هل دخلت معركة تفكيك القبضة الغربية على المؤسسات الدولية حيّز التنفيذ؟

حقائق تشير إلى حتميّة أن تخسر الأقلّية الغربية عصا توجيه العالم والتحكّم بمستقبله، وتُظهر واقعيةً ما قاله مندوب الصين لدى الأمم المتّحدة تشانغ جون في أنّ "التغيير يتمّ بسرعةٍ لنزع القبضة الأميركية الغربية عن المؤسسات القيادية العالمية والنظم المالية".
  •  هل دخلت معركة تفكيك القبضة الغربية على المؤسسات الدولية حيّز التنفيذ؟

الغرب الذي يمثّل أقلّيةً من حيث المساحة والناتج القومي والثروات لم يعد يُسمَح له أن يكون ناطقاً باسم البشرية، بهذا الخطاب ترفع روسيا من داخل مجلس الأمن الدولي مستوى تحدي الغرب الأطلسي، فكيف تجلّت هذه الهيمنة التي تحدّث عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؟

الواقع الجديد للعالم الذي يقدّمه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الجلسة الأخيرة، يلخّص صراعاً طويلاً ومتعدّد الجبهات ويكتسب أهميّةً مضاعفةً مع تداعي الهيمنة الغربية والأميركية تحديداً سواء بتراجع القبضة على مقدّرات وقرارات الشعوب والدول، أم من خلال الأزمة البنيوية داخل الولايات المتّحدة ودول الغرب.

واقع الغرب لم يبقَ على حاله مع التحوّلات السياسية والاقتصادية وصعود أممٍ وقوى إلى واجهة التطوّر والنمو. وبحسب موقع UnHerd البريطاني فإنّ أربعةً من أكبر خمسة اقتصاداتٍ على هذا الكوكب ستكون آسيوية، والخامس هو الولايات المتّحدة، وقد لا تبقى في تلك القائمة لمدّةٍ أطول.

في هذا الجانب، شرح محلل الميادين للشؤون السياسية ناصر أبو نصّار، أنّه منذ لحظة انطلاق المواجهة الروسية الأطلسية، لم يكن التنظير الأيديولوجي للعالم المتعدد الأقطاب قد اتّخذ مداه العالمي، خصوصاً وأنّ الصين وروسيا كانت تؤجّل المواجهة التي فُرضَت عليها.

وأضاف نصّار أنّه بعد ذلك، بعد استيعاب وإيلاء روسيا والصين جهودهما لاستيعاب الهجمة الغربية التي تعرّضت لها روسيا بالغرب الموحّد اقتصادياً، سياسياً، عسكرياً، في تلك الفترة تُركَت روسيا لتواجه هذه الماكينة الضخمة الإعلامية الغربية الموحّدة التي شوّهت في المنظار الدولي أهمّية هذه العملية العسكرية الخاصة.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وفي تعليق على كلمة لافروف الأمس، لفت محلل الميادين إلى أنّ الأمم المتّحدة في عالم متعدد الأقطاب تُهدّد طموحات واشنطن التوسّعية، بمعنى أنّ هذه الجملة التي استخدمها لافروف هدف منها الى التأطير النظري لأيديولوجيا العالم متعدد الأقطاب والتبشير للمنظومة الأممية بأنّ أمم متّحدة جديدة ستُخلَق في الحقبة الجديدة، ما يعني "عملية إعطاء المبادئ الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتّحدة مضامينها الحقيقية".

وعند السؤال عما إذا كان الاستغناء عن الدولار من قبَل روسيا والصين هو بداية حقيقية لعالم متعدد الأقطاب، يقول نصّار إنّ أقل من 5 % من المجموع البشري يتمتّعون بأكثر من ثلث الموارد العالمية، أكثر من ربع المواد الخام، هذه الثروة المتركّزة في يد الغرب بات من غير العدل أن تبقى في يد هذه الأقلّية، مشيراً إلى أنّه من جانب آخر إنّه الانعكاس الأساسي لتدويل الاقتصاد ونقل مركزه الآسيوي، يعني باختصار "انهيار مركز الغرب ونقل الثقل الاقتصادي إلى مكان البشرية الأصلي في آسيا". 

وضعية الدولار على المستوى الدولي

من جهته، شرح محلّل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية منذر سليمان أنّه بعد الحقبة الاستعمارية تمّ تكريس مصطلحات ولغة، وهي لغة غير محايدة، في محاولة تصنيف الدول، إذ بدأنا نسمع كلمة العالم المتحضّر مقابل العالم المتخلّف، وسادت عبارة العالم الأوّل مقابل العالم الثالث، وارتضى الكثير من الدول التي صُنّفَت في العالم الثالث بهذه التسمية، أيضاً دول عالم متمدن وعالم متخلّف، متسائلاً عما "هي المقاييس التي يمكن أن تقيس التمدّن أو التخلّف؟ أو العالم الغني مقابل العالم الفقير؟".

ويوضح سليمان أنّه لو نظرنا فعلياً في أنّ الموارد المتوفّرة لدى الكثير من الدول المصنَّفة في قاعدة الهرم الاجتماعي تمّ نهبها والسيطرة عليها.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وأضاف محلل الميادين أنّ الكثير من الصفقات التي تجري الآن بعد العقوبات على روسيا تتمّ حتى بالعملات البديلة، إن كان بالعملة الروسية أو حتى الصينية، مشيراً إلى أنّ هذا المسار واضح أنّه أثّر على وضعية الدولار وزخمه ومكانته على المستوى الدولي وبالتالي المسار الاقتصادي ومسار التبادل العالمي يسير باتّجاه.

وتابع شارحاً لو أنّ الدول الخليجية وخاصّةً السعودية أقدمت بشكل عملي على أن تبيع نفطها ليس بالدولار وتبدأ تبيعه بعملات أخرى، فإننا سنشهد تخلياً كلياً عن الدولار.

وأضاف أنّه استكمالاً لما تمّ الإشارة إليه سابقاً، فإنّ الصين حتى بدون البنك المركزي أو بنك التنمية تقوم على المستوى العالمي سواء  كان في أفريقيا أو في أميركا اللاتينية بتقديم العديد من القروض بدلاً عن صندوق النقد الدولي.

وتابع أنّ المشكلة الرئيسية في صندوق النقد الدولي أنه بنك غير محايد وهو أداة بيد الولايات المتحدة الأميركية.

الأيديولوجيا الوهمية .. سلاح الغرب

وأشار محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية قاسم عز الدين إلى أنّ الغرب الأطلسي أمسك بعد الحرب العالمية الثانية، بتقاليد وبمقابض السياسة والاقتصاد والثروة بالحرب.

وأضاف قاسم أنّ هناك جانب آخر استكمله الغرب بعد الحرب الباردة أو بعد ما ثبّت أوضاعه عبر الأمم المتّحدة والمؤسسات الدولية والمنظّمات ضدّ الاتّحاد السوفياتي أو ضدّ ما تبقّى من الاتّحاد السوفياتي 1990-1991 حتى أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ الغرب خاض الحرب بالأيديولوجيا الوهمية التي أقنعت الدول المعنيّة بأنّ النموذج الغربي الأميركي هو الازدهار والاستقرار والرفاهية.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وتحدث عز الدين عن ظاهرة جديدة عمرها 10 سنوات أو 15 سنة، قائلاً  أنّ العالم لم يعد مقسموماً على دول غربية ودول غير غربية فحسب، بل إنّ الدول الغربية نفسها أصبحت تقوم سياستها على خدمة الأوليغارشية على حساب شعوبها والغالبية الساحقة من شعوبها، وهذه مسألة أخرى مختلفة لم نعتد عليها في السابق. 

ووضح أنّه في بداية هذا الشهر على سبيل المثال ظهر تقرير في فرنسا ، برهن أنّ عشرة مليون فرنسي هم على حافّة الفقر، مقابل وجود 10 ملياردير فرنسي  يتحكّمون بـ66% من الثروة الفرنسية.

في النهاية يؤكد قاسم، أنّ الانهيار الأميركي هو فائدة للبشرية جمعاء بما فيها عالم الجنوب، مشيراً إلى أنّه لا يمكن حماية البشرية ومستقبل الإنسانية إلا بعالم الجنوب شريطة أن يعيد النظر بمنظومته الاقتصادية من ناحية الجموح والاستهلاك والتدمير والتبديد.

المصدر: الميادين