كيف تحولت الحرب الأوكرانية إلى منجم ذهب للسعودية؟ وما علاقة لعبة الغولف؟
في الوقت الذي ما زالت دول العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تعاني ارتدادات الأزمة الأوكرانية التي أعادت رسم الخارطة الجيوسياسية على مستوى الطاقة - بين بلدان انزلق اقتصادها نحو الهاوية وأخرى تصارع للبقاء - تبدو السعودية كأنها تعيش في كوكب مختلف.
نرى قادة السعودية يتوجهون تارةً إلى بناء المدن الذكية، وطوراً لا يترددون في شراء لاعب كرة قدم بمئات الملايين من الدولارات، لينتهي بهم المطاف حالياً بوضع اليد على واحدة من أشهر وأعرق الرياضات الأميركية، وهي لعبة "الغولف".
أما سرّ هذا الترف المالي المستجد، فيرتبط في جزء منه بالصراع القائم في أوكرانيا الذي أحدث فورة كبيرة في أسعار النفط، فضلاً عن إجادة الرياض استغلال المنازلة الاقتصادية الجارية حالياً بين روسيا والغرب وتجييرها لمصلحتها.
أموال السعودية والأزمة الأوكرانية
إن أحد الأسباب الرئيسية التي رفدت خزائن المملكة هذه الفترة هو أن الحكومة السعودية تستغلّ الحرب في أوكرانيا لتوسيع قدرتها على المناورة في علاقاتها الدولية واعتماد خيارات بديلة كانت قد بدأت بتطبيقها مؤخراً، بعيداً نوعاً ما من رغبات الغرب وموافقته.
منذ اندلاع المواجهة الروسية - الأطلسية، تستخدم الرياض سلطتها القوية على أسواق الطاقة للحفاظ على أسعار النفط مرتفعة، رغم صراخ الغرب ورفضه هذه الإجراءات، نتيجة التكاليف الباهظة التي تكبدها المستهلكون في الاقتصادات المتعثرة بالفعل في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
لكنَّ السعودية لم تقف عند هذا الحدّ، فهي تشتري نفطاً أرخص من روسيا لاستخدامه محلياً، وتعمد في المقابل إلى تحرير المزيد من نفطها وتصديره بهوامش عالية جداً.
أما فوائد هذه السياسة، فتعود بالمنافع المشتركة على كل من السعودية وروسيا؛ فمن جهة، ستنمح أرباح النفط تلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأموال الضرورية لمواصلة حملته العسكرية، والأهم أنها تساعده على تحمل العقوبات الغربية. ومن ناحية ثانية، ستمكن ولي العهد السعودي من إنفاق بعض الأرباح هذه لشراء النفوذ في الغرب لتحييد أي معارضة لاستراتيجيته الجديدة المناقضة للتوجهات الأطلسية (جزئياً).
"أرامكو" وصفقات شراء لعبة الغولف الأميركية
تبعاً لهذه السياسة، حققت شركة النفط الحكومية السعودية "أرامكو" أرباحاً قياسية بلغت 161.1 مليار دولار العام الماضي، أي بزيادة قدرها 47% عن عام 2021. واللافت هنا، وفي خطوة لتهدئة خواطر واشنطن والأطلسي، منحت الرياض أوكرانيا 400 مليون دولار كمساعدات إنسانية.
لكن ما علاقة ذلك بلعب الغولف في أميركا؟ من المقرر أن يصبح ياسر الرميان، وهو رئيس مجلس إدارة أرامكو النفطية، رئيساً لشركة الغولف الربحية المدمجة حديثاً، التي ستجمع بين "رابطة لاعبي الغولف المحترفين" (PGA Tour) ودوري "LIV GOLF" الممول من السعودية ودوري "موانئ دبي العالمية".
صحيح أن السعوديين كانوا أثرياء بالفعل، ولديهم تاريخ طويل في شراء الألعاب الرياضية والاستثمارات الإعلامية وغيرها من الألعاب المؤثرة، ولكن لا يمكن اعتبار مبلغ 2 مليار دولار الذي استثمره صندوق الاستثمارات العامة في شركة الأسهم الخاصة بجاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب، على أنه أي شيء سوى تدخل مباشر في السياسة الأميركية من خلال أداة ترامب وعائلته.
وبناء عليه، ليس من قبيل المصادفة أن ترامب كان قد توقع بشكل مثالي اندماج لعبة الغولف العام الماضي، وهذا يعود إلى طموحه بالاستفادة منها مالياً أيضاً، من خلال شروط تفضيلية لاستضافة الأحداث الرياضية في نوادي الغولف التي يمتلكها.
وعند هذه النقطة بالتحديد، يتوقف عدد من المشرعين في الكونغرس، محذرين من أن السعوديين "يستخدمون هذه الشركة المستحدثة لتحويل الأموال إلى المرشح الجمهوري المحتمل لمنصب الرئيس كوسيلة لمواصلة إبقائه في صفهم". ويتساءل هؤلاء إن كانت هذه الرياضة ستصبح، على حد قولهم، "الوسيلة التي تضع بها حكومة أجنبية الأموال في جيب الشخصيات السياسية الأميركية"؟
من هنا، تمثل صفقة الغولف تصعيداً لهذه الاستراتيجية. ولهذه الغاية، يعتبر السناتور كريس مورفي (ديمقراطي من كونيتيكت) أن السعوديين يستخدمون رياضة الغولف بالفعل للتدخل السياسي الأميركي.
أكثر من ذلك، يدعو مورفي إلى التدقيق في هذا الاندماج لأسباب تتعلق بالأمن القومي. من وجهة نظره، "هناك عواقب وخيمة تأتي من ديكتاتورية أجنبية، وهي تتعارض تماماً مع المصالح الأميركية، وبالتالي امتلاك رياضة أميركية كبرى". لذا، يدعو المشرعين الفيدراليين إلى التدخل في الصفقة وتفعيل تحقيقات الكونغرس المطروحة على الطاولة.
موقف إدارة بايدن من صفقة الغولف
البيت الأبيض، بحسب مسؤولين أميركيين، يعرف أن السعوديين يمولون خصوم الرئيس، الأمر الذي قد يفسر جزئياً (إلى جانب العوامل الجيوسياسية) التراجع الكامل عن وعد بايدن أثناء حملته الانتخابية بمعاملة محمد بن سلمان على أنه "منبوذ".
وبناء على ذلك، يشدد هؤلاء المسؤولون على أن السعوديين يتدخلون في السياسة الأميركية لدعم الأشخاص الذين سيوقفون دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في حالة انتخابهم.
وبناء على ذلك، تتبع إدارة بايدن سياسة المهادنة مع السعودية، وتغالي في محاباة ابن سلمان، في رأيهم. لذلك، عندما زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المملكة لمدة 3 أيام الأسبوع الماضي واجتمع بولي العهد، كانت البنود الرئيسية على جدول الأعمال هي: التطبيع مع "إسرائيل"، ومحاربة "داعش"، وصفقات الطاقة النووية، ومبيعات الأسلحة، ولكن المثير أنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن أوكرانيا كانت ذات أولوية في الاجتماعات أو أن صفقة الغولف ظهرت أثناء المحادثات على الإطلاق.
في المحصلة، إن التفسير الوحيد لقضية انتزاع السعودية الغولف الأميركي لا يرتبط بقصة حقوق إنسان أو بميل المملكة إلى "تبييض سجلها أو أنها قصة غسيل رياضي"، كما يقول البعض، بل إنه يمثل مفتاحاً لمحاولات السعودية شراء غطاء سياسي، لأنها تحول سياستها الخارجية بعيداً من الغرب، لا سيما تجاه روسيا والصين وإيران.