قانون إلغاء الإفراج المبكر من سجون الاحتلال.. سيفٌ على رقاب الأسرى المرضى
أصدر الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأحد المنصرم، تعديلًا على قانون الإفراج المبكر الإداري عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وقد مرَّ القانون بالقراءتين الثانية والثالثة وباقتراح من المتطرف وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير.
يشار إلى أن القانون يقضي بإلغاء الإفراج المبكر عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال قبيل موعد انتهاء محكوميتهم. هذا القانون هو الرابع من سلسلة قوانين سابقة أصدرها بن غفير على مدار 6 أشهر، ترمي إلى تضييق الخناق على الأسرى. ومن بين تلك القوانين "إلغاء المخابر في السجون الواقعة في جنوب فلسطين المحتلة، وإلغاء علاج الأسنان، وتحديد مدة استخدام المياه داخل السجون".
فيما قال الخبير في الشأن الإسرائيلي، شادي الشرفا، في مقابلة لموقع الميادين نت، إن قرار إلغاء قانون الإفراج المبكر من جانب بن غفير هو قرار متطرف وشعبوي، يريد من خلاله أن يحصد الأصوات في الانتخابات. وأشار إلى أن بن غفير يتخذ قرارات تلامس جمهور الاحتلال المتطرف، والأسرى هم رهينة المزايدات السياسية الإسرائيلية.
وأضاف الشرفا أن مجموع القرارات التي تتعلق بالأسرى منذ 6 أشهر وصل إلى 4، إذ يتخذ بن غفير بين فترة وأخرى قراراً يستهدف فيه الأسرى، وذلك بشكل تدريجي خوفاً من رد فعل الأسرى الفلسطينيين داخل السجون.
ولفت إلى أن الأسرى يواجهون منذ 20 عاماً هجمة شرسة من جانب حكومات الاحتلال المتتالية، وأن الحكومات التي صنفت نفسها ضمن التيار الوسط أو اليسار، قد مارست هجمات شرسة على الأسرى ومع تصاعد اليمين الإسرائيلي خلال الفترة الحالية يشهد الأسرى هجوماً مضاعفاً.
وأشار إلى أن قانون الإفراج المبكر الإداري الذي جرى تعديله عام 1971 يعطي الصلاحية لمدير السجن اتخاذ قرار تخفيض مدة حكم الأسير الفلسطيني، وينص القانون على أن يخصم للأسير في العامين الأول والثاني لسجنه 21 يوماً عن كل عام من فترة حكمه، أما في السنة الثالثة فتخصم 7 أيام شريطة أن لا تزيد فترة خصم الحكم عن 6 أشهر. ولفت إلى أن إدارة مصلحة السجون تضع المعايير والشروط للإفراج مثل "حسن السير والسلوك".
وأكّد أن القانون يمثل وجهاً جديداً للأبرتهايد ويُضاف إلى سلسلة من سجله الصهيوني، ويُطبق على الأسرى الفلسطينيين، فيما لا يُطبق على السجناء الإسرائيليين.
وفي السياق ذاته، مرّ قانون الإفراج المبكر الإداري بعدد من المراحل. خلال عام 2008 وتزامناً مع صعود اليمين الإسرائيلي، تم وقف الإفراج المشروط عن الأسرى الفلسطينيين، وبين عامي 2011-2012 أصبحت السجون في حالة اكتظاظ ما ساهم في تفعيل القانون، ولكن بشرط أن لا يتجاوز حكم الأسير الفلسطيني 40 شهراً.
في ما يتعلق بفاعلية شرعنة القوانين الصادرة عن حكومة الاحتلال، وتحديداً تلك التي تتعلق بالأسرى الفلسطينيين، أشار الشرفا، إلى أن حكومة الاحتلال ليست بحاجة إلى نص القوانين وتقديمها إلى القراءة الأولية عبر "الكنيست" الإسرائيلي من أجل إقرارها، وإنما تحاول "دولة" الاحتلال شرعنة القوانين لمنع أي وزير تابع للاحتلال أن يعطي صلاحية بالإفراج المبكر في المستقبل.
وأضاف أن على مدار 20 عاماً اتصفت القرارات بمعظمها بالطابع الشعبوي، والهدف منها تلميع صورة المجتمع الإسرائيلي. وأشار إلى أن انتقال القانون من مدير مصلحة السجن إلى بن غفير يدلل على أن القرارات شعبوية وانتقامية، وخطورتها توازي الحكم بالإعدام على الأسرى الفلسطينيين، ولا سيما المرضى منهم.
وأشار الخبير في الشأن الإسرائيلي في ما يتعلق بأهمية قراءة المشهد السياسي الإسرائيلي، إلى وجوب تحديد الحالة حتى نصل إلى فهم للمجتمع الإسرائيلي والاختلافات التي تحدث تنعكس وتيرتها على الشعب الفلسطيني. وأضاف أن قراءة الحالة السياسية متأخرة فلسطينياً نوعاً ما، ويوجد عقم في الرؤية الفلسطينية.
وأوضح أن القيادة الفلسطينية خلال السبعينيات بدأت المفاوضات بحجة الحوار من أجل الوصول إلى الحل النهائي، ولكن ما حدث هو أن المجتمع الإسرائيلي زاد تطرفاً فيما الفلسطيني أصبح براغماتياً في ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية.
ولفت إلى أن قراءة القيادة الفلسطينية لطبيعة الاستعمار الاستيطاني خاطئة وأُمية، إذ اعتقدوا بأن الحالة الفلسطينية تطابق نموذج شمال أفريقيا، وتناسوا الفوارق المهمة في الحالتين، وهي أن المقاومة الحقيقية أفضت إلى تغير المشهد على صعيد شمال أفريقيا.
ومن جهته، قال المختص بالشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، للميادين نت، إن إلغاء قانون الإفراج المبكر الذي جاء به بن غفير يخدم الصهيونية الدينية، والفلسطيني جزء من المشروع. وأضاف قائلاً: بن غفير لم يرَ الأرض معبدة له من جانب المجتمع الإسرائيلي فجاء بهذا القرار لإرضاء جمهوره اليميني المتطرف.
وأردف أنه ما إن أصبحت صلاحيات إيتمار بن غفير تشمل السجون، حتى بدأ يفكر ليلاً ونهاراً كيف يغيّر القوانين التي تضيّق على الأسرى. وأوضح أن سياسات بن غفير تجاه الأسرى متطرفة، وأنه ليس أقل تطرفاً من جلعاد أردان.
ويشار إلى أن جلعاد أردان كان يشغل منصب وزير الأمن الداخلي للاحتلال عام 2018، وأعلن عن تشكيل لجنة حملت اسمه، وأوصت اللجنة آنذاك بعدد من الإجراءات التي تقيّد حياة الأسرى داخل سجون الاحتلال. وقد شملت الحياة التنظيمية والنضالية، والمشتريات من مقصف السجن "الكنتينا"، والحركة داخل الأقسام، ومدة ومواعيد الخروج إلى ساحة السجن، والزيارات العائلية، وكمية الطعام ونوعيته، وكمية المياه المتوفرة، وعدد الكتب، والتعليم والدراسة.
وأضاف أبو عواد أن القانون أساساً لا يطبق على الأسرى ذوي الأحكام العالية منذ عام 2012، وتحديداً بعد أن قلّ عدد الأسرى عن 5000 أسير في العام ذاته. وأشار إلى أن إدارة مصلحة السجون تعاملت مع القانون عندما كان قيد التنفيذ بشكل انتقائي ومزاجي وضيق.
ولفت إلى أن إدارة مصلحة السجون تتعامل مع الأسرى في السجون على أنهم ضمن منطقة حكم ذاتي مقابل الهدوء النسبي، وغير معنيين بانفجار وتصعيد وبذلك يتم تمرير القراءات بشكل بطيء.
وفي ما يتعلق بدور المجتمع الدولي والضغط المحلي والقانوني، قال عواد: "أعتقد أن المحافل الدولية لن تغير شيئاً من سياسة إسرائيل، كون الأخيرة تعد نفسها فوق القانون"، ولفت إلى أن الأسرى داخل السجون إن شكلوا حراكاً داخلياً للضغط على إدارة مصلحة السجون قد تتم الاستجابة خوفاً من انفجار الأوضاع داخل السجون.
وشدد على أهمية قراءة المشهد الإسرائيلي من أجل فهم طبيعة الاحتلال وتركيبته والتغيرات التي تحدث لمعرفة آلية المواجهة، كما أنَّ جزءاً من الهوية المقاومة هو فهم الاحتلال وطبيعته. ولفت إلى أن فهم العدو يقصر من عمره ويفتح طريقاً لترتيب الأوراق والبيت الفلسطيني.
وبدورها، قالت المحامية والمختصة في حقوق الإنسان، سجى مشرقي، للميادين نت، إن إلغاء الإفراج المبكر عن الأسرى السياسيين الفلسطينيين يأتي ضمن نهج بربري وسياسة ممنهجة لتعميق المعاناة والخناق على الأسرى.
وأضافت مشرقي أن القوانين التي فرضها بن غفير على مدار 6 أشهر تنزع حقوق الأسرى الفلسطينيين، ويتم التعامل معهم على أساس التوجه السياسي من دون النظر إلى القوانين والأعراف الدولية التي كفلت حق الأسير. وعدّت هذا الأمر بمنزلة إعدام للأسرى الفلسطينيين.
وأشارت إلى أن عام 2017 قدمت جمعية إسرائيلية التماساً للمحكمة العليا في ما يتعلق بالاكتظاظ داخل السجون والمساحة المخصصة للأسرى والتي من المفترض أن تبلغ 4.5 أمتار مربعة تشمل المراحيض والاستحمام على أن تلتزم "إسرائيل" بحل مشكلة الاكتظاظ داخل السجون. وأضافت أنه نتيجة الالتماس قدمت "إسرائيل" وعوداً إلى المحكمة بإنشاء سجون جديدة وزيادة نسبة الإفراج ضمن قانون الإفراج المبكر.
وأضحت في ما يتعلق بالقانون الذي كان ضمن حيّز إدارة مصلحة السجون قبيل أن يتحوّل إلى صلاحيات وزير أمن الاحتلال، أن نسبة قليلة من الأسرى الذين تم الإفراج عنهم بناءً على القانون، ونسبة 99% من طلبات الإفراج المبكر يتم رفضها من جانب إدارة مصلحة السجون.
وفي سياق متصل، أشارت إلى قضية الأسير ناصر أبو حميد ووليد دقة والأسرى المرضى، قائلًة: حتى وإن كان الأسير على حافة الموت مثل ناصر أبو حميد الذي عانى من مرض السرطان ومع الضغط الدولي للإفراج عنه إلا أن "إسرائيل" ما زالت تحتجز جثمانه حتى بعد استشهاده، ويوجد حالات مرضية داخل المعتقلات من دون أن ينظر إلى حياتهم بشكل جدي.
وأشارت إلى وجود قوانين في مرحلة التشريع ولم يتم إقرارها، وهي ذات علاقة وتسير بالوتيرة نفسها، مثل قانون سحب جنسيات أسرى الداخل المحتل والقدس وقانون ترحيل عائلات الشهداء والأسرى وحرمان المعتقل الفلسطيني.
ولفتت إلى أن حكومة الاحتلال ليست بحاجة إلى وزير أو إقرار القوانين من أجل نزع حقوق الأسرى الفلسطينيين، إذ تتخذ الحكومة القانون كغطاء من أجل تحصيل الحماية والحصانة أمام المجتمع الدولي. وأوضحت أن الحكومة الإسرائيلية تحاول بث حالة من الرعب ومخاطبة الأسرى بأن نضالهم يسير في طريق مسدود الأفق.
وأضافت أن السياسات الفاشية هدفها إعلاء أسهم اليمين الإسرائيلي والفلسطيني هو محركها ضمن منهجية الاستعمار، ولكنها سوف تخلق حالة من التلاحم بين الأسرى في السجون، وبين الفلسطينيين في الداخل المحتل والقدس والضفة لمواجهة هذا النظام القهري والقمعي.
وأوضحت في السياق ذاته أن "إسرائيل" تعتقد أن تضييق الخناق على الأسرى يؤدي إلى كسرهم ومنعهم من المقاومة بيد أن هذه القرارات تزيد من العزيمة والمقاومة الممنهجة لدى الشعب الفلسطيني بعيداً عن الحلول السياسية.
وأشارت مشرقي إلى أن آلية مقاومة القرارات الصادرة عن حكومة الاحتلال من أجل إبطال القانون يجب أن تشمل التحرك على مستويات عدة منها القانوني عبر المحكمة العليا وجهد المحامين والمدافعين عن الأسرى وحقوق الإنسان. وأكدت أن تحرك الشارع الفلسطيني والمقاومة مهمة لإبطال أي مشروع وإنهاء الاستعمار، وأكدت دور الأسرى في إدارة معركتهم داخل سجون الاحتلال ومواصلة نضالهم ونزع حقوقهم والإنجازات التي حققوها على مدار السنوات.
يشار إلى أن سلطات الاحتلال تواصل اعتقال 5000 أسير فلسطيني، من بينهم 33 أسيرة و160 طفلاً و1132 أسيراً إدارياً (من دون تهمة) خلال عام 2023. فيما وصل عدد الاعتقالات حتى منتصف العام الجاري 2023 إلى أكثر من 3860 اعتقالاً، وذلك بحسب مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.
إنّ حكومة الاحتلال عبر إلغاء قرار الإفراج المبكر وقوانين أخرى تتعلق بالأسرى داخل السجون، تحاول أن تشرعن ممارستها الفاشية تجاه الفلسطيني وتستخدمه كورقة انتخابية داخل صناديق الاقتراع خلال الانتخابات وأيضاً لإرضاء الجمهور الإسرائيلي الذي يطالب يومياً بترحيل الفلسطينيين والقضاء عليهم ووصفهم "بالإرهاب". لكن نضال الشعب الفلسطيني وتحديداً الأسرى داخل زنازين الاحتلال عُبّد بالدماء والأرواح وما قدمه الأسرى على مدار سنوات من تضحيات لن يدع هذا القانون يمر من دون مقاومة ومواجهة تأكيداً على الحقوق الإنسانية العادلة.