في ذكرى النكسة.. كيف قلبت عملية محمد صلاح المعادلة؟

في ذكرى نكسة عام 1967، تأتي اليوم العملية من جانب الجندي المصري محمد صلاح. فكيف انقلبت هذه العملية على مفاعيل النكسة؟
  • رجل أمن مصري تجاوز الحدود وتخطى كل الإجراءات وقتل جنوداً إسرائيليين

ذكرى النكسة، أو حرب عام 1967، والتي انتهت بهزيمة الجيوش العربية واحتلال أراضٍ عربية، بتداعياتها الرمزية والمعنوية على الدول والشعوب العربية، ليست قدراً مأسَوياً ثابتاً يذكّر بالوهن والخوف، كما يرغب الاحتلال وشركاؤه من المستسلمين.

في ذلك اليوم، أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند الساعة الـ 8:45 من صباح يوم الإثنين، في 5 حزيران/يونيو 1967، بصورة مباغتة وبكثافة، مدة 3 ساعات، على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل، في 3 موجات من الغارات.

واستهدفت "إسرائيل"، عبر ضربات جوية، المطارات العسكرية والطيران الحربي في كل من مصر وسوريا والأردن، الأمر الذي مكّن الطيران العسكري الإسرائيلي من تأمين السيطرة الجوية على أرض المعركة طوال مدة الحرب، التي لم تدم سوى 6 أيام فقط، وانتهت في 10 حزيران/يونيو بهزيمة للعرب، عُرفت بـ"نكسة حزيران"، أو "حرب الأيام الـ6"، ليتخذ تاريخ الشرق الأوسط والمنطقة وفلسطين منذ ذلك التاريخ مساراً مغايراً.

توالت الضربات الجوية الإسرائيلية على الدول العربية، ودمّر الطيران الإسرائيلي خلالها، بين 70 و80% من العتاد العسكريّ العربيّ، بينما لحق الضرر بما بين 2 و5% من العتاد العسكريّ الإسرائيلي.

الخامس من حزيران/يونيو هذا العام هو النقيض للخامس من الشهر نفسه عام 1967، بحيث استطاع رجل أمن مصري تجاوز الحدود، وتخطي كل الإجراءات، وقَتْلَ جنديين إسرائيليين، قبل الاشتباك مجدداً مع قوة إسرائيلية، وقَتْلِ جندي ثالث منها، ليصدّع بذلك صورة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي.

وبينما كان "جيش" الاحتلال يقوم بمناورة متعددة الساحات، تحت اسم "القبضة الساحقة"، وجّه فدائي مصري، قرب معبر العوجة عند الحدود المصرية، ضربةً مؤلمةً ومحرجةً إلى الاحتلال، في المستويين السياسي والعسكري.

في ذاك اليوم، بعثت عملية الشرطي المصري محمد صلاح الفدائية الاستثنائية برسالة تَحَدٍّ ومقاومة مدوية، تتقاطع مع روح المقاومة ورفض الخنوع والاستسلام، المتناميين من فلسطين إلى دول محور المقاومة وقواها.

وبحسب الإعلام الإسرائيلي، جاءت هذه الضربة قاسية، وفي ساحة غير متوقعة، وأظهرت أنّ هذا "الجيش" يعاني فشلاً كبيراً وخَطِراً فيما يتعلق بمنع التسلل، الأمر الذي دفع الإعلام الإسرائيلي إلى التحذير من أنّ هذا النوع من العمليات هو جزءٌ من تأكّل "الردع" الإسرائيلي وضعف صورته.

خرق لأمن "إسرائيل"

دفعت هذه العملية، التي "لا تُحتمل نتائجها"، وفق الإعلام الإسرائيلي، كبار الخبراء والمعلّقين الأمنيين في كيان الاحتلال إلى طرح "الأسئلة الصعبة"، والدعوة إلى التحقيق في هذا الفشل المريع لـ"الجيش"، إذ تظهر عمليات كهذه الفجوة الكبيرة بين واقعه على الأرض، وبين التمنيات والادّعاءات بشأن كفاءته وجاهزيته.

ويؤكد إخفاق "جيش" الاحتلال ما قالته المعلقة السياسية في قناة "كان" الإسرائيلية، غيلي كوهين، بشأن العملية، إذ أشارت إلى "التفاصيل الجديدة التي جُمعت في المؤسستين الأمنية الإسرائيلية والمصرية بعد الهجوم، التي تؤكد أنّ الشرطي المصري عمل من تلقاء نفسه".

قد يكون المجنّد المصري مقاتلاً وحيداً ببندقية واحدة وبقرار شخصي، هاجم الإسرائيليين، وترجم، عبر روحه، فكرة المقاومة التي تنبض في قلوب المصريين والعرب، إلّا أن الحدث، بدلالاته وتداعياته، يتخطى مفهوم الانتقام أو الغضب، ليعبّر عن تيار عريض وعميق تكوّن وتطور بين الشعوب العربية، وجوهره التمسك بالعداء لـ"إسرائيل"، ورفض الاتفاقات الفوقية المبرمة معها، من جانب دول وأنظمة ومؤسسات، والتعبير عن كل ذلك بتأكيد حق المقاومة الفردية والجماعية، وعدم سقوط هذا الحق بمرور الزمن.

اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يسلم مصر جثمان الشهيد محمد صلاح منفذ عملية الحدود

العملية الفدائية عند حدود مصر مع فلسطين وفي قلب موقع للاحتلال، هي واحدة من الانتفاضات الكثيرة على الواقع الذي عبّر عنه مقاومون عرب، جيلاً بعد جيل، مثلما فعل الجندي المصري سليمان خاطر والجُندي الأردني أحمد الدقامسة وغيرهما من مقاومين عبّروا عن استحالة التسليم بالأمن للاحتلال.

الخرق المدوّي لأمن "إسرائيل"، والخسارة الثقيلة لجيشها على يد جندي مصري واحد، مع ما يمثلانه من نقض لجوهر الهزيمة وتعزيز لثقافة المقاومة، رفعا منسوب الإيمان بالمقاومة وفعاليتها، وهي المقاومة التي باتت محوراً نابضاً بالقوة والتعاون في ساحات متعددة؛ مقاومة تردع وتحقق التوازن، وتفرض قواعدها في السياسة والميدان.

"إسرائيل" عدو تاريخي

ورداً على سؤال، فحواه: كيف انقلبت هذه العملية على مفاعيل نكسة عام 1967، التي بقيت في بعض تفاصيلها وآثارها ممتدة حتى اليوم، قال مدير مكتب الميادين في القاهرة، محمد ناصر، إنّ وقوع هذا العمل البطولي، الذي قام به جندي مصري عند الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، وقتله جنود الاحتلال، بالتزامن مع الذكرى الـ56 لهزيمة 67، يعبّران بصورة قاطعة أنّ تلك الهزيمة وتلك النكسة لم تستطيعا أن تحققا أهدافهما التي وضعها الغرب بصورة عامة، و"إسرائيل" بصفة خاصة، تجاه المنطقة العربية، وتجاه مصر بصورة محددة.

وأضاف أنّه بعد كل هذه الأعوام، ما زال الشعب المصري مدركاً تماماً حقيقة، مفاده أنّ "إسرائيل" هي العدو التاريخي، ليس للعالم العربي فحسب، لكن لمصر بصورة خاصة، وهو ما رسخه الجندي محمد صلاح، الذي لم يتجاوز عمره 22 عاماً.

ولفت إلى أن محاولة توجيه ضربة في عام 1967، أو حتى فيما تمّ بعد ذلك من توقيع اتّفاقيات التطبيع، ومرور ما يزيد على أربعة عقود على تلك الاتّفاقيات، لم تستطع أن يقضي على فكرة موجودة لدى الضمير الجمعي المصري، ومفادها أنّ "إسرائيل" هي العدو التاريخي للمنطقة العربية.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وفيما يخص العوامل التي أدّت الى نكسة عام 1967، والتحولات في مختلف الساحات، قال ناصر اللحام، محلل الميادين للشؤون الفلسطينية والإقليمية، إن الإعلام الغربي كله، والعالم الاستعماري كله، عملا على بلورة فكرة، مفادها أن الجيوش العربية لا تستطيع تحرير فلسطين. وبالتالي، فإن مفهوم 67 هو مفهوم استكمالي لهزيمة 48، وإن لا داعي للمحاولة مرّة أخرى.

وتابع اللحام: "اليوم، نشأ جيل جديد مثل الشهيد محمد صلاح الذي وُلد بعد عام 2000 لا يعترف بهزيمة 67، ويغيّر قواعد اللعبة بصورة كاملة، ويرى "إسرائيل" زائلة، وهذا ما لم تحسب حسابه الحركة الصهيونية ولا الاستعماران القديمان، الفرنسي والبريطاني، ومعهما الولايات المتّحدة الأميركية".

وأكد أنه "أمام جيل جديد وأدوات جديدة، فإن فكرة هزيمة عام 67 انتهت".

وأشار اللحام إلى أنه، في ذكرى 5 حزيران/يونيو، استطاع محمد صلاح المصري، ومعه عشرات آلاف الشبان العرب والفلسطينيين، أن يجعلوا نهار "إسرائيل" ليلاً، واستطاعوا أن يفرضوا على الطاولة مفاهيم جديدة، و"من الآن فصاعداً، فإن 5 حزيران/يونيو يجب أن يُذكّر "إسرائيل" بأنّ هناك مَن يريد أن يثأر لما فعله الاحتلال في عام 1967".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

إذاً، في النكسة وما بعدها، مسار طويل حافل بالأحداث، من خيبات وانتكاسات، وصولاً الى نجاحات وانتصارات. في هذا الصدد، قال قتيبة الصالح، محلل الميادين للشؤون العربية والإسلامية، إن عملية الفدائي المصري عند الحدود الفلسطينية المصرية، هي بمثابة هزيمة استراتيجية لـ"إسرائيل".

ونقل الصالح، عن أحد الكتّاب العرب، حديثه بشأن نكسة حزيران، قائلاً إنّ مَن عايش النكسة كان يظن أنّها لن تنتهي أبداً، مضيفاً: "في الحقيقة، هذه الجملة المختصرة المكثّفة جداً تحمل كثيراً من المعاني. وفي تقديري، هي الأساس لما أُريد من هزيمة 67 في هذا الإطار، وهو أن تكون حالة مستمرة، وتصير جزءاً من التكوين للمواطن العربي، إلى حدّ كبير". 

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وبحسب الصالح، فإنّ الصراع منذ البداية هو صراع إرادات، قائلاً: "نتحدث عن أنّ هناك مَن آمن ورفض أن يستسلم بأي شكل من الأشكال، وهناك مَن عمل وراكم على رغم كل التحديات والمتآمرين".

اقرأ أيضاً: وهن الجدار الإسرائيلي.. أيّ دلالات لعملية الشرطي المصري سياسياً وأمنياً؟

المصدر: الميادين نت