في ذكرى احتلال العراق.. كيف أوقف محور المقاومة "الدومينو" الأميركي؟
في 19 آذار/مارس 2003، أعلنت الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جورج بوش الابن حربها على العراق، من دون أي تفويض من مجلس الأمن. وانطلاقاً من الاستراتيجية الأميركية القائمة على ما تسميه "الحرب الاستباقية"، ساقت الإدارة الأميركية عدة مبررات واهية للغزو، أخفت في ثناياها خلفيات وأهدافاً أخرى، جزء كبير منها كان حماية أمن "إسرائيل".
المصالح الاقتصادية التي تتربّع على قمّتها آبار النفط العراقية الغنية بمخزونها، كانت المحرك الأساسي للآلة العسكرية الأميركية والبريطانية، ناهيك عن أهمّية العراق من ناحية موقعه الاستراتيجي وتوسّطه سوريا وإيران.
وعليه، ترى الولايات المتحدة أنّ سقوط العراق سيؤدي إلى سقوط الدول المجاورة، وفقاً لنظرية تأثير "الدومنيو"، ما يمهّد إحكام سيطرتها على المنطقة، وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني، وحماية "إسرائيل" التي كانت الطرف الأكثر حماساً للحرب الأميركية على العراق، بل وأدت دوراً محورياً في حملة التضليل الإعلامي، وفي تزييف الحقائق المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، ونتيجة هذا الاحتلال أصبح لـ "إسرائيل" وجودٌ دائم ومحسوس في العراق، خاصة في الشمال الكردي.
"شرق أوسط جديد"
لم يكن الاحتلال الأميركي لأفغانستان 2001، ومن ثم العراق 2003، سوى مدخل لمشروع " الشرق الأوسط الجديد"، الذي أعدّت وخططت له الإدارة الأميركية منذ خمسينيات القرن الماضي، والذي يقوم على إعادة هيكلة دول المنطقة العربية إلى كيانات صغيرة وهزيلة متناثرة القوى، بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، شكّلت فرصة ذهبية لواشنطن نحو المباشرة العملية في تنفيذ مخططها. من هنا يلحظ جيداً كيف بدأت الولايات المتحدة الأميركية وبعد 3 أيام فقط من وقوع الهجمات، وقبل الوصول إلى أي نتائج في التحقيق، باستهداف العراق، إذ قال نائب وزير الدفاع بول ولفويتس، إنّ "مواجهة الإرهاب لا تعني اعتقال الناس فقط بل كذلك إنهاء الدول التي ترعى الإرهاب"، كما أن المدير السابق للمخابرات المركزية الأميركية جايمس وولسي تحدّث عن "الزواج المثمر بين صدام حسين وأسامة بن لادن".
اقرأ أيضاً: 20 عاماً على احتلال العراق.. أبرز أحداث الغزو الأميركي
وبعدها بأيام تسرّب تقرير تبيّن أنه غير صحيح على الإطلاق، ونفته الحكومة التشيكية، عن اتصال محمد عطا، أحد خاطفي الطائرات، مع ضابط مخابرات عراقي في براغ، وعن احتمال أن يكون نظام صدام حسين قام بتمويل هذه العمليات.
وفي 4 أيلول/سبتمبر 2002، قالت شبكة تلفزيون "سي بي أس" (CBS) الإخبارية الأميركية، إنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتّخذه وزير الدفاع الأميركي آنذاك دونالد رمسفيلد بعد ساعة من وقوع هجمات سبتمبر.
ولتحقيق غايتها الأوسع، تذرّعت الإدارة الأميركية بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، تمهيداً لاحتلاله. ويعد الادعاء بالتدخل الأميركي لنشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في العراق، من أكثر التصريحات المثيرة للسخرية التي ساقتها الإدارة الأميركية في هذا السياق. والتي سرعان ما تمّ الكشف عن زيفها على لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس بقولها: "نحن لم نذهب إلى غزو العراق عام 2003 من أجل تحقيق الديمقراطية، بل للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين".
الهدف التالي.. سوريا وإيران
"إيران وكوريا الشمالية وسوريا محور الشر الذي يسعى للحصول على أنظمة لتطوير أسلحة للدمار الشامل". من خطاب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في 29 كانون الثاني/ يناير 2002
مع الغزو الأميركي للعراق،أدركت سوريا وإيران الخطر المحدق بهما. الرئيس السوري بشار الأسد، وفي مقابلة مع جريدة "السفير" اللبنانية في 27 آذار/مارس 2003، حذّر من أن سوريا قد تصبح "الهدف" المقبل للولايات المتحدة، قائلاً: "بالنظر إلى التحركات الأميركية، فإنّ سوريا لا تنوي الجلوس مكتوفة اليدين".
كما حذّرت إيران على لسان مرشد الثورة السيد علي خامنئي، من "ضغوط سياسية وثقافية ونفسية كبيرة على إيران في المستقبل كنتيجة لهذه الحرب".
ومع الأيام الأولى للاحتلال الأميركي للعراق، بدأت تتكشف الأهداف الأميركية الخفية من الغزو، إذ تزايدت الضغوط على سوريا لإيقاف دعمها لفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان، وفك ارتباطها السياسي والأمني والعسكري مع طهران، وصولاً إلى مطالبتها بتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما لم تخفه رايس، التي أعلنت في أيار/مايو 2003، أن جولة وزير الخارجية الأميركي كولن باول في الشرق الأوسط التي بدأها من سوريا، "هي بداية تدخّل أميركي عميق لبناء شرق أوسط جديد محوره إسرائيل".
وبالتوازي مع الضغط على سوريا، بدأ مسؤولو البيت الأبيض بتشديد العقوبات على إيران، وتسخير الدعاية الأميركية للحديث عن "الخطر النووي الإيراني"، بهدف إجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي، ودعمها لفصائل المقاومة. إذ أعلن جورج بوش أن "جميع الخيارات مفتوحة، بما فيها العسكرية". فيما خرج رئيس أركان الجيوش الأميركية ريتشارد مايرز، في 25 أيار/مايو 2003، لاتهام إيران بإيواء عناصر من القاعدة.
وفي تصريح يكشف النيات الأميركية، قالت نائبة رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية إيلان بيرمان عام 2006، إنّ لدى سوريا وإيران هدفاً مشتركاً، وهو ألا يكونا العراق المقبل"، وذلك في تعليقها على توقيع طهران وسوريا عدة معاهدات دفاعية.
فــ "الحرب ضد العراق ينبغي اعتبارها مجرّد جزء من استراتيجية أوسع وضعتها الإدارة الأميركية ضمن استراتيجيتها للأمن القومي"، يقول الباحث الأميركي في مؤسسة "بروكينغز" جايمس ستاينبرغ .
قامت الخطط الأميركية على تحويل العراق بعد احتلاله إلى قاعدة إقليمية محورية للوجود العسكري الأميركي، تهدف إلى محاصرة سوريا وإيران، إلى جانب أن التزاوج بين الوجود الأميركي في أفغانستان والعراق سيجعل إيران بين "فكي كماشة"، وفقاً للمخطط الأميركي.
فشلت الإدارة الأميركية في تحقيق هدفها الاستراتيجي من الحرب، فكانت الخطوة التالية بالتذرع بمحاربة الإرهاب لإعادة تموضعها في العراق بعدما انسحبت منه جزئياً عام 2011، وكذلك أنشأت تحالفاً دولياً بذريعة محاربة "داعش" في سوريا. لكن ما اصطدمت به على أرض الواقع كان مخيّباً لآمالها، مع بروز الحشد الشعبي العراقي كقوة رادعة في تحالف المقاومة وتحريره للأراضي العراقية، وما شكّله من تهديد للقواعد العسكرية الأميركية في البلاد، وانتصار سوريا في حرب دولية شنّت ضدها لسنوات، وكذلك تمكّن لبنان من تحرير جروده من الجماعات التكفيرية، وصمود إيران أمام العقوبات، لا بل وتحوّلها إلى قوّة إقليمية ودولية وازنة في العلاقات الدولية، وهو ما أجهض المشروع الأميركي التقسيمي القائم على ما تسميه رايس " الفوضى الخلّاقة".
"الوهم المتمثّل بإسقاط الشعوب الممانعة كأحجار الدومينو قد سقط". الرئيس السوري بشار الأسد خلال حديثه أمام مجلس الشعب 2011