الإضرابات تشلّ فرنسا.. وتخوف من أن تنتقل العدوى إلى أوروبا
بعد مرور قرابة الشهرين على اقتراح الحكومة الفرنسية، رفع سن التقاعد القانونية إلى 64 عاماً بحلول العام 2030، والمدعوم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا تزال المدن الفرنسية، وبدعوةٍ من النقابات العمالية، تشهد تظاهرات احتجاجاً على هذا التعديل.
وأجّج هذه التظاهرات، تمرير مشروع تعديل نظام التقاعد، المثير للجدل، من دون تصويت في الجمعية الوطنية، مستنداً إلى بند دستوري يتيح له ذلك.
وقالت نقابة الـ"سي جي تي" (CGT) (الكونفدرالية العامة للعمل) الفرنسية، أمس الثلاثاء، إنّ مليونَي فرنسي شاركوا في التظاهرات في مختلف المناطق الفرنسية.
بدورها، كشفت صحيفة "لو موند" الفرنسية أنّ عنف الشرطة في فرنسا قد يكون الأقسى في أوروبا، إذ أشار موفد الميادين إلى فرنسا إلى اندلاع مواجهات مع عناصر الشرطة خلال تظاهرات باريس، في ظلّ استخدام الشرطة الغاز المسيّل للدموع.
وفي السياق، ذكر موقع "UNHERD" البريطاني أنّ ما تشهده فرنسا قد يكون بدايةً لاضطراب اجتماعي أكبر كثيراً في جميع أنحاء أوروبا، في الأشهر المقبلة.
وضع اقتصادي صعب
وفي السياق، كشفت صحيفة "لو موند" الفرنسية، أنّ الدين العام الفرنسي بات قريباً من عتبة 3 تريليون يورو، أي ما يعادل 111.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتزامن ارتفاع الدين العام، مع ارتفاع في معدلات التضخم في فرنسا بشكل غير متوقّع، حيث زاد إلى نحو 7.2%، مرتفعاً من 7%، ومتجاوزاً التوقعات بأن يبقى بلا أي ارتفاع، وفق إحصاءات شهر شباط/فبراير.
وكشف موقع "francetvinfo" الفرنسي، أنّ عدداً من الفرنسيين يقدمون على سرقة محلات السوبر ماركت ومنتوجاتها بعد أن سحقهم التضخم في بلادهم، حسبما عبّر التقرير.
وذكر موقع "UNHERD" البريطاني أنّ ما تشهده فرنسا قد يكون بدايةً لاضطراب اجتماعي أكبر في جميع أنحاء أوروبا، في الأشهر المقبلة.
ولفت الموقع إلى أنّ تكاليف المعيشة ارتفعت في جميع أنحاء أوروبا، مدفوعةً بأزمة طاقة ناجمة عن العقوبات الغربية ضد روسيا، مضيفاً أنّ أسعار الكهرباء ارتفعت في كانون الثاني/يناير بنسبة 15% في فرنسا، ولولا الدعم الحكومي لكانت تضاعفت.
من جهته، رأى موقع "سبايكد" البريطاني، أنّ احتجاجات تعديل نظام التقاعد في فرنسا تُظهر أنّ قبضة ماكرون على السلطة ضعيفة.
وتابع الموقع: "الجمهور مشكّك في كلام ماكرون، حيث ارتفع الدين العام بمقدار 600 مليار دولار منذ تولّيه السلطة في عام 2017".
لماذا تراجعت شعبية ماكرون؟
بدورها، نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية استطلاعاً للرأي يظهر انخفاضاً في ثقة الفرنسيين بماكرون.
وذكرت الصحيفة أنّ شعبية ماكرون أظهرت انخفاضاً بمقدار 5 نقاط في شهر واحد، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ إعادة انتخابه رئيساً للبلاد.
وقالت الصحيفة، إنّه "ينبغي أن يقلق ماكرون لأنّ 64% من الفرنسيين لا يثقون به"، ومنهم "41% لا يثقون به على الإطلاق".
وأشارت إلى عنصر آخر مقلق، وهو تراجع "الثقة في رئيسة الوزراـء إليزابيث بورن، التي تتبع نفس المنحدر"، وفق الصحيفة، وبالتالي "تفقد القدرة على حمايته"، لافتةً إلى أن نسبة الذين لا يثقون في بورن "انتقلت من 48% في حزيران/يونيو 2022 إلى 64% في آذار/مارس الجاري".
كذلك، أفادت صحيفة "بلومبرغ"، أنّ شعبية ماكرون تتضاءل الآن أيضاً بين أولئك الذين صوّتوا له العام الماضي والمواطنين الذين يدعمون سياساته.
بدورها، أشارت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، إلى أنّ ماكرون، يدفع ثمناً باهظاً لدفعه لتعديل نظام المعاشات التقاعدية.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ "70% من المتظاهرين الفرنسيين الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على تعديل نظام المعاشات التقاعدية غير راضين عن الرئيس ماكرون".
وفي وقت سابق، قال النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية أندي كيربرات، في حديث إلى الميادين، إنّ ماكرون قام بتهشيم قانون العمل الفرنسي.
وأشار كيربرات إلى أنّ "نهج ماكرون منافٍ للديمقراطية، وهو يلوي ذراع الجمعية الوطنية، ويقود فرنسا إلى مسار في اتجاه الدكتاتورية" ووفق النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية، فإنّ أصحاب رؤوس الأموال هم الذين استثمروا الحرب في أوكرانيا واستغلّوها.
وأكد رئيس العلاقات الدولية لـ "فرنسا الأبية"، وعضو مكتب زعيم الحزب جان لوك ميلينشون، كريستيان رودريكيز ألفاريس، للميادين نت، أنّه "لأكثر من 5 سنوات، كان ماكرون رئيساً للأثرياء، وسياسته هي تقديم الهدايا للأثرياء، من دون مراعاة الأفقر".
وفي حين أثقل التورّط في الحرب الأوكرانية، لا سيما العقوبات على روسيا ومليارات الدولارات التي أرسلت لكييف، شعوب الاتحاد الأوروبي، مع تراجع القدرة الشرائية والتضخم وشحّ عشرات المواد الأساسية، وتحديداً في قطاع الطاقة، يبدو أنّ الأمور في فرنسا تتجه نحو التصعيد، لأنّ المشكلة الأساسية أبعد من تعديل نظام التقاعد، وهي تتعلّق بالتراجع الحاد في مستوى الرفاهية لدى المواطن الفرنسي.