أي مسارات ستسلكها المعارضة التركية بعد خسارتها الانتخابات العامة؟
خسر تحالف المعارضة التركية، أو تحالف الأمة، رهاناته على إمكانية إحداث خرق في المشهد السياسي التركي من خلال الانتخابات العامة بشقيها الرئاسي والبرلماني.
وشكل إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مساء اليوم الأحد فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، بفارق قارب 3 ملايين صوت، خسارة لآخر رهانات المعارضة بالفوز بالرئاسة، بعدما خسرت في الجولة الأولى فرصة الحيازة على الأكثرية البرلمانية، وحاز تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية على أغلبية مقاعد البرلمان التركي بـ 323 مقعداً.
وبعد أن عقد قسم كبير من الشعب التركي، فضلاً عن جهات عالمية كبرى، الآمال على أن يؤدي التحالف السداسي، رغم كل تناقضاته الظاهرة والخفية، إلى إنشاء أغلبية سياسية ذات توجهات جديدة في تركيا، تتجه الأنظار الآن إلى مصير هذا التحالف بعد فشله في تحقيق كلا الهدفين الأساسيين المنشودين عند مؤسسيه.
اقرأ أيضاً: إردوغان لمناصريه: سنمضي معكم بمئوية تركيا الجديدة
الطاولة السداسية: تحالفات واسعة بخلفيات متناقضة
يعتبر تحالف الأمة أو تحالف "الطاولة السداسية" كما أصبح يعرف في الإعلام التركي، أول تحالف في تاريخ الجمهورية التركية يضمّ هذا الطيف الواسع من المكونات السياسية، بحسب الباحث في الشأن التركي محمد أبو طالب.
وقد انطلق التحالف من اتفاق بين حزب الشعب الجمهوري بزعامة كليجدار أوغلو، وحزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار، بالإضافة إلى حزب السعادة، ثمّ توسّع لاحقاً ليضمّ بالإضافة إلى المذكورين، حزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، والحزب الديمقراطي برئاسة غولتيكين أويصال، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داوود أوغلو.
شكل اجتماع هذه المروحة الواسعة من التوجهات السياسية منعطفاً حقيقياً في السياسة الداخلية التركية، وإيذاناً بأنّ المعركة الانتخابية مع إردوغان وطبيعة التحدي السياسي هذه المرة ستكون مختلفة، يؤكد أبو طالب للميادين نت.
اقرأ أيضاً: بعد جولةٍ ثانية.. إردوغان يعلن فوزه في انتخابات الرئاسة التركية
ويمكن القول إنّ التخلص من حكم حزب العدالة والتنمية المهيمن برئاسة إردوغان، وإعادة النظام من رئاسي إلى برلماني، كانا الهدفين الرئيسيين لهذا التجمع، بالإضافة إلى قضية مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تضغط على المجتمع التركي، والتي اعتبرت ورقة ضغط رابحة وعنواناً للاستقطاب والتحشيد أكثر من كونها هدفاً بحدّ ذاته.
ولكنّ تحالف الأمة ضمّ توجهات وتيارات مختلفة وحتى متناقضة في داخله، من اليمين إلى الوسط إلى اليسار، وهو بصورته الجامعة قدّم نفسه كمعبّرٍ عن كل أطياف المجتمع التركي من خلال خطابٍ وسطيٍ متوازن، يشير أبو طالب.
فحزب الشعب يمثّل اليسار والعلمانيّة لكن ببصمته الجديدة والمعدلة، أي علمانية معتدلة وغير متطرفة، وهو لذلك قام بالإعتذار عن السنوات التي اضطهد فيها المحافظين أيام حكمه، أما الحزب الجيد، فهو حزب ليبرالي وسطي قومي بقيادة ميرال أكشينار، تأسّس عام 2017 بعد أن انشق عن حزب الحركة القومية، وهو بالتالي يصنّف كوسط يمين.
كما يصنّف حزبي المستقبل والديمقراطية والتقدم ذو توجه ديمقراطي ليبرالي، أي وسيط يمين أيضاً، وكذلك حزب الديمقراطية يُصنف كحزب محافظ ديقراطي، وهو كذلك وسط يمين.
ومن جهة مقابلة يوجد حزب السعادة الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل أربكان عام 2002 بعد حلّ حزب الفضيلة، والذي خرج على إثره حزب العدالة والتنمية من تحت عباءة أربكان، وهو ذو توجه إسلامي محافظ، ومناقض في كثير من القضايا لتوجهات اليسار وحزب الشعب والليبراليين.
حزب الشعب الجمهوري: مغامرة سياسية بثمن باهظ
تمكن كليجدار أوغلو من جمع أركان المعارضة ضمن اتفاق لتقوية حظوظ التحالف ضد إردوغان، ولكنّ الأحزاب الأخرى لم تضف ثقلاً حقيقياً للتحالف، بل حصلت، رغم صغر وزنها التمثيلي، على ما يقارب 40 نائباً على حساب حزب الشعب الجمهوري، يوضح الباحث والناشط السياسي التركي محمد طاهر أوغلو خلال مقابلة مع الميادين نت.
وبالمقابل، لم يحصل حزب الشعب على أصوات وازنة دعمت موقفه في وجه إردوغان من حلفائه، يؤكد طاهر أوغلو، إذ شكّلت خلفيته السياسية مخاوف جدية لدى قواعد حلفائه الشعبية، بسبب تاريخه السياسي الديكتاتوري خلال فترات توليه الحكم في تركيا.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني إعادة انتخاب إردوغان رئيساً لتركيا؟
كما شكلت سردياته العنصرية التي توارثها الأبناء عن الأجداد، على الرغم من محاولته إظهار تغيير في توجهاته، مانعاً كبيراً من تسييل الاتفاق السياسي على مستوى إقناع مناصري أحزاب التحالف بالتصويت لصالح كليجيدار أوغلو، حتى إنّ أحمد داوود أوغلو عانى بشكل كبير لإقناع عمته بانتخاب التحالف، كما نشر في حسابه في تويتر في وقت سابق.
كليجدار أوغلو أمام تحديات صعبة
يعدّ ابن الـ70 سنة ونيف سياسياً نشيطاً أثار إعجاب الشباب التركي بشكل خاص، لا سيما بقدرته على خوض نقاشات سياسية استمرت لساعات طويلة والإجابة بإسهاب على أسئلة الجمهور، على غير عادة السياسيين الأتراك، ما جعله يبدو عند جمهوره أقرب إلى الشباب من سواه، يشير طاهر أوغلو.
ويوضح الباحث السياسي التركي بأنّ الأخير يعتبر شخصية مميزة في تاريخ حزب الشعب الجمهوري، إذ تمكن من غسل تاريخ سيء السمعة لجمهوريي تركيا بشخصيته المتواضعة واقترابه من الناس، وجمع أحزاباً متناقضة معه على طاولة واحدة وللمرة الأولى، مؤسساً لتجربة جديدة وجيدة في السياسة التركية.
ولكنّ خسارة تحالفه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية تعدّ حدثاً مفصلياً في مسيرته السياسية، ما يضعه أمام مفترق طرق، إما الاستقالة من العمل السياسي كما سبق ووعد مراراً في استحقاقات سابقة، وإما متابعة العمل السياسي بشكل أقلّ زخماً بعد خسارة هذه الفرصة الذهبية.
ولكنّ استقالته من الحزب الجمهوري سيعني أيضاً خسارة كبيرة لحزبه، يؤكد طاهر أوغلو؛ إذ يصعب جداً إيجاد شخصية جاذبة تحل محله، وفي حال استقال وعاد الحزب مع سواه إلى سياساته القديمة، فذلك سيعني عودة التحفظات العميقة ضمن معارضي إردوغان على عقد أي تحالف أو صفقة مع الجمهوريين، ما سيقضي على أيّ فرص سياسية مستقبلية لدى كامل جبهة المعارضة.
ولذلك، يرجّح الباحث محمد أبو طالب أنّ بعض المتنفذين والطامحين في حزب الشعب، سيسعون للضغط على كليجدار أوغلو من أجل إزاحته والبدء بمرحلة جديدة للحزب.
اقرأ أيضاً: بعد خسارته.. كليجدار أوغلو: الانتخابات التركية لم تكن عادلة
من سيتحمل مسؤولية الخسارة؟
المشكلة الأولى التي ستبرز أولًا هو من سيتحمل ثمن هذه الخسارة المكلفة، على الرغم من كلّ الدعم الداخلي والدولي، يتابع أبو طالب.
إذ لا شكّ بأنّ كلّ فريق سيحاول إلصاق الخسارة في الفريق الآخر، وفي الأخص بين الطرفين الأقوى داخل المعارضة، أي حزب الشعب وحزب الجيد، هذا بالإضافة إلى تصفية الحسابات داخل الحزب الواحد.
وبعد الجولة الأولى من الإنتخابات، صدرت بعض التلميحات والإنتقادات داخل تحالف الأمة، والبعض أشار بوضوح إلى أنّ المشكلة كانت في شخص المرشح الذي لا يملك شعبية مرشحين آخرين كانوا مطروحين على الطاولة، أبرزهما كان عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو وعمدة أنقرة منصور يافاش.
ولكن الإستعداد للجولة الثانية أجلّ ارتفاع خطاب تحميل المسؤولية لحين انتهاء الإنتخابات، بحسب أبو طالب، ومن المتوقع في الأيام المقبلة أن ترتفع الأصوات بشأن تحميل المسؤوليات، لا سيما لدى القواعد الشعبية، كما يحتمل أن تحصل انشقاقات أو استقالات على غرار ما حصل بشكل محدود بعد الجولة الأولى.
وسبق أن انسحب حزب الجيد من الطاولة السداسية ثم عاد إليها تحت وطأة ضرورة إزالة إردوغان، ما قد يرجح فرصة أن يكون حزب ميرال أكشنار أوّل المنسحبين، في حال لم يتمّ التوافق على مسار سياسي موحد وجامع للمرحلة المقبلة.
واليوم أعلن علي باباجان، الاقتصادي التركي البارز وأحد الذين كان يراهن عليهم كليجدار أوغلو في حال فوزه لتقديم خطط علاجية لأزمات تركيا الاقتصادية، أنّه يعدّ العدة لمعركة الانتخابات البلدية في العام المقبلة.
كما أعلن كليجدار أوغلو في مؤتمر صحافي في وقت متأخر مساء اليوم قبوله بنتائج الانتخابات، مؤكداً استمراره في "النضال السياسي من أجل الحرية والديمقراطية"، ما يشي بأنّ المعارضة قد تكون مستعدة لمتابعة مسارها وتحمل التناقضات الكبيرة التي تقوم عليها، إلى حين حلول موعد الانتخابات البلدية العام المقبل، ما قد يشكل فرصة لإعادة الاعتبار السياسي لمكوناتها وخياراتها السياسية والاقتصادية، في مواجهة سياسات حزب العدالة والتنمية.