الخلافات بشأن عضوية أوكرانيا ورأس "الناتو" تستبق قمّة الحلف في ليتوانيا
على وقع الخلافات والتباعد في الرؤى، من المقرّر أن يعقد زعماء حلف الأطلسي قمتهم السنوية المرتقبة في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس، يومي 11 و12 تموز/يوليو المقبل، بحيث ستكون مسألة عضوية أوكرانيا أكثر بند حسّاس في جدول الأعمال.
وعلى طاولة الاجتماعات نفسها، ستحضر بقوة معضلة أخرى لا تقل ضراوة، تتمثّل بمسألة خليفة الأمين العام الحالي للناتو، ينس ستولتنبرغ، إذ تتجه أنظار الأوروبيين هذه الأيام إلى واشنطن، إمّا في انتظار خروج الدخان الأبيض منها، بشأن هوية تلك الشخصية الجديدة، وإمّا أن الأوروبيّين سيرضخون للتمديد لستولتنبرغ مرة رابعة، كما حدث في الأعوام السابقة.
وسط هذه الأجواء الملبَّدة، التقى ستولتنبرغ الرئيسَ الأميركي، جو بايدن، في 13 حزيران/يونيو الجاري، في اجتماع مهّد الطريق لقمّة الناتو، الذي ستواجه دوله، وعددها 31، مجموعةً من القضايا الشائكة، في ظل غياب الإجماع فيما بينها على عدد من الأسئلة الجوهرية، ولا سيما: عضوية أوكرانيا في المنظّمة، والضمانات الأمنية التي يجب تقديمها إليها، وما إذا كان يجب منح السويد العضوية، ومن سيقود الناتو عندما يتنحّى ستولتنبرغ.
قمّة ليتوانيا... الأكثر تحدياً في التاريخ الحديث
تصرّ أوكرانيا، بصورة عاجلة، على أن تصبح جزءاً من الناتو، على رغم أن أغلبية الدبلوماسيين تعتقد أنها تفتقر حالياً إلى الاستقرار الضروري، سياسياً واجتماعياً وعسكرياً.
وعلى الرغم من أن أغلبية أعضاء الناتو تردّد لغة عمرها 15 عاماً، تقول إن أوكرانيا ستصبح عضواً في النهاية، فإن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، طلب دعوة رسمية من أجل بدء العملية، وهي خطوة من المؤكد أن تَعُدّها روسيا استفزازية للغاية.
وتعقيباً على ذلك، قال دوغلاس لوت، السفير الأميركي السابق لدى الناتو، إن "هذه القمة ستكون الأكثر تحدياً في التاريخ الحديث".
أسباب الخلاف بين أعضاء الناتو بشأن أوكرانيا؟
ترتبط الخلافات بين دول الناتو بالانقسام الحادّ بين معسكرين داخل الحلف. الأوّل تجسّده دول أوروبا الشرقية، التي ترغب في أن يُصدر الناتو دعوة رسمية، كعلامة على الترحيب بأوكرانيا حتى لو كانت الدولة غير قادرة على الانضمام، في انتظار بعض الوقت.
بينما يتمثّل المعسكر الثاني بالقسم الغربي من أوروبا، وفي المقدّمة ألمانيا، وهو يشعر بالقلق من جرّ أوروبا، بصورة مباشرة، إلى مواجهة عسكرية مع موسكو، ويفضّل التزاماً أكثر تواضعاً بشأن تكرار المساعدة لأوكرانيا، اقتصادياً وعسكرياً .
أمّا حجّة المعارضين فهي خوفهم من الانجرار إلى أتون الحرب القائمة في أوكرانيا، مستندين، وفق ذلك، إلى نظرية مفادها: ما دامت كييف في حالة حرب، فالعضوية تحتّم عليهم تلقائياً إعلانهم حالة الحرب والدفاع عن أوكرانيا، والدخول، تالياً، في مواجهة ضروس مع روسيا، وهذا ما يخشاه بعض الأعضاء، الذين ليسوا جاهزين للقيام بذلك.
تأتي الولايات المتحدة في رأس الدول المعارضة لعضوية أوكرانيا في الناتو. فبايدن كان حازماً بشأن المحافظة على الوضع الراهن، مؤكداً أن أوكرانيا ستصبح جزءاً من التحالف في نهاية المطاف، لكنه رفض اتخاذ أي خطوات رسمية في هذا الاتجاه في الوقت الحالي، وشدّد على أنه لا يؤيّد الاختصارات المتعلّقة بهذا الأمر.
وفق المنوال ذاته، جاء الموقف الألماني مخيّباً لآمال كييف، وهو ما يمكن رصده في دعوة المستشار الألماني، أولاف شولتز، في 22 حزيران/يونيو الحالي، قمة الناتو المقبلة، إلى التركيز على الأولوية المطلقة؛ أي تعزيز القوة العسكرية الأوكرانية بدلاً من فتح عملية انضمام البلاد إلى "الأطلسي".
بناءً عليه، وفي خطاب ألقاه أمام المشرّعين في البوندستاغ، حثّ شولتز زملاءه قادة الناتو على النظر "بوعي" إلى محاولة أوكرانيا الانضمام إلى الحلف، وجادل في أن كييف نفسها قالت "إن الانضمام إلى الناتو غير وارد" ما استمرت الحرب فيها.
اختيار أمين عام جديد لحلف الأطلسي
في الأسابيع الأخيرة، احتدم السباق على استبدال ستولتنبرغ مع اقتراب نهاية فترة ولايته في أيلول/سبتمبر المقبل بعد ما يقرب من 10 أعوام في منصبه. ففي حين أن عملية اختيار الأمين العام تستند إلى الإجماع بين الدول الأعضاء كافةً، فإن رأي الولايات المتحدة يُعَدّ بيضة القبّان، بحيث تُعَدّ الآمر الناهي في هذا الموضوع.
في المقلب الآخر، كانت أوروبا منشغلة بلعبة الأسماء. لهذا، انحصر التنافس في أسماء محدّدة، أبرزها: رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن، ونظراؤها: الهولندي مارك روته، والإسباني بيدرو سانشيز، ووزير الدفاع البريطاني بن والاس، الذي أصبح خارج السباق، مع إعلانه، في حديث إلى مجلة "الإيكونوميست"، في 21 حزيران/يونيو الجاري، أنه لن يكون الأمين العام المقبل لحلف الناتو، وهذا يمكن ردّه إلى سببين رئيسين:
الأول: أن قادةً في دول الاتحاد الأوروبي ليست لديهم رغبة كبيرة في تسليم الوظيفة إلى بريطاني، بعد خروج لندن من الاتحاد الأوروبي، بينما يعود السبب الثاني إلى التحفّظ الأميركي، فعندما سُئل بايدن عما إذا كان الوقت حان لتعيين أمين عام بريطاني، كان رده فاتراً.
ومع ذلك، يبدو أن جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة، وخصوصاً بعد ارتفاع أسهم رئيسة الوزراء الدنماركية، ميته فريدريكسن، التي برزت كمنافسة جادة لقيادة الناتو خلال زيارتها أميركا، ولقائها الرئيس بايدن مؤخّراً.
أكثر من ذلك، كشف 4 دبلوماسيين في دوائر الناتو أنّ اسم فريدريكسن ما زال يُتداول كمنافسة جادة على المنصب، لكن ما تجدر معرفته أن هناك عقبات متعددة تعترض طريقها، ويمكن إيجازها بالآتي:
1 -تُعَدّ الدنمارك متأخّرة في إنفاقها الدفاعي، وهي قضية قد تثير القلق في بعض العواصم، إذ أنفقت كوبنهاغن 1.38% فقط من الناتج الاقتصادي على الدفاع في عام 2022، وفقاً لأحدث تقديرات الناتو، وهي نسبة أقلّ من هدف الحلف البالغ 2%.
2 -تأتي فريدريكسن من دولة شغلت هذا المنصب مؤخراً، فلقد كان رئيس الوزراء الدنماركي السابق، أندرس فوغ راسموسن، أميناً عاماً للناتو بين عامي 2009 و2014.
3 -هناك المعضلة التركية، فأنقرة قد تعمد إلى عرقلة المرشح الدنماركي، وقطف ثمار ذلك على الصعيد الإسلامي وداخلياً، نظراً إلى تساهل الدنمارك مع قيام جماعة يمينية متطرفة بإحراق القرآن والعلم التركي في كوبنهاغن.
4 -عقبة الكتلة الشرقية في الحلف، والتي قد يكون لها رأي آخر.
في المحصّلة، إذا لم يتفق أعضاء الناتو على مرشح جديد، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تمديد قصير آخر لستولتنبرغ، ثم الحاجة إلى "تحديث" قائمة المرشحين بعد ذلك. أمّا بالنسبة إلى أوكرانيا، فأبواب الناتو ستبقى مغلقة في وجهها إلى حين موافقة الأميركي، وهذا يبدو مستبعَداً في المستقبل المنظور.