20 عاماً على الغزو.. العراق كما لم ترده واشنطن

بعد مرور 20 عاماً على الغزو الأميركي للعراق، الذي شكّل حدثاً محورياً بمنطقة الشرق الأوسط، كانت ذريعته امتلاك أسلحة دمار شامل، سقط النظام العراقي، وارتفع بدلاً عنه، بفعل الذكاء الاستراتيجي للمقاومة العراقية، عراق آخر، شكّل جبهةً معاكسة على أكثر من صعيد.
  • 20 عاماً على الغزو.. العراق كما لم ترده واشنطن

في 1 أيار/مايو عام 2003، ومن على سطح حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن"، أعلن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أنّ "المهمة قد أُنجزت" في العراق. وقتها، كانت الإدارة الأميركية "سكرى" بـالقضاء على "أسلحة دمار شامل"، لم يتبيّن لها أي أثر فيما بعد.

الدولة العراقية حينها، أخذت مفصلاً تاريخياً جديداً، أثّر على المنطقة بمجملها، بعد القرار الجيو ستراتيجي بالغزو. 

لكنّ أخطاءً استراتيجية ارتكبها الأميركيون داخل العراق، ومقابلها، نشأت ونمت مقاومة عراقية للاحتلال، قضت على طموح الساسة الأميركيين، في أن تحوّل بغداد إلى عاصمة "أميركية الهوى" سياسياً واقتصادياً.

حلّ الجيش و تفكيك مؤسسات الدولة

بعد إعلان بوش "إنجاز المهمة" عيّنت الإدارة الأميركية في السادس من أيار/مايو 2003 بول بريمر "حاكماً مدنياً" للعراق. استمرت فترته أكثر من عام، وأدت إلى سلسلة تحولات مصيرية تركت آثارها الواضحة على  البلاد .

يعتقد عدد من الباحثين أن خطوة بريمر في تفكيك الجيش العراقي والمؤسسات الاستخباراتية والأمنية، ارتدّت بنتائج عكسية على واشنطن، حيث فشلت الإدارات الأميركية في السيطرة على الدولة، كما فشلت في أن تبني نموذجها الخاص للمؤسسات، في ظل معارضة سياسية قوية.

وما تبيّن مع بريمر، يوماً تلو آخر، وفق ما قال، أن حل الجيش والحزب الحاكم، العمود الفقري الذي كان ممسكاً بمفاصل الدولة والمجتمع، جعل الأطراف الأخرى التي كانت خارج المعادلة تدخل إلى "اللعبة السياسية".

"الخطأ الثاني"، الذي اعترف به الأميركييون أيضاً، أنهم آمنوا بقادة سياسيين من المعارضين مثل إياد علاوي وأحمد الشلبي، وتبيّن فيما بعد، أن الأخيرين كان هدفهما الصعود إلى السلطة بعد إسقاط النظام العراقي.

أخطأ الأميركيون، وفق السياسيين، بفهمهم، من دون إدراك، العقل الشيعي والإرث التاريخي. لم يقتنعوا أن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا في صف الأميركي .

هذان السببان، اعترف بهما زلماي خليل زاد بعدما أصبح السفير الأميركي في أفغانستان والعراق في 2007، بعدما قدّم مراجعةً للاستراتيجية في العراق، وأقّر بالخطأين.

تشكّل المقاومة على عدة مستويات

بالتوازي مع الأخطاء الأميركية، كانت هناك رؤية استراتيجية مزدوجة لقوى المقاومة العراقية في التعامل مع الغزو. من جهة، دخلت في العملية السياسية لتصبح جزءاً أساسياً من الدولة العميقة، بعد انهيار حزب البعث.  كان ذلك مهماً جداً كي لا تبقى هذه القوى داخل سرب المعارضة السياسية فقط، وبالتالي البقاء خارج النظام.

لكن في الوقت نفسه، وبالتوازي مع العمل السياسي، تم إحياء المقاومة العسكرية بهدف "ألا نجعل وجود الأميركي في العراق مريحاً"، كما قال أحد قادة المقاومة سابقاً.

الثقل السياسي، استند إلى ظهير مسلح جعل بقاء العسكري الأميركي فوق التراب العراقي مكلفاً. هذه السياسة شكّلت عائقاً أمام أي محاولات لتنفيذ مخططات واشنطن المرسومة لعراق ذي هوى غربي، إذ لم تعد أجهزة الدولة بيد واشنطن ولندن.

الحلم الأميركي بـ "عراق مطبّع"

مع بداية الغزو، خرج إلى الضوء تيار تطبيعي داخل العراق، ترّأسه مثال الألوسي، وهو نائب سابق في البرلمان العراقي، ومعه انتفاض قنبر، الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني العراقي، اللذان زارا "إسرائيل". هناك، حاولا إبراز نفسيهما على أنهما جاهزان للتطبيع، كما جرت محاولة الاستفادة منهما من قبل الأميركي والإسرائيلي لإبرازهما كقادة سياسيين. لكن مع أولى محاولات الصعود تم إقصاؤهما سريعاً، وقُتل هذا التيار في مهده من قبل الشعب العراقي. 

وحديثاً، في عام 2021 عقدت شخصيات عشائرية مؤتمراً بعنوان "السلام" في أربيل (كبرى مدن إقليم كردستان)، ودعت إلى تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، في حدث عراقي غير مسبوق.

هذا المؤتمر لاقاه مجلس النواب العراقي سريعاً، حيث صوّت أعضاؤه بالكامل لصالح "قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل". قانون لاقى احتفالات داخل قاعة البرلمان، وخارجه على الصعيد الشعبي. وتتراوح العقوبات المنصوصة فيه، ما بين الإعدام والسجن المؤبد والمؤقت. كما يعاقب، ضمن القانون نفسه، بالإعدام أو السجن المؤبد، كل من ينتمي لأي مؤسسة إسرائيلية، وفقاً لنص القانون.

كان هذا "بالون اختبار" لمدى قبول العراق، دولة وشعباً، أي خطوات ولو بطيئة في اتجاه التطبيع، فكانت النتيجة صادمة لواشنطن، بأن مؤسسات الدولة التي نمت خارج إرادتها ومخططاتها، أصبحت جاهزة أكثر لرفض هذه المخططات، وإفشالها داخل العراق، والمساهمة في إفشالها خارجه. 

كيف حمت المقاومة العراقية دول المحور؟

كان الهدف الأميركي من غزو العراق، هو الـ "دومينو إيفكت". بعد العراق، سوريا، ومن ثم حزب الله، وصولاً إلى عزل إيران. لكن المقاومة العراقية هي التي حمت سوريا.  فمع بداية الغزو، كان القرار أن تصبح بغداد عاصمةً لتقود المشهد في المنطقة بأكملها. لكن انطلاقة الحشد الشعبي العراقي، ومعه فصائل المقاومة السنية، كقوة فتكت بالوجود الأميركي إلى حين قرار انسحابه، أسقطت أهداف الساسة الأميركيين، وأغرقته في المستنقع العراقي. وصلت به الأمور عام 2011، إلى أن أرسل عبر وسطاء، للمقاومة العراقية أنه منسحب، وطلب تأمين انسحابه، من دون أن يتعرّض لأي ضربات جديدة.

هنا، المقاومة العراقية منعت الأميركيين من إقامة نظام معادٍ لإيران، وليس وحدها، بل للمحور الذي أسماه جورج بوش وقتها بـ "الدول المارقة"، التي هي، عملياً، معادية لـ "إسرائيل".

أول من حضر إلى جانب سوريا

بعد وقوع الزلزال الأخير، الذي زاد من مصائب سوريا، كان العراق من أولى الدول التي كسرت الحصار بفعل العقوبات الأميركية والغربية. وسارعت إلى تقديم المساعدات الإغاثية إلى متضرّري الزلزال في سوريا، حيث بلغ عدد الطائرات التي حطّت في مطارَي دمشق وحلب، نحو 30 طائرة.

ويدلل ذلك على أمرين أساسيين؛ الأول أن العراق تمكّن من استعادة حدّ مقبول من فعالية مؤسسات الدولة، التي أصبحت قادرة على التحرك خارج الحدود، في إطار الفعل التضامني في المحيط العربي، وكذلك أن العراق بات مستعداً لتحدي القرارات الأميركية في أكثر من مناسبة ، ومنها تحدّي قانون قيصر المفروض على سوريا. 

وتُضاف إلى ذلك القوافل البرّية التي ساهمت بفعالية في تخفيف الآثار عن المتضرّرين، بمشاركة فِرق حكومية وشعبية، و"هيئة الحشد الشعبي"، التي قامت بدور كبير لاقى استحسان الناجين في سوريا خصوصاً.

بعد مرور 20 عاماً على الغزو الأميركي للعراق، الذي شكّل حدثاً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، كانت ذريعته امتلاك أسلحة دمار شامل، سقط النظام العراقي، لكن ارتفع بدلاً عنه، بفعل الذكاء الاستراتيجي للمقاومة العراقية، عراق آخر، شكّل جبهةً معاكسة على أكثر من صعيد، ورفض أن يكون جبهةً مثلما أرادتها يوماً، واشنطن.