هل يقطع المصريون تذكرة "المونوريل"؟

على الرغم من استخدام قطار "المونوريل" في المناطق شديدة الازدحام من أجل نقل الركاب، إلّا أنّ التجربة المصرية في "المونوريل" تبدو مختلفة مع استخدامه في مناطق لا تشهد ازدحاماً، وفي طرق شديدة الاتساع.
  • هل يقطع المصريون تذكرة "المونوريل"؟

تستعد مصر لبدء تشغيل قطار "المونوريل" خلال الأشهر المقبلة مع اكتمال الأعمال الإنشائية في خط العاصمة الإدارية، في وقت تتواصل الإنشاءات بالخط الثاني الواصل لقلب مدينة 6 أكتوبر، فيما بلغت التكلفة المبدئية للخطين نحو 4.5 مليارات دولار بحسب ما أعلنت الحكومة المصرية، ليكون أحد مشروعات النقل العملاقة التي تتبنّاها الدولة في الوقت الحالي، رغم الضغوط المالية الموجودة على الاقتصاد المصري بصورة غير مسبوقة.

صمّم "المونوريل" للمرة الأولى عام 1925 بهدف اختراق المناطق المزدحمة، لكنّ القطار الذي يدخل مصر للمرة الأولى دخل في مناطق غير مكتظة بالسكان، وبدلاً من أن يمرّ بالعديد من الشوارع الضيقة على غرار النماذج العالمية، مرّ في شوارع شاسعة الاتساع في الاتجاهين، مما جعل عدداً من المهندسين وخبراء التخطيط يشكّكون في جدوى المشروع الاقتصادية، ومدى الاحتياج لإقامته على أعمدة خرسانية مرتفعة، في الوقت الذي يمكن أن يسير فيه إلى جوار السيارات مع اتساع الطرق.

ترى الحكومة أن إقامة "المونوريل" على كوبري يضمن عدم تأثيره على حركة المرور، خاصة مع زمن تقاطر يصل إلى 90 ثانية بين القطار والآخر، مع إتاحة بوابات على الأرصفة إضافية بخلاف بوابات عربات "المونوريل" والتي تطبّق للمرة الأولى في مصر لمنع سقوط المواطنين على الشريط الحديدي، في وقت تضمّن الاتفاق مع تحالف شركات بقيادة بومباردييه الكندية على تصميم وإنشاء وتشغيل وصيانة خطي "المونوريل" مع عقد لثلاثة عقود يتضمّن التشغيل والصيانة، وتوفير قطع الغيار وتوطين صناعة "المونوريل" في مصر.

تشكّل الأعمدة الخرسانية التي باتت شبه مكتملة في جزء كبير من مسار "المونوريل" معلَماً بارزاً من معالم القاهرة اليوم، خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة التي بدأ انتقال الموظفين إليها للعمل من المقارّ الحكومية، فسيكون "المونوريل" إلى جانب القطار الكهربائي الذي بدأ تشغيله بالفعل أحد أبرز وسائل الانتقال من وإلى العاصمة التي بدأت عمليات بيع الوحدات السكنية فيها، مع استمرار الإنشاءات بالأبراج السكنية والتجارية في الأحياء المختلفة والتي تضم أكبر برج في أفريقيا.

الجانب الإيجابي في "المونوريل" عند اكتماله يتمثّل في قدرته على ربط مختلف أنحاء القاهرة الكبرى، بحيث يمكن باستخدامه ثم الانتقال لمترو الأنفاق، والعودة إليه مجدّداً للوصول من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب بغضون أقلّ من 90 دقيقة، بوسيلة مواصلات تعمل على مدار الساعة باستثناء الأوقات المتأخّرة من الليل.

بخلاف الانتقادات عن الجدوى من تنفيذ المشروع في وقت كان يمكن استبداله فيه بقطار كهربائي سريع، أو حتى مترو أنفاق في المناطق المزدحمة، مع الأخذ في الاعتبار أن المشروع الذي ينقل 80 ألف مواطن بالساعة أحادي السكة، فإنّ المشكلة التي تواجه الحكومة في الوقت الحالي مرتبطة بسعر التذكرة، وهي مشكلة قد تجعل المواطنين يحجمون عن استخدامه على غرار ما حدث مع القطار الكهربائي الذي بدأ العمل في تشغيله من العام الماضي.

واضطرت الحكومة لتخفيض أسعار التذاكر بواقع 50% بعد وقت قصير من بداية عملية التشغيل بسبب إحجام المواطنين نتيجة ارتفاع سعره مقارنة بوسائل النقل التقليدية، وهي التخفيضات التي لا تزال سارية حتى الآن لتشجيع المواطنين على استخدامه، فيما يتوقّع أن تكون أسعار "المونوريل" أعلى من الإمكانيات المالية لغالبية المصريين، خاصة مع ارتفاع الأسعار والتضخّم المتزايد، وفي ظل السياسات الحكومية في محاولة لتحقيق اكتفاء ذاتي من عائدات مشروع النقل، وعدم تحمّل أعباء مالية كبيرة في تشغيلها.

ما تعوّل عليه الحكومة في الوقت الحالي ليس فقط محاولة إقناع المواطنين بسعر تذكرة سيكون أعلى من مقدور الطبقة المتوسطة التي تمثّل الشريحة الأكبر في مصر، ولكن في تصدير مشروع "المونوريل" لدول أخرى عبر الاتفاق على مصانع للتشغيل ضمن محاولات إنعاش قطاع الصناعة خلال الفترة الحالية، بالتعاون مع الشركة الكندية التي تقوم بتدريب العمال المصريين.

يبقى الحديث عن جدوى إنفاق 4.5 مليارات دولار على الأقلّ بالمشروع محل سجال بين مؤيّدي الحكومة ومعارضيها، في خضمّ أزمة نقص العملة الصعبة التي سدّد بها ثمن المشروع للشركات الأجنبية التي تقاضت جميع مستحقاتها بالدولار، على العكس من نظيرتها المصرية التي تقاضت مستحقاتها بالعملة المحلية، والتي انخفضت ثلاث مرات منذ مطلع العام الماضي على خلفية تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

المصدر: الميادين نت