كيف ساهم غزو العراق في انتشار المرتزقة حول العالم؟
تحدّث تقرير في موقع "بوليتيكو" الأميركي، بعنوان "كيف ساهمت حرب العراق في انتشار المرتزقة حول العالم"، عن أزمة مجموعات المرتزقة، التي فاقمتها الحرب الأميركية على العراق عام 2003ـ، ويشير إلى أن "الارتزاق، بعد عشرين عاماً من الغزو، لا يزال يخلّف عواقب لا يمكن التنبؤ بها".
ويقول الكاتب فيل كلاي، وهو أحد المحاربين القدامى في سلاح مشاة البحرية، وأستاذ في جامعة فيرفيلد، إنّه "مع اقتراب الذكرى السنوية العشرين لحرب العراق، وانتهاء المهمة القتالية في عام 2021، لا يزال لدى الولايات المتحدة نحو 2500 مستشار ومدرّب عسكري هناك، بالإضافة إلى ما يقرب من 8000 متعاقد في العراق وسوريا، وفقاً لتقرير للبنتاغون عام 2022"، الأمر الذي يفتح باب السؤال بشأن واقع "سوق المرتزقة العالمية".
ويشير التقرير إلى جريمة حدثت عام 2020، عندما استأجر إريك تشارلز موند، وهو مدير تنفيذي لإحدى شركات السيارات الكبرى، شركة الأمن الخاصة "سبير تيب سيكوريتي"، من أجل قتل امرأة تربطه بها علاقة خارج نطاق الزواج، كانت هدَّدت بفضحه، في مقابل 750 ألف دولار، وعبر جنديين سابقين في البحرية الأميركية.
وعلى الرغم من أنّ تشارلز موند ومدير الشركة الأمنية دِينا لاحقاً بجرائم القتل، فإنّ هذه الحادثة تسلط الضوء على عمل الشركات الأمنية الخاصة، وتأجير الجنود والقتلة.
اقرأ أيضاً: بعد معركة سوليدار.. أسير حرب أوكراني: هناك مرتزقة أميركيون في المدينة
الحرب أنتجت سوق مرتزقة عالميةً
اليمن
ويتحدث التقرير كذلك عن حملة اغتيالات ضدّ شخصيات سياسية في اليمن، في عام 2015، مشيراً إلى أنّ شركة تسمى "مجموعة سبير للعمليات"، قادت هذه الحملة.
ليبيا
ووفقاً لتقرير مجلس الأمن، في عام 2019، أرسل الأسترالي كريستيان دورانت، وهو متخصص طيران سابق، ويعمل عند رجل الأعمال الأميركي وصاحب شركات مرتزقة، إريك برنس، مجموعةً من المرتزقة إلى ليبيا، بالنيابة عن الجنرال خليفة حفتر، في مخطط مزعوم لانتهاك حظر الأسلحة، وتولوا تنفيذ عمليات ضدّ قائمة من أعداء حفتر.
وحاول دورانت شراء أسلحة لليبيا، تحت اسم مستعار هو "ميل جيبسون"، لكنه فشل في ذلك، واضطر رجاله لاحقاً إلى الفرار من ليبيا، وغضب حفتر، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة.
فنزويلا
وفي عام 2020، بدأت شركة "سيلفر كورب" الأميركية، بقيادة الجندي السابق في القوات الخاصة الأميركية جوردان جودرو، جهوداً في فنزويلا لإطاحة نيكولاس مادورو. ولاحقاً، في مقابلة مع رولينج ستون، عارض جودرو وصف سيلفر كورب بأنها جماعة مرتزقة، وقال إنها "تحاول فقط حل المشاكل".
ومن الناحية العملية، هناك أعداد كبيرة من المرتزقة، بما في ذلك أعداد كبيرة من الأجانب. وفي عام 2021، كانت أغلبية المقاولين المسلحين العاملين في القيادة المركزية الأميركية من الرعايا الأجانب، ويقاتلون من أجل الولايات المتحدة في وظيفة معينة، ثمّ يقاتلون من أجل جهة أخرى تقدم رواتب أعلى، كما يؤكد كلاي.
اقرأ أيضاً: هكذا انتهك الأميركيون إنسانيتنا في "أبو غريب".. تفاصيل تروى للمرة الأولى
هايتي
ويتطرق التقرير في "بوليتيكو" إلى عملية الاغتيال الأخيرة لرئيس هايتي، جوفينيل مويس، بحيث يزعم أنّ جهات خاصة استأجرت مرتزقة كولومبيين لتنفيذ العملية، مع تمويل ودعم من خلال شركات أجنبية، بما في ذلك مقاول عسكري خاص في ميامي الأميركية.
سوريا
ويتحدث التقرير أيضاً عن بدء الوجود العسكري الأميركي في سوريا عام 2014، مؤكداً أنه حدث من دون إذن صريح من الكونغرس، عندما وعد أوباما بأنه "لن يكون هناك جنود على الأرض".
لكن، في عام 2018، كان لدينا 2500 جندي في سوريا، وعدد غير معروف من المتعاقدين والمرتزقة، كما يؤكد تقرير "بوليتيكو". وحين أمر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالانسحاب، وافق في النهاية على الاحتفاظ بنحو 200 جندي "لحماية النفط"، وهو رقم تمّ تجاوزه كثيراً بحلول منتصف عام 2020، بحيث كان هناك 500 جندي أميركي بصورة رسمية.
ولاحقاً، اعترف السفير السابق في سوريا، جيم جيفري، بأنه لم يكن هناك أي انسحاب من سوريا، بل تغيير في أساليب الوجود العسكري والعمل.
الفوائد السياسية للارتزاق واضحة
وبحسب كلاي، لا يَعُدّ الجمهور حقاً أعمال المرتزقة مصدر قلقٍ خطيراً، لأنّ الجماعات المرتزقة لا تَدين بأيّ التزام تجاه الشفافية العامة، وتعمل تحت الستار، ومن الصعب جداً على الصحافيين ومجموعات المراقبة تتبّع ما تفعله هذه الوحدات.
ويقول شون ماكفيت، الجندي الأميركي السابق ثم المرتزق، وهو يدرّس الآن في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، إنّ "ما هو مهم، بالنسبة إلى مستقبل هذه الصناعة، هو أنّ هؤلاء الأجانب اكتسبوا قيمة المعرفة التجارية التي يمكن تصديرها حول العالم، بحثاً عن عملاء جدد، بمجرّد عدم تجديد الولايات المتحدة عقدها معهم".
وأضاف: "لذلك، لا ينتشر الارتزاق فحسب، بل ينتشر الارتزاق المحترف في جميع أنحاء العالم. ومن الواضح أن هذه مشكلة للبلدان التي يجعلها فقرها وعدم استقرارها عرضةً لقوات عسكرية خارجية مدرَّبة تدريباً عالياً".
ويؤكد كلاي أنّ "ما يصفه هو جزء صغير من نظام الحرب، في مواجهة العالم الذي صنعته حرب العراق، إذ غيّرت أساليب شنّ الحرب على مدى العقود الماضية كيفية ممارسة العنف في جميع أنحاء العالم، وجريمة تشارلز موند هي ببساطة واحدٌ من أكثر الأمثلة الشنيعة للفرد الذي يستفيد من الهياكل التي وضعتها الحروب الأميركية".
ويضيف أنه "في عالم تنفصل فيه الحرب عن السياسة، وتندمج في الأعمال التجارية، يصبح الارتزاق أكثر انتشاراً، ويسهل تمريره". ولهذا السبب، يؤكد كلاي أنّ "جزءاً من الاستجابة للضرر، الذي أحدثته حرب العراق، يفرض معالجة أمور لا تتعلق بالعراق على الإطلاق، أو لم تعد تتعلق بالعراق، بل باتت ترتبط بالعلاقة بين العنف والدولة، والتي نشأت على مدار حرب العراق".