حصار لينينغراد..كيف انتصرت إرادة الحياة على حرب الإبادة؟

حصار لينينغراد أحد أحلك فصول الحرب العالمية الثانية، بعدما حاصرت القوات الألمانية والفنلندية التابعة للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، مدينة لينينغراد في الاتحاد السوفيتي، تعرف كيف تخلص أهالي لينينغراد من الحصار الذي استمر أكثر من 800 يوم.
  • حصار لينينغراد في الفترة ما بين 8 أيلول/سبتمبر 1941 إلى  27 كانون الثاني/يناير 1944

يُعد حصار لينينغراد أحد أحلك فصول الحرب العالمية الثانية، إذ حاصرت القوات الألمانية والفنلندية التابعة للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، مدينة لينينغراد  في الاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى خسائر في الأرواح قُدّرت بـ 1.2 مليون شخص (منهم 140 ألف طفل)، خلال نحو 842 يوماً.

وقامت القوات الألمانية بحصار مدينة لينينغراد (مدينة سانت بطرسبرغ في الوقت الحالي) خلال الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين 8 أيلول/سبتمبر 1941 إلى  27 كانون الثاني/يناير 1944، بهدف كسر مقاومة المدينة والاستيلاء عليها.

  • صورة لجثث عدد من الضحايا في شوارع مدينة لينينغراد

وكانت مدينة لينينغراد هي الهدف الأيديولوجي للعملية "بارباروسا" وكذلك هي مهد الثورة الشيوعية. وقد خطط أدولف هتلر للاستيلاء على المدينة وجعلها عاصمة لشرق أوروبا المحتلة.

وتحدث المؤرخون كثيراً عن خطط هجوم القوات الألمانية والفنلندية، وإمكانيات الدفاع عن المدينة، وكذلك عن حال سكان المدينة.

وحدّد الزعيم الألماني النازي هتلر مهمة القوات الألمانية المحاصرة، وفقاً لجمعية تاريخ روسيا، في تدمير المدينة بقدر المستطاع من خلال القصف المدفعي والجوي، ودخولها في الربيع المقبل وترحيل من يبقون على قيد الحياة من سكانها إلى الأقاليم الروسية النائية أو احتجازهم كأسرى، ومحو المدينة من على وجه الأرض.

وقد استمر الحصار الألماني على مدينة لينينغراد، التي سميت كذلك نسبة لفلاديمير لينين مؤسس الاتحاد السوفيتي، حوالي 16 شهراً عانى أثناءها المدنيون من ويلات الجوع وضربات المدافع والطائرات الألمانية.

حرب الإبادة

في البداية، خططت القوات النازية لهدم المدينة بالكامل. وجاءت نفس التصريحات من قيادة فنلندا (حليف وشريك ألمانيا في العمليات العسكرية).

وقال المؤرخ نيكيتا لوماغين، الأستاذ في الجامعة الأوروبية في مدينة سان بطرسبرغ، إنّ "القيادة النازية حددت بوضوح نواياها فيما يتعلق بلينينغراد، وكان الهدف تشديد الحصار إلى أقصى حد وقطع الموارد عن المدينة، على أمل أن تستسلم المدينة بسرعة لعدم توفير الموارد اللازمة لملايين الأشخاص".

ولاحظ مؤلف كتاب "معركة لينينغراد. الدفاع المجهول" المؤرخ فياتشيسلاف: أن جنرلات فيرماخت تشاركوا فكرة الإبادة الجماعية ولم تكن هناك أي آثار للإنسانية في صفوف جيش "الشمال".

من جانب آخر، حاول المؤرخون الألمان في دراساتهم بعد الحرب إيجاد عذر لمثل هذه التكتيكات، وقال لوماغين: "لفترة طويلة، رأى علم تأريخ ألمانيا الغربية، أن لينينغراد كانت مدينة محصنة، وبما أنها كانت مدينة محصنة، فقد كان من الممكن التعامل معها كهدف عسكري، وبالتالي يمكن استخدام الجوع كوسيلة للحرب، وأضاف لوماغين، إن هذا الأمر لا يحظره القانون الإنساني الدولي. لكن في وقت لاحق، أدرك مؤرخو جمهورية ألمانيا الفيدرالية، أن الحصار المفروض على لينينغراد كان في الواقع إبادة جماعية، أي حرب لتدمير كل من كانوا في هذه المدينة.

نقص الغذاء: العدو اللدود خلال الحصار

بدأ الحصار عندما قطعت القوات الألمانية الطريق إلى لينينغراد من الجنوب والغرب. وحاصرت القوات الألمانية المدينة من البر والبحر، ومنعت كل الإمدادات عن المدينة.

وعانى سكان لينينغراد بشدة خلال الحصار. فقدوا الإمدادات الغذائية والمياه والكهرباء والرعاية الطبية. وقتل ما يزيد عن مليون شخص في المدينة بسبب الجوع والمرض.

  • عانى سكان مدينة لينينغراد من ظروف حصار قاسية

وأصبح خطر المجاعة العدو اللدود للمدينة المحاصرة. وأظهرت دراسات أن القذائف والقنابل التي أمطر بها الغزاة المدينة المحاصرة قتلت 3% من ضحايا الحصار، بينما ذهب معظمهم ضحية نقص الغذاء.

وطيلة فترة الحصار، حاول الجيش الأحمر السوفيتي في أكثر من مناسبة خلق ثغرة نحو لينينغراد، المعزولة، أملاً في نقل جانب من المواد الغذائية إليها.

وأعلن رئيس مجلس النواب الروسي، فياتشيسلاف فولودين، أنّ نحو مليون شخص من سكان لينينغراد ذهبوا ضحية الحصار، مشيراً إلى أن معظمهم توفوا بسبب نقص الغذاء.

فك الحصار

على الرغم من الحصار، قاوم سكان لينينغراد بشجاعة. وواصلوا الإنتاج في المصانع والمؤسسات الحكومية. وقاموا بأعمال شاقة لتحسين الدفاعات الخارجية للمدينة.

واستمرت المدينة رغم الظروف القاسية في إنتاج ما يحتاجه المدافعون عنها وباقي روسيا بينما بذلت الحكومة المركزية ما بوسعها لمساعدة لينينغراد المحاصَرة وإنقاذ سكانها من المجاعة بإيصال إمدادات الغذاء عبر بحيرة لادوغا وبطريق الجو.
 
ومن أجل إمداد المدينة المحاصَرة بالمحروقات والكهرباء تم إنشاء خط أنابيب وخط كبلات في قاع بحيرة لادوغا في صيف وخريف 1942.
 
وفي تلك الأثناء، تمكنت قوات الجيش الأحمر بقيادة غيورغي كونستانتينوفيتش جوكوف من إيقاف الغزاة المعتدين على مشارف مدينة لينينغراد، ثاني أكبر مدينة روسية، ولم تسمح لهم بدخول المدينة المحاصرة.

  • قائد الجيش الأحمر السوفيتي جوكوف واحد من أبرز صنّاع النصر في فك حصار لينينغراد

وواصلت قوات الجيش الأحمر محاولاتها خرق الحصار المفروض على لينينغراد، وتمكنت من خلق ممر بري، بلغ طوله 33 كلم وعرضه 11 كلم، نحو لينينغراد المحاصرة. وباشر السوفييت بتشييد ما عرف بسكة النصر الحديدية بهذا الممر الذي سيطروا عليه.

وفيما بعد تمكنت من فك الحصار جزئياً في كانون الثاني / يناير 1943 لتبدأ قطارات محمّلة بالغذاء تصل إلى المدينة منذ شباط/فبراير 1943. وفي عام 1944 تم فك الحصار كلياً. وتلاشت خطة ألمانيا لإخراج لينينغراد من حيز الوجود.

وأصبحت مدينة لينينغراد على نهر النيفا مثالاً للبطولة بأبنائها من مختلف القوميات والاثنيات والأديان، فهي لم تستسلم ولم تفاوض ولم تطبع.

المصدر: الميادين نت