"كوابيس وتوتر وانتحار".. الأزمات النفسية تلاحق جنود أوكرانيا
تحدث تقرير في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بعنوان "توتر ما بعد الصدمة، جرح غير مرئي يعاني منه الجنود الأوكرانيون"، عن التوتر والأزمات النفسية وحالات الإنتحار التي تطارد الجنود الأوكرانيين حتى بعد عودتهم من جبهات القتال.
فبعد أكثر من عام من الحرب، يعاني الجنود الأوكرانيون من أعراض شديدة من الإجهاد النفسي، بما في ذلك الكوابيس وقلة النوم والشعور بتأنيب الضمير والقلق ونوبات الذعر، وفقاً لمقابلات مع القوات في جميع أنحاء أوكرانيا ومع الاختصاصيين النفسيين الذين يعالجونهم قام بها مراسلا الصحيفة.
وأوضح التقرير، كيف أنّ بعض الجنود "وجهوا أسلحتهم إلى أنفسهم وماتوا منتحرين"، بينما "يعاني آخرون بهدوء في المستشفيات والقواعد العسكرية وأثناء زياراتهم إلى منازلهم، وعلى الخطوط الأمامية، حيث يواجهون تهديداً مستمراً بهجمات روسية، مع ظهور وتفاقم أعراض بسبب ارتجاج المخّ من القصف المدفعي".
وأضاف أنّ "المشكلة منهكة وواسعة الانتشار ومؤلمة يصعب معالجتها، في بلد يتعرض، حتى بعيداً عن ساحات القتال، لتهديد دائم بالهجوم".
وعلى الرغم من أنّ الإرهاق الواسع النطاق والصدمات العقلية بين الجنود عوارضها غير مرئية في كثير من الأحيان، إلا أنّها تمثل تحدياً صعباً آخر يجب على الجيش الأوكراني مواجهته في الحرب الدائرة.
ومثل عدد القتلى والجرحى، الذي يعتبر سرياً، لا يكشف الجيش عن عدد الجنود الذين يعانون من أزمات نفسية، لكنّ الحصيلة تتفاقم بلا شكّ، مع استمرار تورّط أوكرانيا في أكثر المعارك دموية في الحرب حتى الآن وهي معركة مدينة باخموت في دونباس، حيث كبدت روسيا القوات الأوكرانية خسائر فادحة.
ترك بعض الجنود الأوكرانيين مواقعهم بسبب الصدمات النفسية
وأوضحت "واشنطن بوست"، أن الجنود الأوكرانيين المذعورين تركوا مواقعهم، بينما قال آخرون يعانون من ضغوط شديدة إنهم "يترددون في طلب الوقت للتعافي"، وحتى أولئك الذين تلقوا علاجاً للصحة النفسية والعقلية قالوا إنهم أُعيدوا على الفور تقريباً للمشاركة في القتال.
وفي أوكرانيا، لا تزال مناقشة الصحة العقلية والنفسية بشكل علني من المحرّمات - خاصة بالنسبة للرجال، وأكثر من ذلك بالنسبة للجنود والعسكريين، ومع وجود أعداد كبيرة من الجرحى والقتلى من الجنود كلّ يوم، يقول العديد من الجنود إنهم يتردّدون في التحدث عن الخسائر النفسية للحرب".
ويعاني الجنود الأوكرانيون من الكوابيس والهلوسات وحالات الاكتئاب المرضي والأرق والتوتر المرضي، كما يعاني الكثير منهم من الأذى المعنوي، والذي يحدث عند إجبارهم على المشاركة في أفعال تتعارض مع قيمهم الشخصية أو أفكارهم، بما في ذلك المخالفة الأخلاقية للأوامر، أو عدم القدرة على إنقاذ زملائهم.
إمكانيات العلاج محدودة.. وازدياد حالات الانتحار
وبحسب الصحيفة الأميركية، يوجد عدد محدود من علماء النفس العسكريين المتاحين، بالإضافة إلى بعض علماء النفس المدنيين الذين بدأوا يعالجون الجنود الأوكرانيين في مستشفيات خاصة.
ويعاني الجنود كذلك من ردّ فعل على حالة الإجهاد الحاد، وهي حالة تسبّب الغثيان وسرعة ضربات القلب والصداع، حيث يقفز بعض المرضى فجأة على الأرض، أو يختبئون تحت أسرتهم عندما يسمعون أصواتاً عالية، ولا يستطيعون النوم، كما يمكن أن يؤدي ارتجاج الدماغ الناتج عن القصف والانفجارات إلى الصداع الشديد وآلام الأذن وفقدان الذاكرة وتشتت الانتباه.
كما أفاد التقرير عن مسعفين وجنود مصابين أنّ العديد من أصدقائهم انتحروا بالفعل، وكثير غيرهم حاولوا الانتحار وفشلوا ونجح بعضهم في الوصول إلى مراكز للعلاج بعيدة عن الجبهة، فيما يفضل آخرون أن يظلوا صامتين بشأن صحتهم النفسية والعقلية.
أيام قليلة من الراحة خلال عام من القتال
ونقل مراسل الصحيفة عن مسعفة في مستشفى ميداني في أطراف منطقة دونيتسك،أنّ "الجنود الأوكرانيين الذين تعالجهم غالباً ما يكونون مضطربين في نومهم وعصبيين للغاية ودائمي القلق والتوتر، ومعظمهم مريضون أخلاقياً، مرهقون وظهرهم يؤلمهم".
ويعاني البعض من أعراض مثل تقلب حاد في المزاج، والتي تحدث أيضاً بشكل شائع بسبب الارتجاج، ولكن نادراً ما يرتاح الجنود لفترة كافية للتعافي قبل العودة إلى الجبهة. كما يعاني آخرون، مثل طبيب عسكري استقال من عمله منذ فترة، من تبعات المشاكل الأخلاقية التي صادفها، عندما طلب منه مسؤوله العسكري بيع الإمدادات الطبية بدل تقديمها للجرحى مجاناً.
وبشكل عام، خلّفت المعارك الضارية المستمرة بلا هوادة منذ أشهر عدة في اتجاه باخموت وسط دونباس خسائر نفسية كبيرة على من تبقى من الجنود الأوكرانيين، الذين قاتلوا لفترات طويلة وانسحبوا مرات عدة إلى مواقع مختلفة وتعرّضوا لقصف وضغوط وهجمات متتالية وشديدة، إذ قال أحد المعالجين إنّ نحو نصف المصابين الذين وصلوا إليه يأتون من معارك محيط باخموت.