تقرير: "مغالطة الابن الضال".. التفاؤل بشأن عودة تركيا إلى الغرب غير واقعي
تناولت منصة "War on the Rocks" الإلكترونية، والمتخصّصة في تحليل ونقاش الاستراتيجيا والدفاع والشؤون الخارجية، العلاقات التركية الأطلسية، وحالة التفاؤل السائدة لدى العديد من المُحللين بشأن "إشاراتٍ على تحسن العلاقة بين تركيا والغرب مؤخراً"، وذلك في تقريرٍ عنونته بـ "الابن الضال للناتو لن يعود".
وأكدت المنصّة أنّ التفاؤل المُبالغ فيه بشأنّ "حتمية عودة تركية إلى الغرب"، مرده يعود إلى وجهة نظر تقليدية تاريخياً، وهي التركيز لفهم مسار العلاقات التركية من زاوية "قرون من العداء مع روسيا".
وبالتالي فإنّ وجهة النظر التي تفيد باقتراب تركيا من القوى الغربية لتحقيق توازنٍ مطلوب، هي نظرة أصبحت غير واقعية في ظلِّ التغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية، إضافةً إلى اختلاف إدراك الدول لمصالحها.
وتطرّق تقرير المنصة إلى تحليلاتٍ تداولتها العديد من وسائل الإعلام الغربية، بخصوص خبر إعلان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، تقديم طلب عضوية للسويد للانضمام إلى حلف "الناتو"، ودعمه المصادقة عليه، على أنّه إشارات بأنّ "تركيا تنأى بنفسها عن روسيا وتتجه نحو الغرب".
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، مقالاً بعنوان "انعكاس إردوغان على السويد مؤشر إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة"، بينما نشرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية مقالًا تحت عنوان "تراجع تركيا عن محاولة صد السويد الانضمام للناتو يعزز وحدة التحالف".
وأشار التقرير إلى أنّ هذه التوقعات بعودة تركيا نحو الغرب، تكرّرت سابقاً خلال عدّة أحداث، أبرزها أزمة مجزرة "أسطول الحرية" المتجه إلى غزة، في العام 2010، و"الربيع العربي" في العام 2011، وما حمله من تصاعد الخلافات التركية الإيرانية بعد العام 2011، ثمّ صعود تنظيم "داعش" في 2015، وغيرها، وليس انتهاءً بإعادة انتخاب إردوغان في العام 2018.
وأكّد التقرير أنّ العلاقة الروسية التركية "لم تتشكل من خلال قناعات أيديولوجية"، ولكنّ ذلك يحدث من خلال الحقائق الجيوسياسية، والتي من شأنها أن تدفع تركيا في النهاية إمّا إلى روسيا أو نحو الغرب وحلفائها في حلف شمال الأطلسي.
وتسائلت المنصة في تحليلها عن سبب بقاء الكثير من المحللين متفائلين إلى الأبد، مُطالبةً بإطلاق تسمية "مغالطة الابن الضال" على هذا التفاؤل. وهو اعتقاد بأنّه رغم "انحراف أو انجراف تركيا أو تحوّل محورها بعيداً عن الغرب"، إلا أنّها "ستعود في وقتٍ ما إلى حظيرة الناتو".
ولفت التقرير إلى أنّه ربما يكون هذا الإيمان بالعودة التركية، هو نتيجةٌ طبيعية للهوس الدائم بـ"من خسر تركيا؟".
وأضاف تقرير المنصة أنّ "مغالطة الابن الضال" تتبنى الفرضية التالية، أنّ تركيا ضاعت، لكن كما دائماً، ستعود مرةً أخرى، دون أن تعترف بالافتراضات الأساسية، وربما لا يريد أحد، أن يكون صريحاً بشأن العلاقة الهرمية بين "الأب الثري والإبن الضال".
وتستند "مغالطة الابن الضال" إلى فكرةٍ قديمة عن الجغرافيا السياسية العثمانية التركية، والتي تفترض أنّ "روسيا تفوقت على تركيا بشكلٍ ميؤوسٍ منه". وأنّ موسكو جارتها الأكبر والأكثر ثراءً وطموحاً في الشمال، صادف أنّها "كانت لديها أهداف وخطط على الأراضي العثمانية والتركية".
وبحسب أنصار وجهة النظر التقليدية، تحالفت تركيا منذ قرون مع القوى الغربية، للدفاع عن نفسها مقابل روسيا، وبالتالي، فإنّ علاقة إردوغان الوثيقة حالياً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وما يقابلها من توتراتٍ مع الغرب هي "حالة شاذة في مسار التاريخ الأوسع"، وأنّه في نهاية المطاف، ستعيد قوانين الجغرافيا السياسية تأكيد نفسها، وسيعود هيكل التحالف القديم إلى مكانه.
وشرح التقرير كيف أنّ هذا الاعتقاد قد أصبح جوهرياً، في المجتمعات الصحفية والتحليلية، والتي تتوقع، بتفاؤلٍ كبير، نتيجةً لذلك، عودةً تركية بعد كل حدثٍ إخباري كبير.
وشدّد تحليل المنصة على أنّ تشبيه "الابن الضال" بعيدٌ كل البعد عن الواقع السياسي لعصرنا، وأنّه تماماً مؤشرٌ على العقلية التي جعلت الناس يُشكّكون في أنّ روسيا ستتحرك عسكرياً باتجاه أوكرانيا.
وناقش التقرير بأنّ ما تفتقده هذه العقلية، هو أنّه على الرغم من أهمية حساب التفاضل والتكامل الجيوسياسي، فإن الدول لديها ثقافات سياسية مختلفة، وبالتالي تدرك حساباتها بطرقٍ مختلفة.
وأكد أنّ هدف تركيا اليوم ليس تحقيق التوازن ضد روسيا، بل أن تكون متميزة ومستقلة في نهاية المطاف عن حلفائها الغربيين.
ومن نقطة البداية هذه، يبدو أنّ حسابات إردوغان أكثر منطقية، ويبدو أنّ عودةً تركيّة باتجاه القوى الغربية هي أقل احتمالٍ واقعي اليوم.