صراع الممرات: كيف تشتبك الخرائط الجغرافية والسياسية؟

شهدت العاصمة الأرمينية يريفان اجتماعاً ثلاثياً بين إيران وأرمينيا والهند قبل يومين.. ممرّ شمال - جنوب الذي يشكّل بديل الخيار الغربي لمستقبل التجارة في الشرق الأوسط كان موضوع البحث الأبرز، فهل يتّجه العالم نحو تغيير خريطة التجارة العالمية؟
  • اجتماع ثلاثي بين إيران وأرمينيا والهند في يريفان.

اجتماع ثلاثي بين إيران وأرمينيا والهند في يريفان، العنوان الأوّل يتمثّل بممرّ شمال - جنوب الذي يربط الهند بروسيا وشرق أوروبا عبر إيران، وهو ما يُعَدّ من أهم حلقات التجارة الدولية بين القارّتين، القرار واضحٌ بالمضيّ قدماً وها هو السفير الإيراني في روسيا يُعلن تزامناً أنّ المفاوضات التي جرت على أعلى المستويات بين موسكو وطهران انتهت الى إكمال المسارات الثلاثة لهذا الممرّ الاستراتيجي عبر الأراضي الإيرانية.

فهل نحن أمام احتمال تغيّر خريطة التجارة العالمية، لا سيّما بين آسيا وأوروبا؟ وهل تقتصر التداعيات على الشقّ التجاري أم ثمّة أبعادٌ أخرى؟

المؤكَّدّ أن الممرّ شمال - جنوب يمثّل بديلاً أساسياً للخيار الغربي لمستقبل التجارة في الشرق الأوسط في ما يمكن أن يندرج ضمن صراع الممرّات، كما إنّه يقلّل من تكلفة التجارة الدولية بنسبة تفوق 30%، وفق دراسةٍ أجرتها العلاقة العامة للملاحة الإيرانية.

المفتاح الرئيسي في هذا المشهد هو ميناء تشبهار الواقع في مدينة صغيرة جنوب شرق إيران، ومنه نحو أرمينيا التي تخطو خطواتها الأخيرة لتكون عضواً أساسياً في الممرّ في وجه ممرّات بديلة منها ممر زنغزور الذي تعمل تركيا على إنشائه وحليفتها أذربيجان. 

هل هذا ممكن؟ المؤكّد أن ممرّ شمال - جنوب سيُنهي الحصار الجيوسياسي المفروض على روسيا، ويفتح لها بوابة استراتيجية من جانب الحدود الجنوبية، ويبقي إيران ساحة للمنافسة بين أكبر القوى الاقتصادية في الشرق للاستثمار في مينائها الاستراتيجي. 

"تفكيك الأحادية القطبية" 

وتعليقاً على هذا الاجتماع من وجهة النظر الإيرانية، قال محلّل الميادين للشؤون الإيرانية، سياوش فلاح بور، إن "هناك حالة تنافسية عميقة بين إيران وتركيا في ما يتعلْق بمستقبل الخرائط التجارية في هذه المنطقة، ولا سيّما كيفية ربط آسيا في أوروبا". 

ورأى أن "إيران تركّز على إتمام هذا الممرّ الأساسي بينها والهند وروسيا وتتعاون في هذا الإطار مع القوى الشرقية، بينما تحاول تركيا إنشاء ممرّ زنغزور الذي يتشكّل بمشاركة مجموعة من الدول الآسيوية أو ما يسمونه الأتراك الحزام التركي في غرب آسيا، ومن شأنه إخراج إيران وأرمينيا بالكامل من المعادلات الجيوسياسية والتجارية في هذه المنطقة، وبالتالي يمكن القول إنّ السبب الرئيسي من وراء مشاركة تركيا بقوّة في حرب كاراباخ وأيضاً محاولتها تعزيز دورها في منطقة القوقاز كلها تأتي في إطار تنفيذ طموحات تهجير سياسية في هذه المنطقة، وإيران تقرأ كلّ هذه الأمور بالدرجة الأولى في هذا السياق".

وأشار سياوش إلى أن "إيران ترحّب بانضمام أي دولةٍ إلى هذا المشروع، لأنّه كلّما زاد عدد الدول المشاركة في ممر الشمال - الجنوب هذا فسيكون ذلك من مصلحة تركيا وإيران".

وأضاف أن "سياسة إيران الاستراتيجية هي التوجّه شرقاً، مواصلة نهضتها العمرانية في الداخل عبر التعامل مع الهند، وروسيا، و الصين،  وقد اتّخذت خطوات كبيرة فعلاً في هذا الإطار".

وقال محلّل الميادين للشؤون الإيرانية، إن "إيران حاولت خلال السنوات الماضية أن تعزز علاقاتها مع روسيا، لكن الآن هناك حديث عن تحالف أمني اقتصادي شامل يربط مصير البلدين بنجاح هذا التحالف وبتعزيز دوره إقليمياً ودولياً. كل ذلك يتمحور حول ممر الشمال - الجنوب ولا سيّما ميناء تشابهار".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وأكّد أن "هذا الممر من شأنه أن يشكّل تحالفاً ثلاثياً بين إيران وروسيا بالدرجة الأولى، والهند بالدرجة الثانية، وهذا التحالف بطبيعة الحال يملك من الطاقة ومن القوة الصناعية ورأس المال البشري كلّ ما يلزم لتشكيل تحالف ثلاثي اقتصادي باعتباره قطباً اقتصادياً وتجارياً في العالم".

الممرات التجارية الجديدة والتعددية القطبية

فيما عدّ محلل الميادين للشؤون السياسية ناصر أبو نصّار، أن "الممرات التجارية الجديدة تملك أهميّة كبرى في تشكيل العالم متعدد الأقطاب لأكثر من سبب، على سبيل المثال، مبادرة ممر الشمال - الجنوب أو طريق الحزام أو طريق الحرير الجديد، هذه الطرق خارجة عن الهيمنة الغربية؛ نظراً إلى كون الدول التي تُشرف أوّلاً على تأسيسها غير واقعة في الفلك الأميركي وفلك الأحادية القطبية". 

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وأضاف أن "إقرار  هذه المشاريع وتطبيقها على الأرض، يعني بشكل أو بآخر نقل ثقل المركز التجاري والاقتصادي العالمي في اتّجاه آسيا، ما يعني إعادة تركّز الثروة في اتّجاه آسيا وليس بيد الغرب". 

وأكّد محلل الميادين أن "خطوط نقل الطاقة أسهمت في إعادة تموضع عدد كبير من الدول مع بدء انطلاق العالم متعدد القطبية لتبدأ بإجراء تغيير سياسي في خارطة التحالفات السياسية".

ورأى، في سياق آخر، أن قيادة إيران وروسيا لمجموعة "أوبيك بلاس" حققت أرباحاً استثنائية في دول الخليج بلغت 700 مليار دولار هذا العام، ما دفع بالتقارب الخليجي الإيراني - السعودي في ظلّ علاقة مُربحة مع إيران خلاف العلاقة المُكلفة مع واشنطن"، موضحاً أن "طريق الشمال - الجنوب يُراد له أن يضمّ أكثر من 15 دولة حتى الآن بـ 7200 كلم في مرحلته الأولى، ينتهي شرقاً في الإمارات مع إمكانية للتوسّع في اتّجاه موانئ المتوسط".

واعتبر أبو نصّار أن "هذه الممرات ستؤدّي في النهاية إلى نقل الثقل الاقتصادي إلى آسيا وعودة الثقافة الآسيوية للبروز على حساب المركزية الغربية، أو ما عُرف بالمركزية الأوروبية التي أنتجت هذا الشكل الشوفيني الاستعماري الاستعلائي والاستكباري، أو ما يُسمى بثقافة الاستكبار على كل شعوب العالم".

في سياق مواز، قال محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة نزار عبّود، إنّ الولايات المتّحدة فعلاً تفقد هيمنتها على العالم، وتفقد السيطرة الغربية الاستعمارية السابقة وبعد قرون طبعاً من هذه الهيمنة، لذلك بهذا الخط الجديد، شمال جنوب وجنوب شمال تستطيع هذه الدول أن تحقق تعاونها الاقتصادي، وتستطيع مواجهة مرحلة انتقالية حاسمة في التاريخ".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وأشار إلى أن "الاقتصاد العالمي يمرّ بأزمة حقيقية ويحتاج إلى طرق ضرورية لنقل الإمدادات خاصّةً القادمة من آسيا، هناك أزمات كثيرة في الموارد والنقل السريع. هذه الطريق تُغني طبعاً عن المرور بقناة السويس وهي رحلة طويلة ومكلفة جداً وقد تطرّقتم إليها في التقرير، 30% من التكلفة تخفّ في هذه الحالة، لذلك المنطقة تحتاج إلى هذا التعاون بشكل كبير وكذلك العالم يحتاج إليه".

وأضاف محلل الميادين أن "هناك تاريخاً مشتركاً بين أرمينيا وإيران، فقد كانت أرمينيا جزءاً من الإمبراطورية الإيرانية في أوائل القرن التاسع عشر، في الحرب الروسية الإيرانية انفصلت أرمينيا عن إيران بنتيجة الحرب، لكن بقيت العلاقات قائمة بين هاتين الدولتين. 

من ناحية أخرى، رأى عبود أن أرمينيا تعاني من علاقة سيئة مع أذربيجان بسبب التنافس على الحدود، والصراعات الدائمة. وأيضاً التاريخ الدامي بينها وبين تركيا، بالتالي هناك نوع من التقسيم في المنطقة، محور تركي ومحور إيراني، وروسيا جامعة للجهتين، لكن في  الوقت نفسه روسيا منهمكة كثيراً في الصراع في أوكرانيا، وبالتالي تشعر هذه الدول أنّ عليها أن تتعاون في ما بينها من أجل مصالحها.

المصدر: الميادين