تكتيكات جديدة للمقاومة لتضليل القبة الحديدة.. فشل وإرباك إسرائيلي
تظهر فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في كل مواجهة أنها تمتلك أدوات ردع مفاجئة، ولا تتريث في إثبات قدراتها على إلحاق الأذى بـ"إسرائيل". منذ الساعات الأولى لعملية "ثأر الأحرار"، التي أتت رداً على القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، الذي أودى بحياة القادة العسكريين في حركة الجهاد الإسلامي، إضافة إلى عدد من المدنيين، وضعت المقاومة الفلسطينية معادلات وتكتيكات جديدة في مقابل القبة الحديدية الإسرائيلية.
مصادر في المقاومة الفلسطينية أكدت للميادين أنها اعتمدت تكتيكات جديدة بهدف تضليل القبة الحديدية. هذا ما ظهر جلياً من خلال المشاهد التي نُشرت لصواريخ المقاومة التي أصابت أهدافها من دون اعتراض القبة لها، وخصوصاً أن الصواريخ التي استهدفت "تل أبيب" وضواحيها هذه المرة ذات تقنيات جديدة مكنتها من تجاوز القبة الحديدية، وفقاً لمصادر الميادين.
مراسلة الميادين من شمال معبر بيت حانون قالت إن عدداً من صواريخ المقاومة سجل إصابات مباشرة في عدد من المستوطنات، وأن حالةً من الشلل التام تعيشها المناطق المحتلة، ولا سيما في محيط قطاع غزة.
ما أثار الخوف والقلق الإسرائيلي هو أن هناك رشقات صاروخية أطلقت دفعة واحدة على "تل أبيب" من غزة ولم تهز القبة الحديدة، إنما أدت إلى انطلاق صفارات الإنذار فحسب. وسائل إعلام عديدة أشارت إلى أن اعتراض القبة الحديدة للصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة لم يصل إلى نسبة 50%.
ويشكّل هذا الاعتراض نسبة متدنية عند مقارنته بمعدل "نجاح" القبة الحديدية في اعتراض القذائف الصاروخية التي أطلقت من غزة في جولات القتال السابقة. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، للمرة الأولى منذ دخول نظام الاعتراض الخدمة في "إسرائيل"، تتراجع قدرته على صد الصواريخ إلى هذا الحد.
لم تنكر المؤسسة الأمنية في "تل أبيب" تراجع مستوى اعتراض القبة الحديدية، بل اعترف "الجيش" سابقاً بذلك، وفتح تحقيقاً للتأكد من أسباب عدم تعامل نظام الاعتراض بفاعلية مع القذائف التي تطلق من القطاع.
وعلى خلفية تراجع أداء القبة الحديدية، واجه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيلاً من الانتقادات، وخصوصاً أن الفشل جاء في وقت كان يفترض أن تكون منظومة "الدفاع" جاهزة للعمل، على خلفية توقع "الجيش" إطلاق قذائف من غزة انتقاماً لاستشهاد القادة العسكريين.
رئيس مجلس مستوطنة "سديروت"، نيغيف عيدان، قال إن الحكومة الحالية حوّلت المستوطنين في غلاف غزة إلى "مواطنين من الدرجة الثانية، ولم تستطع القبة الحديدية اعتراض عشرات الصواريخ، ولم تسهم في حماية الجبهة الداخلية".
وأيضاً، حذر المعلق العسكري لصحيفة "معاريف" طال لفرام من تداعيات الاعتماد على منظومة القبة الحديدية، الذي بات ينطوي على "مخاطر كبيرة".
مخاوف إسرائيلية من تكتيكات فلسطينية جديدة
من الواضح أن تكتيكات المقاومة الفلسطينية لم تقتصر على خداع القبة الحديدية، بل بدأت بطريقة إدارة المعركة منذ اللحظات الأولى لعملية اغتيال قادة سرايا القدس، وصولاً إلى إدارة الحالة الإعلامية وتوجيه الجمهور تجاه أفعال المقاومة، وصولاً إلى الفعل الميداني عبر إطلاق الصواريخ برشقات مكثفة، واستخدام تكتيكات خاصة تتجاوز القبة الحديدية. هذا ما قاله الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي للميادين نت.
وتابع أنّ المقاومة بدأت بردها الأول على جريمة الاغتيال بعد 36 ساعة من الانتظار، وبعدما أرهقت المنظومة الأمنية والمستوى السياسي انتظاراً، حتى صار "الجيش" والمستوى السياسي يفكرون كثيراً ويتساءلون: ماذا يدور في رأس قادة المقاومة؟ وكيف سيردون؟ وفي أي ساعة؟ وما المديات التي سيصل ردهم إليها؟ وما الجبهات التي ستتفعل؟ وهل الأمر سيقتصر على جبهة غزة أم أن هناك مستويات يمكن أن تشارك فيها مختلف الجبهات، بما فيها لبنان وسوريا؟
منذ البداية، وضعت المقاومة الفلسطينية هدفاً لها بضرورة أن يكون الرد بقدر الجريمة التي ارتكبها الاحتلال، بحسب الرفاتي. وأضاف: "نظراً إلى أن الاحتلال اتخذ احتياطات كبيرة، وأخفى كل قواته ومستوطنيه على مدى 5 كيلومترات بعيداً من غزة، وأخلى جميع المستوطنات القريبة من القطاع، وأدخل من تبقى من المستوطنين إلى الملاجئ، ونظراً إلى تحيّن المقاومة الفرصة لتوجيه ضربة كبيرة إلى الاحتلال وتنسيق طبيعة الرد، فقد اختارت أن تبدأ بموجة قصف كبيرة تجاه الاحتلال بعد ظهر اليوم الثاني للجريمة، مستخدمة تكتيكات الرشقات المكثفة والمتشعبة باتجاه مناطق مختلفة".
وقد خلقت تكتيكات المقاومة التي تم تطويرها بعد تجارب سابقة حالة من الإرباك لدى الاحتلال ومنظومات "الدفاع" لديه، وخصوصاً القبة الحديدية، بحسب الرفاتي، التي لم تعد قادرة على توفير الحماية والقدرة على تجنيب مستوطنات الكيان الضربات التي توجهها المقاومة.
المخاوف الإسرائيلية من استمرار المقاومة الفلسطينية في تطوير قدراتها الصاروخية مع كثافة نيرانية كبيرة جداً، تتمثل في أن يخلق ذلك ورقة قوة كبيرة ومؤثرة في الجبهة الداخلية، بحسب الرفاتي، الذي رأى أن استمرار المقاومة في عمليات القصف على مدار الساعة يؤدي إلى استمرار انطلاق صفارات الإنذار داخل المستوطنات، ما ينعكس ضغطاً متواصلاً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
الاحتلال يعرف أن المقاومة تمتلك أعداداً من الصواريخ يمكنها تجاوز القبة الحديدية، إذ تعمل بأنظمة لا تستطيع صواريخ القبة الوصول إليها، وهو يخشى من أن يصبح لديها أعداد كبيرة من هذه الأنواع التي استخدمت بعضها في حرب عام 2014، وفي معركة "سيف القدس" عام 2021.
إضافة إلى ذلك، طورت المقاومة الفلسطينية تكتيكاتها التي تستطيع من خلالها إطلاق رشقات صاروخية تتجاوز القبة الحديدية، وتؤدي إلى سقوط قتلى وإحداث أضرار كبيرة، ما يؤثر في ثقة الجمهور بـ"الجيش" وقدرته على توفير الحماية له، وفقاً للرفاتي.
التكتيكات المعتمدة للحد من تأثير القبة الحديدية
تعتمد المقاومة الفلسطينية من باب خبرتها بالقبة الحديدة منذ بداية تشغيلها وحتى عمليات التطوير العديدة التي خضعت لها، بحسب المحلل ذاته، على تكتيكات تمكنها من إفشالها وتجاوزها، ما أدى على مدار السنوات الماضية أولاً إلى فضح سمعتها دولياً، وأيضاً اعتراض الجمهور الإسرائيلي بسبب عدم قدرتها على توفير الحماية له.
ومن أبرز تكتيكات المقاومة المعتمدة في هذا الإطار، وفقاً للكاتب السياسي، هو أسلوب القصف بالرشقات المكثفة، وهو ما استخدمته المقاومة عام 2021 تجاه "تل أبيب" عبر قصفها عدة مرات برشقات مكونة من مئات الصواريخ في الوقت نفسه، وهو ما فرض على الاحتلال التراجع عن سياسة قصف الأبراج داخل مدينة غزة. وقد كان هذا التكتيك مؤثراً بشكل واضح نتيجة رضوخ الاحتلال للمعادلة التي فرضتها المقاومة.
في الإطار نفسه، استخدمت المقاومة تكتيك القصف المتزامن لعدة مناطق في اتجاهات مختلفة، بحيث تتوزع رشقة من عشرات الصواريخ على عدد من المستوطنات والمناطق في الوقت نفسه، ما يربك القبة الحديدية ويجعلها تفشل في استهداف الصواريخ.
كذلك، إن تكتيكات المقاومة خلال الفترة الماضية والقصف المكثف والمتنوع من حيث الأماكن والمديات تستنزف القبة الحديدية، وتجعلها تطلق أعداداً كبيرة من الصواريخ، ما يمثل استنزافاً لمخزونها غير الكبير ويقلل قدرة الاحتلال في الصمود خلال أي مواجهة يطول مداها على أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير.
السايبر.. جزء من إستراتيجية المواجهة
خلال الجولة الحالية، استخدمت المقاومة الهجوم المزدوج عبر الصواريخ وسلاح السايبر والحرب الإلكترونية، إذ تتعمد استهداف القبة الحديدية إلكترونياً عبر هجمات السايبر، بالتزامن مع إطلاق الرشقات الصاروخية، وهو ما يشلّ منظومة القبة. وفي أحسن الأحوال، يجعلها تطلق أعداداً محدودة جداً. وفي بعض الحالات، يجمد عملها بشكل كامل، كما حدث في "تل أبيب" أمس.
كثافة النيران ترهق القبة الحديدية بشكل كبير، بحسب الرفاتي، وأيضاً ترهق "الجيش" الذي تفاخر سابقاً أمام الجمهور الإسرائيلي بأنه يمتلك أفضل منظومة مضادة للصواريخ في العالم، وتكتيكات المقاومة ومشاهد الدمار التي تحدثها الصواريخ تجعل الجمهور في الكيان لا يثق بجيشه.
التكتيكيات في إطلاق الصواريخ وتجاوز القبة الحديدية يعطي المقاومة الفلسطينية ورقة قوة في الضغط على المستوى السياسي في كيان الاحتلال عبر استهداف الجبهة الداخلية لديه. وبما أن الجبهة الداخلية فيه عالية الحساسية، يمكن القول إن تأثير الصواريخ على المستوى السياسي كبير في ظل اتهامات من الجبهة الداخلية للمستويين السياسي والأمني بالعجز عن توفير الحماية لهم والتعامل مع المخاطر الأمنية، بحسب المحلل ذاته.