تونس وصندوق النقد الدولي.. ما هي البدائل المطروحة؟
ذكر مركز دراسات الشرق الأوسط أنّ نية الرئيس التونسي قيس سعيّد الواضحة لإيجاد بديل للكتلة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة "قد تكون سابقة لأوانها، قبل توحيد البديل الجيوسياسي الناشئ، أو قبل أن ترغب الصين في تسريع الاتجاهات الحالية".
وأضاف المركز في تقرير بعنوان، "تونس، وصندوق النقد الدولي، والبدائل"، أنّ تصريح سعيّد خلال خطاب ألقاه في 6 نيسان/أبريل الجاري، الذي رفض خلاله الإملاءات التي تأتي مع قرض محتمل من صندوق النقد الدولي، "أثار جدلاً".
وأوضح المركز أنّ هذا الخطاب اعتُبر علامة تنذر بالسوء بالنسبة إلى البعض، وباعث للأمل للبعض الآخر، باعتبار أنّ "تونس تدرس بجدية إمكانية وجود بدائل لتمويل صندوق النقد الدولي أو حتى إعادة توجيه جيوسياسي".
تحول أيديولوجي؟
وفي السياق، ذكر المركز أنّ سعيد يلمح في الفترة الأخيرة إلى إعادة توجيه جيوسياسي بعيداً من التمويل الغربي، باستخدام ما أطلق عليه العديد من المحللين أيديولوجية سعيّد "المناهضة للاستعمار" .
وبعد تعليقات سعيّد على صندوق النقد الدولي، سأله أحد الصحافيين بشأن البديل، فأجاب: "البديل هو الاعتماد على أنفسنا". وبحسب المركز، فإنّ هذا التصريح يشير إلى بعض التقارب الأيديولوجي في رؤية "التنمية المتمحورة حول الذات" لجيل سابق من المفكرين التونسيين مثل صلاح الدين العمامي.
على المستوى الخطابي، أعطى سعيّد الأولوية للخطاب بشأن السيادة التونسية، لكن من الناحية الاقتصادية، فإنّ من الواضح أنّ "السيادة تتعرض للخطر بسبب دوامة الديون، والإصلاح المالي من خلال التقشف الذي يطالب به صندوق النقد الدولي غير قادر على تقليل ذلك، وفق مركز دراسات الشرق الأوسط.
صفقة صندوق النقد الدولي بين مؤيد ومعارض
يشير خطاب الرئيس إلى تفضيل سياسي يبدو أنه يتعارض مع تفضيل الحكومة التونسية، التي يُفهم على نطاق واسع أنّ اقتراحها الإصلاحي شرط لصندوق النقد الدولي للموافقة على 1.9 مليار دولار جديدة. ولكن يبدو أن هناك مسؤولين أو مؤسسات أخرى في الدولة ممن هم على استعداد لرفض صريح لصندوق النقد الدولي.
في 8 نيسان/أبريل، قال سياسي مؤيد لسعيد إنّ "تونس سترفض صندوق النقد الدولي، وبدلاً من ذلك ستنضم إلى مجموعة دول البريكس".
وعلى الرغم من عدم المصادقة على هذا التصريح أو التحقق منه، أجاب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في 10 نيسان/أبريل على سؤال بشأن انضمام تونس بتكرار دعمه "لتعزيز المناقشات بين أعضاء بريكس بشأن عملية توسيع المجموعة". وفي 11 نيسان/أبريل، ذكر السناتور كريس مورفي أنّ "تونس تجري محادثات مع الصين بشأن صفقة لتمويل الديون".
بريكس: تونس ضد فرنسا
في الوقت الحالي، ترتيب احتياطي طوارئ "بريكس" محجوز لأعضاء "البريكس" ولا يعمل كبديل لصندوق النقد الدولي، على الرغم من التكهنات بأنه من المحتمل أن يفعل ذلك.
وفي الوقت نفسه ، فإنّ ما يسمى ببنك "بريكس" - بنك التنمية الجديد - يعمل على غرار البنك الدولي أكثر من صندوق النقد الدولي. وأصبحت مصر، ثالث دولة من خارج البريكس تنضم إلى خطة التنمية الوطنية في شباط/فبراير.
وعلى الرغم من وجود تكهنات بأنّ الصين تجري مناقشات مع تونس لإنقاذها على أساس ثنائي، إلاّ أنّ هذا يأتي مباشرةً بعد أن استضافت الصين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبالنظر إلى إمداد تونس الرخيص من العمالة والمنتجات الزراعية والتصنيع إلى فرنسا، فمن المحتمل ألاّ تكون الحكومة الفرنسية سعيدة إذا كانت الصين ستساعد تونس على الابتعاد عن التمويل الغربي، وفق المركز.
وبصرف النظر عن بديل "بريكس"، هناك شائعات متجددة مرة أخرى عن خطة إنقاذ خليجية تيسرها الجزائر، ولكن حتى الآن يبدو أنّ دول الخليج قد ربطت التزاماتها التمويلية بصفقة صندوق النقد الدولي.
وخلُص المركز في ختام تقريره إلى أنّ "نية سعيّد الواضحة لإيجاد بديل للكتلة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة قد تكون سابقة لأوانها، قبل أن يتم توحيد البديل الجيوسياسي الناشئ، أو قبل أن ترغب الصين في تسريع الاتجاهات الحالية".
يُذكر أنّ المحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي وصلت إلى طريق مسدود بسبب عدم التزام البلد بتنفيذ برنامج إصلاح صارم لإعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عامة مثقلة بالديون ورفع الدعم عن منتجات أساسية.
وشدّد سعيّد على أنّ "السلم الأهلي ليس أمراً هيناً"، لافتاً إلى التظاهرات العارمة التي شهدها البلد خلال "انتفاضة الخبز" في 1983-1984 زمن حكم بورقيبة.
وفي كانون الأول/ديسمبر 1983 قررت السلطات رفع الدعم عن منتجات الحبوب، فارتفعت أسعار الخبز والسميد والمعكرونة، ما تسبّب في تظاهرات عنيفة وصلت إلى ذروتها في 3 كانون الثاني/يناير 1984.
وتمّ إثر ذلك إعلان حالة الطوارئ والتراجع عن رفع الدعم. وبلغت الحصيلة الرسمية لضحايا تلك الصدامات عشرات الوفيات، لكنها أعلى بكثير وفق منظمات غير حكومية.