دمشق تنتظر ضمانات تركية واضحة قبل التطبيع مع أنقرة
منذ المؤتمر الصحافي المشترك لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، منتصف ليل الجمعة الماضي، بدا واضحاً أن دمشق لم تحصل على ما طلبته من ضمانات كافية للذهاب إلى الاجتماع الدبلوماسي الرباعي السوري التركي الروسي الإيراني في موسكو.
وتطلب دمشق ضمانات من حليفيها الروسي والإيراني بشأن التزام تركي واضح بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، ووقف دعم المجموعات المسلحة، على اختلاف تسمياتها وتلاوينها.
رحّب الرئيس السوري، بشار الأسد، خلال استقباله الوزير الإيراني، بانضمام طهران إلى الاجتماعات الرباعية، وهذا أمر متوقع، استناداً إلى علاقات تحالفية بين الدولتين، وحاجة دمشق إلى دعم في مسار التقارب الشائك مع أنقرة.
وبدا لافتاً، بعد إعلان موسكو أنها تنتظر ردّ دمشق وطهران على عقد الاجتماع، تأكيد البيان الرئاسي السوري "وجوب التحضير الجيد له، بالاستناد إلى أجندة وعناوين ومخرجات واضحة ومحددة"، و"أن مصالح الشعب السوري هي الأساس في أي خطوات تنتهجها الدولة"، وأنّ "نتائج تلك الخطوات يجب ان تحقق مصلحة الشعب السوري"
هذه المواقف تعكس حذراً سوريا معلناً كي لا يتحول المسار برمته إلى ورقة انتخابية، أو عنوان يستخدمه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في تحسين مواقعه ضمن السباق الانتخابي في 14 أيار/مايو المقبل.
لم يقدم المقداد أي جواب عن ذهاب سوريا من عدمه إلى ذلك الاجتماع. على العكس، بدا الجو العام أقرب إلى الرفض، استناداً إلى إعلانه أنّ أولويات دمشق "كانت وستبقى بشأن أهمية رحيل القوات الأجنبية غير الشرعية من شمالي غربي سوريا، أو شمالي شرقيها".
هذه الأولوية لا تزال تحتاج دمشق إلى ضمانات بشأنها. وكما يبدو حتى اليوم، قبل الدخول في أول اجتماع سياسي بين البلدين يمهد تطبيع العلاقات بعد اللقاء العسكري والأمني، رفيع المستوى، نهاية العام الماضي، بمشاركة وزيري الدفاع السوري علي عباس والتركي خلوصي أكار، بحضور الوزبر الروسي سيرغي شويغو ورؤساء الاستخبارات في البلدان الثلاثة.
قد يتأجّل اجتماع موسكو المقرر كموعد أولي يومي 14 و 15 آذار/مارس الجاري ما لم يحصل السوريون على تلك الضمانات. وسبق أن أُلغيت مواعيد أخرى، كحديث أنقرة في كانون الثاني/يناير الماضي عن اجتماع لوزراء الخارجية السوري والتركي والروسي في موسكو ثم أبو ظبي، قبل أن يتبين ان الأمر مجرد طروحات لم تناقَش أصلاً.
جوهر التباين هنا بين استعجال تركي يريد إنضاج أي لقاء مع المسؤولين السوريين، يحتاج إليه إردوغان لاعتبارات داخلية، وتمسك سوري بضرورة تأمين أرضية لذلك اللقاء، تقوم أساساً على استعادة أراضيها كاملة، وحل مشكلات معقدة بين البلدين، أبرز عناوينها: المجموعات المسلحة واللاجئون والمياه.
ملفات شائكة، تتجاوز كثيراً مفهوم الخلاف في وجهات النظر، أو التباينات في المواقف، لتطال خلافاً عميقاً لا بد من معالجة واضحة له، كي لا يتحول الوجود التركي، في مساحة تناهز 9 آلاف كم مربع، شمالي وشمالي غربي سوريا، الى أمر واقع يضيع في المناورات السياسية، التي لطالما برع فيها الأتراك.
نظرياً، أعلن عدد كبير من المسؤولين أن الوجود التركي في سوريا موقّت، وتركيا عازمة على نقل السيطرة في مناطق نفوذها الى الدولة السورية، وهي سيطرة عبر أكثر من 13 ألف جندي يتوزعون على 113 موقعاً، بين قاعدة ونقطة عسكرية، في حال تحقيق الاستقرار السياسي وعودة الأمور الى طبيعتها.
إلّا أنها تبقى أيضاً مواقف وتصريحات سياسية لا قيمة قانونية لها، وخصوصاً أن الأتراك لم يفوتوا فرصة إلّا واشتغلوا فيها على تغييرات ديموغرافية، وإقامة فروع لجامعاتهم، وفرض ساعات تعليمية باللغة التركية، وربطوا اقتصاد الشمال باقتصادهم، عبر مناطق صناعية ومستشفيات، وغيرها من عوامل تفرض الحذر في التفاوض.