عملية مجدو: رعب حقيقي ورواية إسرائيلية ركيكة

قلق عالي المستوى وإشاعات زعزعت شعور مستوطني شمال فلسطين المحتلة بالأمان بسبب ما يسمّيه الاحتلال بالحدث الأمني الأخطر منذ "حرب الغفران"، لكن النتيجة هي رواية ركيكة عمّا حدث فعلاً.
  • عملية مجدو: رعب حقيقي ورواية إسرائيلية ركيكة

قلق عالي المستوى وإشاعات زعزعت شعور مستوطني شمال فلسطين المحتلة بالأمان، واجتماعات أمنية تصل الليل بالنهار في مقر "الكرياه" في "تل أبيب" والنتيجة: رواية ركيكة عمّا حدث فعلاً في مجدو يوم الإثنين الماضي، ويسمّيه الاحتلال بالحدث الأمني الأخطر منذ "حرب الغفران".

بعد نحو 48 ساعة من التكهنات، خرج بيان مشترك لـ"الجيش" الصهيوني و"الشاباك" يتحدث عن تسلل "مخرّب" من لبنان، السبت أو الأحد الماضي، محمّلاً بحزام ناسف وعبوة كليماغور بزنة 15 كيلوغراماً وتحييده.

البيان المشترك ببساطة عبارة عن فشل استخباري وأمني ذريع لـ"إسرائيل". نقاط عديدة يمكن تفنيدها في الرواية الإسرائيلية لما حدث:

1- فرضية التسلل: كيف يمكن لشخص التسلل من جنوب لبنان إلى فلسطين المحتلة والسياج الحدودي فيه حساسات عالية لأي حركة؟ وافتراضاً، تم تجاوز السياج، أين "حرس الحدود" الإسرائيلي؟ كيف يدخل شخص لمدة أقلّها 10 ساعات، بحسب تقديرات "الجيش" الإسرائيلي إلى قلب فلسطين المحتلة، ويتجوّل فيها، ويصل إلى مجدو القريبة من الضفة الغربية، من دون أن تتم ملاحظته؟

2- فرضية تحييد المنفذ: بعد يومين من نشر رواية الاحتلال عن تحييد المنفذ، نشرت صور لـ"جيش" الاحتلال متأهباً ومستعداً لاستكمال التحقيقات، ولكن من دون أي صورة للمنفذ. هذا عدا عن التخبّط في رواية ما حدث بعد تفجير العبوة، بالزعم أن المنفذ كان بحوزته حزام ناسف، وقد تم تحييده قرب موقع التفجير، أو أنه استقل سيارة أجرة وطلب إليه التوجّه شمالاً، ليتم تحييده بعد التفجير بفترة؟ 

عموماً، إنّ غياب أي صورة للمنفذ مجهول الهوية حتى الآن يدعو إلى الشك بشكل كبير في أن هذه الرواية هي رسالة طمأنة للمستوطنين أكثر مما هي الحقيقة، ولا سيما أن الإسرائيلي يروّج دائماً أنه ممسك بالحدود، وقادر على إحباط أي محاولة تسلل من لبنان، كما حصل قبل نحو 3 أسابيع في منطقة العرامشة، قرب الضهيرة اللبنانية، حين نشر الناطق باسم "جيش" الاحتلال، أفيخاي أدرعي، فيديو لما تم ضبطه من أسلحة بعد إحباط محاولة تهريبها إلى فلسطين المحتلة. فهل يحبط "الجيش" محاولة تهريب أسلحة ويعجز عن إمساك متسلل فرد مع حزام ناسف وعبوة بهذا الحجم؟ هذا ليس فشلاً استخبارياً فقط، بل هو تضليل موصوف لمستوطني شمال فلسطين المحتلة، ولا سيما ادعاءات "جيش" الاحتلال بأنهم لا يعرفون كيف تسلل هذا "المخرّب" من تحت الأرض أم فوقها! 

3- هوية المنفذ: يقول الإسرائيلي إن المنفذ لبناني من حزب الله، ثم يغيّر الرواية، مدعياً أن المنفذ هو أحد اللاجئين في مخيمات صور، ينتمي إلى حركة "حماس"، ومن جديد يقول إنها عملية مشتركة بين حزب الله وحماس معاً. الحقيقة، أن التخبط الإسرائيلي في رواية قصة محددة حيال هوية المنفذ يدل على فشله الاستخباري الكبير. وهناك أيضاً لغط كبير حول استبعاد الإسرائيلي احتمال أن يكون المنفذ فلسطينياً، برغم إعلان مجموعة باسم "قوات الجليل الفلسطينية/ الذئاب المنفردة" أنها وراء العملية. 

يرى البعض أنّ هروب الإسرائيلي إلى الأمام من خلال اتهام حزب الله وحماس بالعملية محاولة لإخماد التظاهرات التي تهدد بشق "إسرائيل" من داخلها، وتوجيه الأنظار إلى "عدو خارجي" يوحّد المعارضين والمؤيدين لحكومة نتنياهو. ولكنّ الأخطر على "إسرائيل" هو رفض أجهزتها الأمنية المتعمّد فكرة أن يكون أهل فلسطين المحتلة عام 1948 وراء عملية نوعية كهذه، فهذا بالنسبة إلى الاحتلال ضربة في مقتل كل محاولة "التدجين والأسرلة" لفلسطينيي 48. 

4- نوعية العبوة: الحديث الإسرائيلي يدور عن عبوة نوعية تشبه عبوات المقاومة الإسلامية في ما يسمّيه الاحتلال "الحزام الأمني في جنوب لبنان" قبل عام 2000. رواية أن متسللاً هو من زرع العبوة وفجّرها هي الأوسع انتشاراً إسرائيلياً حتى الآن. الحديث عن عبوة كليماغور، روسية الصنع، بوزن 15 كيلوغراماً، وعن أن هذه العبوة غير موجودة في فلسطين المحتلة، يمكن دحضها بإن تفجير عبوة بهذا الوزن سيحدث حفرة بعمق 5 أمتار على الأقل فيما الصور التي نشرت لموقع التفجير لا توحي بأن عبوة كهذه قد تفجرت في الموقع. 

5- الآن، إلى أين: "إسرائيل" مأزومة على كل الصعد: داخلياً، تظاهرات متصاعدة الحجم والاتساع. سياسياً، يتحدث المشرّعون عن تمرير قوانين هدفها الأساس تحصين نتنياهو من أي مساءلة قضائية، وهناك خشية حقيقية من إقرار قانون إعدام الأسرى، وما سيكون له من تداعيات على صورة "إسرائيل" لدى الغرب. أما أمنياً، فعمليات المقاومة الفلسطينية تصل إلى قلب "تل أبيب" والمشاغلة في الضفة الغربية مستمرة، إضافة إلى إسقاط غزة مسيّرة إسرائيلية، الأسبوع الماضي. 

وإقليمياً، أزمات بلا قعر، فهناك إيران من جهة وتهديدها الوجودي لـ"إسرائيل"، بحسب الأدبيات السياسية الإسرائيلية، وروسيا التي تريد أن تناقش الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا في مجلس الأمن، وتهديد حزب الله ومقاومة غزة بشكل دائم. كل هذه العوامل دفعت "إسرائيل" إلى التحفظ عن الرد على عبوة مجدو، إضافة إلى كونها أصلاً عاجزة عن تحديد رواية تبرّر ردّها. 

اقرأ أيضاً: اللبونة: عملية تكتيكية بأهداف استراتيجية

لمَ لا تكون العبوة محلية الصنع؟ ولمَ لا تكون قد "سلمت" لأحد أبناء الأرض يمكنه التحرك في شمال فلسطين المحتلة، بدل إدخال عنصر لحزب الله أو حماس من لبنان مع كل احتمالات الانكشاف؟ يذكر أن قوة من وحدة "سيرييت متكال" الإسرائيلية كانت قد تعرضت لعبوتين مشابهتين لعبوة مجدو لدى محاولة التسلل إلى لبنان عام 2013. هل التشابه مصادفة؟