في ظلّ الضغوطات الغربية.. كيف تختبر حرب أوكرانيا "حياد" سويسرا؟

الدولة السويسرية تصنع أسلحة يريد الحلفاء الغربيون إرسالها إلى كييف، بينما يحظر القانون السويسري هذا الأمر، مما أدّى إلى نقاش وطني متزايد بشأن ما إذا كان يجب تغيير مفهوم الحياد السويسري للانضمام إلى الحملة الغربية ضد روسيا.
  • جندي سويسري يجلس على دبابة "ليوبارد" ألمانية

تحدث تقرير في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية لمراسلتها في برلين إريكا سولومون، عن الأزمة التي تعيشها سويسرا على مستوى الالتزام بـ"الحياد" السياسي بين الدول الكبرى، وهو المبدأ الذي يقره الدستور السويسري، فيما يزداد الضغط الغربي على برن للانضمام بالكامل إلى الحملة الغربية المعادية لروسيا.

وتشير الكاتبة إلى أنه في العاصمة السويسرية، التي تقع تحت الجبال المغطاة بالثلوج، وداخل الغرف البرلمانية المصنوعة من الزجاج الملون والخشب المصقول، يدور الجدل حالياً حول إرث الحياد الذي تفتخر به البلاد، وما يعنيه الحياد في حقبة هي الأصعب بالنسبة لأوروبا منذ عقود طويلة.

ويوضح التقرير أنّ "سويسرا تصنع الأسلحة التي يريد الحلفاء الغربيون إرسالها إلى كييف، لكنّ القانون السويسري يحظر هذا، ممّا يؤدي إلى نقاش وطني حول ما إذا كان ينبغي تغيير مفهوم الحياد".

فقد اتضح أنّ سويسرا لديها صناعة للذخيرة تشتدّ الحاجة إليها حالياً عند حلف الناتو والدول الأوروبية، بالنسبة للأسلحة التي زوّد الأوروبيون أوكرانيا بها، كما تمتلك كذلك دبابات القتال الرئيسية ليوبارد 2، التي وعد الأوروبيون كييف بتزويدها بها.

لكن سويسرا لديها أيضاً قواعد صارمة بشأن المكان الذي يمكن أن تذهب إليه هذه الأسلحة، أي قانون خاص هو الآن موضوع نقاش ساخن، وهو يحظر على أيّ دولة تشتري أسلحة سويسرية، إرسالها إلى طرف في نزاع، مثل أوكرانيا.

وبحسب "نيويورك تايمز"، تختبر الحرب في أوكرانيا التسامح السويسري عبر الاستمرار في الوقوف على هامش الصراعات الكبرى مقابل الحفاظ على مصالحها، إذ يقول صانعو الأسلحة إنّ "عدم قدرتهم على التصدير الآن قد يجعل من المستحيل الحفاظ على العملاء الغربيين المهمين".

فحالياً، يستدرج الجيران الأوروبيون برن نحو اتجاه الحرب، بينما يسير تقليد الحياد السويسري في اتجاه مقابل تماماً.

ويشرح أوليفر ديجلمان، أستاذ القانون الدولي في جامعة زيورخ، أنّه "كون سويسرا دولة محايدة تصدّر الأسلحة، هو ما دفع سويسرا إلى هذا الوضع الصعب.. تريد برن تصدير الأسلحة للقيام بأعمال تجارية، وتريد تأكيد السيطرة على تلك الأسلحة، كما تريد أيضاً أن تؤدي دور الرجل الطيب".

ويضيف: "هذا هو الوضع المعقّد الذي تتعثر فيه سويسرا الآن".

اقرأ أيضاً: البرلمان السويسري يرفض تصدير الأسلحة إلى أوكرانيا

تاريخ "الحياد السويسري"

تمكّنت سويسرا من التمسك فعلياً بالحياد لعدّة قرون، وخلال حربين عالميتين، في موقف دعمه 90% من سكانها البالغ عددهم 8.7 ملايين نسمة. كما تستضيف مدن سويسرا مقارّ الأمم المتحدة والصليب الأحمر في جنيف، وتعتبر نفسها أحد صانعي السلام في العالم، والعاملين في المجال الإنساني.

لكنّ الدول الغربية اليوم ترى أنّ التردد السويسري، سواء بشأن الصادرات أو بشأن العقوبات المفروضة على روسيا، دليل على أنّ دوافع البلاد "أقلّ مثالية" من الأعمال التجارية، بحسب الصحيفة الأميركية.

ولا تزال سويسرا، التي تشتهر بنوكها بالسرية وغالباً ما تُتهم بغسل الأموال لطبقة كبار السياسيين الفاسدين في العالم، أكبر مركز للثروة الخارجية في العالم، ويشمل ذلك نحو ربع الإجمالي العالمي، ومن ضمن هؤلاء رجال أعمال روس، فيما يقول مسؤولون غربيون إنّ الوضع الراهن جعل الغرب يشعر بأنّ سويسرا تسعى إلى "حيادية المنفعة الاقتصادية".

"حياد شنّ الحرب" وليس تجنّبها

وبعد أشهر من الضغط، بات الجميع يعلم أنّ الوضع سيضرّ بسويسرا، فالاتحاد الأوروبي بأكمله منزعج، والأميركيون مستاؤون، وحتى الروس كذلك، يقول مؤرخ سويسري للمراسلة، مؤكداً أنّ "حياد سويسرا له علاقة بشنّ الحروب أكثر من تجنّبها".

وأوضح أنّه " من العصور الوسطى إلى أوائل العصر الحديث، قامت كانتونات جبال الألب التي كانت فقيرة في ذلك الوقت، والتي تشكل سويسرا اليوم، بتأجير مرتزقة في حروب في جميع أنحاء أوروبا، وقد صنع الكثيرون أسلحة للذهاب مع تلك الجيوش".

وأضاف أنّ "الفكرة السابقة للحياد كانت تعني الحياد لخدمة كلا الجانبين في أي صراع".

وقد بدأ الحياد السويسري يصبح رسمياً بعد حروب نابليون، عندما اتفقت القوى الأوروبية على أنّه يمكن أن يخلق حاجزاً بين القوى الإقليمية.

وتمّ تدوينه بشكل أكبر في اتفاقية لاهاي عام 1907، أساس الحياد السويسري اليوم، والتي طالبت الدول المحايدة بالامتناع عن شن حروب، والحفاظ على مسافة متساوية بين الأطراف المتحاربة.

ويمكن لسويسرا بيع الأسلحة، ولكن فقط إذا باعتها لجميع أطراف النزاع، كما يلزم الاتفاق برن بضمان عدم استخدام أراضيها من قبل القوات المتحاربة.

اقرأ أيضاً: سويسرا من دولة محايدة إلى "عثرة" أمام المساعدات الغربية لأوكرانيا

الحياد المسلّح.. ما أهمية صناعة الأسلحة في سويسرا؟

أدّى كلّ ذلك إلى ما يسميه السويسريون "الحياد المسلح"، وهو التزام بالحفاظ على القدرة على حماية الحياد.

وبينما يتفق مؤيدو صناعة الأسلحة السويسرية على أنه ليس لهذه الصناعة تأثير اقتصادي كبير على البلاد، فالقطاع يوظف 14000 شخص فقط، ويشكلون أقلّ من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنّهم يقولون إنّه "أمر بالغ الأهمية للحياد المسلح"، الذي "يحتاج إلى جنود وأسلحة ومعدات، وصناعة أسلحة".

وتعتمد صناعة الدفاع السويسرية على الصادرات، ولا يمكنها البقاء من دونها، يؤكد التقرير.

إذ إنّ أحد الأدوار الحاسمة التي تؤديها سويسرا على مستوى التصنيع العسكري هو بالنسبة لألمانيا، أحد أكبر الداعمين  العسكريين الحاليين لأوكرانيا.

وتعتبر شركة "أورليكون" السويسرية المنتج الوحيد لذخيرة مدفع "جيبارد" المضاد للطائرات ذاتي الحركة، والتي أرسلت برلين العشرات منه إلى أوكرانيا، وقد منعت سويسرا حتى الآن الجهود الألمانية لشراء ذخيرة جديدة له، بحسب "نيويورك تايمز".

قلق أوروبي من الاعتماد على السلاح السويسري

وفي موازاة ذلك، يتزايد قلق الأوروبيين واللاعبين الرئيسيين في صناعة الدفاع من صنع أسلحة أو أجزاء مهمة في سويسرا، إذ تخطط شركة "راينميتال"، صانع الأسلحة الألماني الذي يمتلك الشركة السويسرية، لفتح مصنع في ألمانيا لتجنب هذه التعقيدات.

فيما يتخوّف أحد المتحدثين باسم صناعة الأسلحة السويسرية من أنه "خلال السنتين إلى الثلاث سنوات المقبلة، سنظلّ ننتج بسبب العقود القديمة التي يتعيّن علينا الوفاء بها.. لكن ليس لدينا طلبات جديدة، وسوق التصدير سيموت حتماً".

يقول تييري بوركارت، النائب الديمقراطي السويسري الذي صاغ مشروع القانون الأولي لدعم أوكرانيا عسكرياً، إنّ "سويسرا لم تعد قادرة على تجاهل هذا الإحباط.. نحن جزء لا يتجزأ من الشراكات الغربية، والغرب هو المكان الذي نتشارك فيه قيمنا أيضاً".

وأضاف: "هذا لا يعني أننا لسنا محايدين، لكن لا ينبغي لنا أن نمنع المساعدات بين الدول الغربية".

بينما يردّ والتر ووبمان، المشرّع المحافظ، أنّ "هناك خيارين فقط.. إما أن نكون محايدين، ونمضي في ذلك على طول الطريق.. أو ندخل في تحالف مثل الناتو.. على سويسرا أن تقرّر".

اقرأ أيضاً: تحقيق: عشرات المرتزقة من سويسرا يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانيا

المصدر: صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية