عن تجميل صور العبودية في أميركا وطمس حقيقتها في كتبها المدرسية

طوال القرن العشرين وحتى يومنا هذا، غالباً ما تتستر الكتب المدرسية على العبودية، وتعاملها ليس على أنها مركزية في القصة الأميركية، ولكن باعتبارها عيباً مؤسفاً جرفته دماء الحرب الأهلية.
  • عن تجميل صور العبودية في أميركا وطمس حقيقتها في كتبها المدرسية

حتى التاريخ لم يسلم من تزوير الأميركيين، وكأنّ السفن التي عبرت المحيط الأطلسي ذات يوم خلال القرون الماضية، محمّلة بـ 12 مليون أفريقي تم إحضارهم إلى الأميركيتين ومنطقة البحر الكاريبي، مقيّدين معاً بالسلاسل ومكدّسين في عنابرها، كانوا في رحلة استجمام للترفيه عن أنفسهم، وليس بهدف استعبادهم وإجبارهم على القيام بأعمال السخرة ومعاملتهم كالحيوانات.

 ورغم هذه الحقيقة التاريخية المثبتة والمؤلمة، لجريمة العبودية في الولايات المتحدة، إلا أنّ بعض السياسيين في هذا البلد (ولا سيما اليمينيون المتطرّفون منهم) يجهدون هذه الأيام لقلبها، وتزييفها، ومحو عارها عن جبين بلادهم، والأهم أنهم يعملون على تجميل تلك الصورة الوحشية للعبودية عبر محاولاتهم  تزوير الممارسات الفظيعة للمواطنين الأميركيين البيض، في تلك الفترة الحافلة بالظلم والقهر والفظائع وجرائم القتل والاغتصاب المرتكبة، بحق أصحاب البشرة السوداء، أما الذريعة الواهية التي يسوقها هؤلاء السياسيون حالياً، لتبرير محاولاتهم لطمس حقيقة العبودية في أميركا، فهي عدم تحميل الأجيال البيضاء الناشئة عقدة ذنب ما اقترفه أجدادهم.

وانطلاقاً من هذه النقطة، وبعد حوالي أكثر من قرن ونصف القرن من حظر العبودية في أميركا، و400 عام من أول وصول موثّق للعبيد من أفريقيا إلى فرجينيا بولاية فلوريدا، لا يزال هذا المرض الموروث باقياً، في نفوس عدد كبير من القيادات الأميركية، وفي مقدّمهم المرشح الرئاسي الجمهوري اليميني الحالي حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي  نجح في تحويل قضية الدراسات الأميركية ــ الأفريقية المتقدّمة، إلى حرب ثقافية تخضع للضغط السياسي، وحقّق مبتغاه نوعاً ما، من خلال تجميد تلك الدراسات وإلغاء معظمها، خصوصاً في ولاية فلوريدا التي تبعتها ولايات أخرى في تطبيق هذا النهج. 

 كيف تتعاطى الكتب المدرسية الأميركية مع مأساة العبودية؟ 

في الحقيقة تملأ المعلومات المضلّلة والتدريس الخاطئ حول  "الجريمة الأصلية" لأميركا فصولها الدراسية منذ سن مبكرة. فهناك الكثير من والجهل والإنكار للعبودية، إذ نادراً ما تقوم الكتب المدرسية بأكثر من مجرد إلقاء نظرة سريعة على العبودية، وما رافقها من قهر وقتل. 

ولهذا السبب، قبل سبع سنوات فقط، أخبرت الكتب المدرسية الطلاب أن "العمال" السود تم إحضارهم من أفريقيا إلى أميركا، متجاهلة الرجال والنساء والأطفال المقيدين بالسلاسل. بحيث وصلت محاولات طمس الحقائق، إلى حدّ أن يطلب أحد المعلمين من طلابه وضع قائمة بالجوانب "الإيجابية" للعبودية. 

ومع أن بعض النقاد اقترح، أن تعليم الحقيقة عن العبودية يمكن أن يساعد في علاج آثارها المؤلمة، لكنّ السياسيين كالمرشح الرئاسي رون ديسانتيس، ومعه عدد كبير من اليمنيين المؤيدين لنظريته، يصرّون على عدم الاعتراف بفساد العبودية وضرورة استكشافها من قبل الطلاب، فضلاً عن أنهم يرفضون سرد ​​القصص الشخصية للعبيد، والقسوة الجسدية والنفسية والعنف الجنسي الذي تعرّضوا له، والفصل بين الأزواج والزوجات، والآباء والأطفال، والكثير الكثير من القصص الفظيعة التي لا تنتهي. 

زد على ذلك، أنه صحيح لم يتم قبول العبودية من قبل الجميع في أميركا، لكنها كانت محمية بالقوانين بما فيه الكفاية، ثم عزّزتها الممارسة، وخلقت الأعذار لأجل تبريرها في جميع أنحاء البلاد. ولهذه الغاية يطالب المثقفون السود، أن يُشرح للطلاب الأميركيين هذه الأيام، ليس فقط كيفية ظهور هذه الممارسة الشريرة التي كانت "مقوننة" في مرحلة ما، ولكن أيضاً كيف تم قبولها واحتضانها وغرسها في الحياة اليومية الأميركية، منذ إحضار الأفارقة المستعبدين إلى جيمستاون بولاية فرجينيا قبل 400 عام.

ماذا عن تزييف حقائق الممارسات العبودية الفظيعة في المدارس الأميركية؟

عملياً، طوال القرن العشرين وحتى يومنا هذا، غالباً ما تتستر الكتب المدرسية على العبودية، وتعاملها ليس على أنها مركزية في القصة الأميركية، ولكن باعتبارها عيباً مؤسفاً جرفته دماء الحرب الأهلية. اللافت أنه من مرات قليلة تعلّم فيها الطلاب أن العبودية كانت سائدة لبعض الوقت في الشمال، أو أن اقتصاد هذه المنطقة كان يعتمد لفترة طويلة على إنتاج العمل بالسخرة في الجنوب. 

والأسوأ أن استعباد الأميركيين الأصليين، الذي سبق وصول أول أفارقة مستعبدين، لم يُذكر في الكتب المدرسية، إلا بشكل عابر. علاوة على ذلك، تمّت تغذية العديد من الجيل الأميركي الجديد، بقصص في المدرسة تخفي حقيقة العبودية. حتى أن بعض الكتب المدرسية روّجت لفكرة أن الأفارقة الذين جلبوا في سلاسل كانوا في الواقع أفضل حالاً، وإليك بعض الأمثلة:

قرأ الطلاب في كتب التاريخ المدرسية في ألاباما في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي التالي: "مع كل عيوب العبودية، تجدر الإشارة إلى أنها كانت أول شكل من أشكال الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة". أما الطامة الكبرى فتمثّلت بتصوير هذه الكتب، أن حكم السجن أو إعدام العبد، هو عقاب للسيد أكثر منه للعبد، لأنّ العبد كان ممتلكات ثمينة".

ليس هذا فحسب، فقد أخبر كتاب مدرسي آخر في فرجينيا من الحقبة نفسها الطلاب أن فرجينيا "قدّمت حياة أفضل للزنوج مقارنة بأفريقيا. ففي منزله الجديد، كان الزنجي بعيداً عن الحراب وهراوات القبائل المعادية. كان لديه بعض وسائل الراحة في الحياة المتحضّرة". 

 أكثر من ذلك، وصفت عقوبة العبيد بأنها نادرة ومؤسفة ولكنها ضرورية. جاء في كتاب فرجينيا: "معظم السادة لم يرغبوا في معاقبة عبيدهم بشدة. والأنكى هو محاولة التخفيف من فظائع الممارسات العبودية، كما جاء في أحد الكتب التي تضمّنت فقراته التالي: "في تلك الأيام كان الجلد أيضاً الطريقة المعتادة لتصحيح أفعال الأطفال. نظر المزارع إلى عبيده كأطفال وعاقبهم على هذا النحو".

 ما تجدر معرفته هنا، أنّ هذه الصور الخيرية التجميلية للرقّ، لم تكن صدفة قطّ. بل كانت نتيجة مباشرة لجهود المدافعين الكونفدراليين في أوائل القرن العشرين لإزالة الصور السلبية للجنوب من الكتب المدرسية وكتب التاريخ. ففي عام 1920 وضع ميلدريد لويس رذرفورد، وهو معلّم ومؤرّخ ومنظّر للكونفدرالية المتحدة، دليلاً لاختبار الكتب (المراجع) في المدارس والكليات والمكتبات ـــ وزّع في جميع أنحاء الجنوب ـــ وقد اقترح قواعد صارمة لما يمكن تضمينه في الكتب لطلاب الجنوب.

 وكتب رذرفورد: "ارفضوا كتاباً يقول إن أهل الجنوب حاربوا من أجل احتجاز العبيد". "ارفضوا الكتاب الذي يتحدث عن مالكي العبيد في الجنوب على أنهم قاسون وظالمون للعبيد".

  إلى جانب رذرفورد، قال جيفرسون ديفيس بعد فترة وجيزة من انتخابه رئيساً للكونفدرالية (بعد انفصال 6 ولايات جنوبية أخرى عن الاتحاد الفيدرالي)، "لقد أدركنا أنّ الله وكتاب الله وقوانين الله، في الطبيعة، تخبرنا أنّ الزنجي أقلّ شأناً، وهو مُجهّز بشكل صريح للعبودية.. لا يمكنك تحويل الزنجي إلى أي شيء، بقدر ما يمكن أن يكون عليه في العبودية مفيداً أو جيداً".

ما هو مدى معرفة الشعب الأميركي حالياً بالعبودية؟ 

في الحقيقة يواجه مدرّسو الدراسات الاجتماعية والتاريخ في جميع أميركا تحديات فريدة عندما يتعلّق الأمر بتثقيف الطلاب حول ماضي العبودية في أميركا. إذ يشعر الكثيرون بالقلق بشأن ما إذا كان بإمكان طلابهم التعامل مع التفاصيل الأولية للإساءة والافتراس التي تنطوي عليها العبودية. بينما يشعر البعض بالقلق من أن الخوض في هذا التاريخ سيثير الغضب والأذى والعار والشعور بالذنب.

وبناء على ذلك أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة الواشنطن بوست، في العام 2019 أنّ أقلّ من نصف الأميركيين بقليل، يعرفون أن العبودية كانت موجودة في جميع المستعمرات الأميركية الـ 13(مجموعة من مستعمرات بريطانيا العظمى على الساحل الأميركي للمحيط الأطلسي أسست في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأعلنت استقلالها عام 1776، وشكّلت الولايات المتحدة). 

بالمقابل قال 52 في المئة إن العبودية كانت السبب الرئيسي للحرب الأهلية في أميركا، بينما قال 41 في المئة منهم، إنها كانت شيئاً آخر غير العبودية.

 في المحصّلة، إنّ الفشل في تثقيف الطلاب بشأن العبودية يمنع الحساب الكامل والصادق لتكلفتها المستمرة في أميركا. فبرأي المؤرّخين السود، إن كيفيّة تعليم الطلاب الأميركيين تاريخ العبودية في الولايات المتحدة، هو أمر أساسي مثل كيفية تعليمهم إعلان الاستقلال وتأكيده الأساسي أن "جميع الرجال خلقوا متساوين".

المصدر: الميادين نت