأقاليم الخمسة المتضررة من الزلزال، الذي يُعدّ الأكثر فداحة من حيث عدد الوفيات في الدولة الواقعة في شمالي أفريقيا منذ عام 1960، والأقوى منذ أكثر من قرن.
وصنّف معهد المسح الجيولوجي الأميركي "USGS"، المختص في رصد تأثيرات الزلازل والهزات الأرضية في جميع أنحاء العالم، الوفيات والخسائر الاقتصادية المتوقعة لهذا الزلزال المدمر ضمن "الإنذار الأحمر"، ما يشير إلى احتمالية وقوع خسائر اقتصادية كبيرة وأضرار جسيمة واسعة النطاق.
وقد تكلّف أضرار الزلزال المغربَ فاتورةً اقتصاديةً باهظة الثمن، تتراوح قيمتها بين مليار و9 مليارات يورو، بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي سجّلته الرباط العام الماضي، وذلك وفقاً لبيانات كشف عنها المعهد الأميركي.
وكان الناتج المحلي الإجمالي المغربي قد بلغ 134.18 مليار دولار في عام 2022، ما يعني أنّ الخسارة التي سيخلّفها الزلزال ستمثّل نحو 10.7 مليارات دولار، وفق معطيات البنك الدولي.
والخسائر الاقتصادية التي سيتكبّدها المغرب أعلى من تلك التي أسفر عنها زلزال تركيا، الذي وقع في شباط/فراير الماضي، متسبّباً في وفاة أكثر من 50 ألف شخص. وقد تسبّبت الكارثة في تركيا بأضرار بلغت قيمتها 34.2 مليار دولار، بما يعادل 4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لأنقرة عام 2021، وفق تقديرات البنك الدولي.
خسائر فادحة في ليبيا
تستمر عمليات الإغاثة في ليبيا بعد مرور أسبوع على الفيضانات المدمرة التي اجتاحت مناطق الشرق، وتزداد معها حصيلة الخسائر المادية. وتسبب الإعصار دانيال الذي ضرب البلاد، بوفاة وفقدان عشرات الآلاف، في مأساة هي الأكبر من نوعها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إذ جرفت السيول المباني، لا سيّما في مدينة درنة المنكوبة، نتيجة انهيار سدّين فيها.
وقُتل أو فقد 8% من سكان مدينة درنة، من جراء الفيضانات، وكذلك مُسحت ربع أحيائها من الخريطة. وهو معدّل غير مسبوق لا عربياً، ولا حتّى عالمياً، وفق وكالات، ولذا اعتُبرت هذه الفيضانات هي "الأسوء في القرن الـ21".
وأدّت العاصفة إلى محو قرًى بشكلٍ كامل، مثل قرية الوردية الواقعة بين سوسة وبنغازي، إذ تقع على المنحدر الغربي للجبل الأخضر. ولأنها قرية صغيرة لا يتجاوز عدد ساكنيها ألف شخص، فقد استطاعت السيول الجارفة تدمير كل البيوت والمزارع فيها.
نتيجةً لذلك، أقرّ البرلمان الليبي ميزانية طوارئ بقيمة تعادل 2 مليار دولار للمناطق المنكوبة، كما خصصت السلطات الليبية مبلغ 446 مليون دولار، لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، لتفرض هذه الكارثة مزيداً من التحديات الجديدة أمام اقتصاد البلاد المثقل بالضغوطات.
ولم تُرسم بعد صورة كاملة للآثار البشرية والهندسية للفيضانات، لذلك فإنّ تقديرات تكلفة الكارثة، بما في ذلك أثرها على الدخل القومي ومتطلبات إعادة البناء وخسارة الأيدي العاملة، لم تعرف بصورة قاطعة بعد. ويرى محلّلون بأنّ الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن حصر الأضرار، نظراً إلى الدمار الكبير الذي وقع، لكن هناك توقعات بأن تكون الخسائر ضخمة وبمليارات الدولارات.
ويقدّر خبراء أنّ احتياجات المدن والمناطق المتضرّرة قد تتجاوز 7 مليارات دولار، لا سيما وأنّ البنية التحتية تدهورت في جميع أنحاء ليبيا، وسط الشلل السياسي الذي شهدته البلاد العقد الماضي.
وكبّدت الفيضانات البلاد كثيراً من الأضرار في البنية التحتية، وتسببت في توقف مظاهر النشاط الاقتصادي اليومي مع إعلان السلطات حالة الطوارئ القصوى وإغلاق المدارس والمتاجر وفرض حظر تجوال.
وبحسب خبراء، كان لقطاع البناء والبنية التحتية الحصة الأكبر من حيث التضرر من المأساة، على وقع انهيار آلاف المنازل والمنشآت، وتدمير جسور وطرقات عديدة. ثم تلا ذلك القطاع الزراعي والثروة الحيوانية من خلال تجريف مساحات شاسعة من الأراضي، ما تسبب في القضاء على نسبة ضخمة من المحصول الزراعي، ونفوق آلاف الرؤوس من الأغنام والمواشي.
إلا أنّ الأمر لم يقتصر عند هذا الحدّ، إذ كان أيضاً لممتلكات المواطنين من سيارات ومحلّات تجارية وغيرها نصيبٌ كبير من الكارثة، بالإضافة إلى خسارة عشرات الأسواق المركزية وسط البلاد.