تحويلات المصريين في الخارج .. تراجع مستمرّ مع تزايد نشاط "السوق السوداء"

نقص الدولار من البنوك خلق سوقاً موازية ازداد نشاطها، وهي تهدّد توافر العملة الصعبة داخل البلاد، مع وجود أشخاص يعملون في تجارة العملة بصورة دورية، عبر شبكات معقدة.
  • تحويلات المصريين في الخارج ...تراجع متزايد مع نشاط تحركات تجار العملة

تتواصل عملية التراجع في تحويلات المصريين خارج مصر، بينما تستهدف الحكومة المصرية زيادة تحويلاتهم بنسبة 10% سنوياً، من أجل توفير العملة الصعبة، بعد أن حلّت مصر كخامس أكبر متلقٍّ للتحويلات الخارجية عالمياً في العام المالي 2019 – 2020، بحسب تقرير الهجرة والتنمية، الصادر عن البنك الدولي.

وخلال الفترة الممتدة من تموز/يوليو 2022 إلى آذار/مارس 2023، رصد البنك المركزي المصري انخفاض تحويلات المصريين، المقيمين بالخارج، إلى نحو 17.5 مليار دولار من 23.6 مليار دولار، في الفترة نفسها من العام الماضي، وبلغت نسبة التراجع 26% خلال تسعة أشهر فقط، وسط مزيد من توقع التراجع خلال الإحصاءات المرتقب صدورها.

وتقدّر الحكومة عدد المصريين المقيمين بالخارج بنحو 14 مليون شخص، يقيم نصفهم تقريباً في دول الخليج، بينما تنفّذ عدة برامج لجذب أموالهم، بينها طرح شهادات ادّخارية بالدولار، بعائد يصل إلى 9% خلال ثلاثة أعوام، وغيرها من المبادرات التي تستهدف حصول الدولة على الأموال بالدولار، في مقابل إتاحة خدمات مميزة لهم.

وعلى رغم تخفيض قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ بداية الحرب في أوكرانيا، على نحو يشكّل عامل جذب لزيادة التحويلات، فإنّ نقص توافر الدولار من البنوك خلق سوقاً موازية تزايد نشاطها يوماً بعد الآخر، حتى باتت تهدّد توافر العملة الصعبة داخل البلاد، مع وجود أشخاص يعملون في تجارة العملة بصورة دورية، عبر شبكات معقدة.

وتعمل هذه الشبكات، التي تنتشر في دول الخليج، حيث العمالة الكثيفة للمصريين، من خلال استقبال الأموال من المغتربين، بينما يقوم ممثلوهم في مصر بتسليم العائلات المصرية قيمة المبالغ المحوَّلة في الوقت نفسه بالعملة المحلية، وفق سعر صرف أعلى بنسبة 20% عن السعر المعتاد.

جزء من هذه الشبكات موجود في داخل مصر، ويتعامل مع المصريين الراغبين في إبدال الدولارات التي في حوزتهم بالعملة المحلية، سواء ادّخروها أو تقاضوها بصورة شهرية عن أعمالهم مع جهات أجنبية، وهي شبكات تقبل التعامل بمختلف العملات وفق أسعار صرف خاصة بكل عملة ترتبط بصورة وثيقة بسعر صرف الدولار في السوق الموازية.

اقرأ أيضاً: الحكومة المصرية تسابق الزمن لجلب الدولار وخفض الأسعار

يقول أحد العاملين في هذه الشبكات للميادين نت إنّه، على الرغم من العمولات التي تُدفع بين القاهرة والعواصم الخليجية، فإنه يبقى هناك هامش ربح جاذب للعمالة في هذه النوعية من العمليات، التي لا تستغرق سوى ساعات قليلة، وفي أحيان أخرى دقائق فقط، مشيراً إلى أن عملية شراء الدولار من الخارج، وإرساله إلى حسابات رجال أعمال وشركات مصرية خارج البلاد، يرجعان إلى كون هذه الشركات في حاجة إلى توفير الدولار من أجل مستلزمات الإنتاج أو تنفيذ صفقات خاصة بها، بينما لا يوفر لها البنك المركزي الدولار وفق السعر الرسمي.

وأضاف أن هناك أشخاصاً يفضلون تحويل أموالهم من مصر، من دون أن يتم ذلك بصورة مباشرة عبر البنوك، لتجنب إثارة أي شبهات بشأنهم، ثم يلجأون إلى تسليم الدولارات داخل البلاد واستلامها في الخارج، لافتاً إلى أن أغلبية التحويلات يتم إجراءها من الإمارات. وفي هذه الحالة، يكون هناك نسبة عمولة على المبلغ المحوّل، تتباين، بحسب المبلغ والجهة المطلوب التحويل إليها.

ويشير الشاب الثلاثيني، والذي ينشط في سوق التعاملات غير الرسمية، إلى وجود رحلات سفر لشبان مصريين من القاهرة إلى دبي وأبو ظبي، يكون أصحابها حاملين الحد الأقصى لخروج الدولار، والمقدّر بـ10 آلاف دولار، عبر فيزا سياحية، على أن تكون الرحلات قصيرة ولا تستغرق أكثر من يومين.

وفي فترات سابقة لم تدم طويلاً، شنّت الأجهزة الأمنية حملة ملاحقات أمنية واسعة ضد تجار العملة. وألقت خلالها القبض على عدد من صغار التجار، في وقت باتت الصرافات الرسمية تعمل في أضيق الحدود مع وجود عمال يقومون بتنفيذ الأعمال بسعر السوق الموازية، من دون الدخول والخروج للأموال من الصرافة نفسها.

وبسبب نقص العملة الصعبة، فرضت البنوك المصرية إجراءات مشددة على صرف العملة الصعبة، وأصبح عدد من الأفراد الراغبين في توفير الدولار، لأسباب علاجية أو دراسية، يلجأون إلى السوق السوداء، بينما بدأ بعض القطاعات تنفيذ عمليات البيع بالدولار على غرار بعض توكيلات السيارات وهي إجراءات لا تزال غير مسموح بها قانوناً، بسبب حظر تنفيذ أي عمليات بيع بعملة غير الجنيه المصري.

اقرأ أيضاً: ذهب ودولار وعقارات..ملاذ المصريّين للحفاظ على قيمة مدخّراتهم

المصدر: محمود الرباعي - القاهرة