تواصل القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع
تواصل القتال في العاصمة السودانية، أمس الأحد، بعد إعلان الجيش وقوات الدعم السريع في بيانين منفصلين الاتفاق على مقترح للأمم المتحدة بفتح "مسارات آمنة للحالات الانسانية" لثلاث ساعات، وبعد مقتل أكثر من 50 مدنياً، بينهم 3 عاملين في برنامج الأغذية العالمي.
وفيما أفاد أطباء بإصابة المئات من جراء المعارك، حذرت منظمة الصحة العالمية في بيان من أنّ "العديد من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين المصابين، تعاني نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية".
وأضافت: "مع استمرار القتال في الخرطوم وأجزاء أخرى من السودان، تحضّ منظمة الصحة العالمية جميع أطراف النزاع على احترام حيادية الرعاية الصحية وضمان الوصول غير المقيّد للمصابين إلى المرافق الصحية".
وأثارت المواجهات الدائرة منذ السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع إدانات دولية ومخاوف إقليمية، ما أدّى إلى إغلاق حدود مصر وتشاد المجاورتين. وتبادلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بالمبادرة إلى القتال.
والأحد، كان دوي القصف يُسمع في شوارع الخرطوم المهجورة التي انتشرت فيها رائحة البارود القوية، بحسب شهود.
واستؤنف القتال بعد حلول المساء، فيما يلازم السودانيون منازلهم وسط مخاوف من صراع طويل قد يعمّق حالة الفوضى ويبدد آمال الانتقال إلى حكم بقيادة مدنية.
وأوضح بيان الجيش أنّه تقرر فتح المسارات 3 ساعات، بدءاً من الرابعة بعد الظهر، لتنتهي العملية عند السابعة مساء. وأكّدت قوات الدعم السريع أنّ الجانبَين يحتفظان بحقهما في الرد في حالة حدوث تجاوزات من الجانب الآخر.
وعلى الرغم من ذلك، ظل يُسمع دوي إطلاق نار كثيف في وسط الخرطوم قرب المطار، فيما تصاعد دخان أسود كثيف من المنطقة المحيطة.
من جهة أخرى، قُتل السبت 3 عاملين في برنامج الأغذية العالمي في إقليم دارفور غربي السودان، بحسب الممثل الخاص للأمم المتحدة للسودان فولكر بيرثيس، الذي "دان بشدة الهجوم على موظفي الأمم المتحدة" ومنشآت المنظمات الإنسانية في دارفور.
وقال بيان صادر عن مكتبه إنّ برنامج الأغذية العالمي قرر تعليق عمله في السودان بسبب الأوضاع الراهنة.
عشرات القتلى
وتحوّل التوتر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" إلى مواجهات عنيفة السبت بعد تصعيد في الخلافات السياسية في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، فإنّ "إجمالي القتلى المدنيين بلغ 56"، أكثر من نصفهم في الخرطوم وضواحيها، فيما لقي "عشرات" الجنود وعناصر القوات شبه العسكرية حتفهم. وإضافة إلى ذلك، أصيب نحو 600 شخص بجروح.
والأحد، قال أحمد حامد (34 عاماً) المقيم في إحدى ضواحي الخرطوم إنّ "إطلاق النار والانفجارات يتواصل".
وقال أحمد سيف الذي يعيش مع زوجته وأولاده الثلاثة في شرق الخرطوم لوكالة "فرانس برس": "كانت ليلة صعبة جداً. لم ننَم بسبب دوي الانفجارات وطلقات الرصاص".
وذكرت قوات الدعم السريع التي تضم آلاف المقاتلين السابقين في حرب دارفور الذين تحولوا إلى قوة رديفة للجيش، أنّها تسيطر على المقر الرئاسي ومطار الخرطوم وبنى تحتية أساسية أخرى، لكن الجيش ينفي سيطرتها على المطار.
وتستخدم كل أنواع الأسلحة من بندقيات ومدفعية وطائرات مقاتلة في هذه المعارك التي تشهدها العاصمة ومدن أخرى في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، والتي تعد من بين أفقر دول العالم.
"محاسبة المسؤولين"
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس بـ"محاسبة المسؤولين" عن مقتل العاملين في برنامج الأغذية العالمي.
وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك، في بيان، إنّ الأمين العام "يدين بشدة" مقتل مدنيين، من بينهم الموظفون الأمميون الثلاثة، وأعرب عن أسفه "لتضرر مباني الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى بمقذوفات وتعرضها للنهب في أماكن عدة في دارفور".
وذكر برنامج الاغذية العالمي، من جهته، تضرر إحدى الطائرات المستخدمة في عملياته السبت في مطار الخرطوم الدولي.
وأكدت مديرة البرنامج سيندي ماكين أنّ "برنامج الأغذية العالمي ملتزم بمساعدة الشعب السوداني الذي يواجه انعداماً حاداً في الأمن الغذائي"، معقبةً: "لكننا لن نستطيع القيام بعملنا الذي ينقذ الأرواح إذا لم يتم ضمان سلامة طواقمنا وشركائنا".
وبحسب الأمم المتحدة، يحتاج ثلث سكان السودان إلى مساعدات إنسانية.
اتفاق مجهض
تشكلت قوات الدعم السريع عام 2013، وانبثقت من ميليشيا "الجنجويد" التي اعتمد عليها الرئيس السابق عمر البشير لقمع التمرد في دارفور.
ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في 2021، بسبب خلافات بين الأخير ودقلو.
وكان من شأن هذا الاتفاق الذي لم يوقع إحياء عملية الانتقال الديمقراطي في السودان وفتح الباب أمام خروج البلاد من الأزمة.
وشكل البرهان وحميدتي جبهة واحدة عندما نفّذا الانقلاب على الحكومة في 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021، إلا أنّ الصراع بينهما ظهر إلى العلن خلال الشهور الأخيرة وتصاعد.
ووجهت نداءات لإنهاء القتال من جميع أنحاء المنطقة والعالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا.
ولأنّ الحرب بين الجنرالين إعلامية أيضاً، فقد تحدث حميدتي السبت عبر قنوات عدد من دول الخليج، مضاعِفاً التهديدات ضدّ خصمه البرهان الذي لم يظهر حتى الآن.
وطالب حميدتي برحيل "البرهان المجرم"، فيما نشر الجيش عبر حسابه في "فيسبوك" مذكرة للقبض على حميدتي.
وحالت الخلافات بين العسكريين دون الحلّ السياسي في البلد الذي مزقته الحرب لعقود، والذي يحاول منذ العام 2019 تنظيم أول انتخابات حرّة بعد 30 عاماً من الديكتاتورية العسكرية.