المخاطر تطال الأمن القومي.. كيف تؤثر التعديلات القضائية في الاقتصاد الإسرائيلي؟

رئيس الوزراء بنيامين نتياهو يتجاهل التحذيرات الاقتصادية، ووسائل إعلام تكشف عن سحب نحو 8.1 مليارات شيكل من مختلف الصناديق المشتركة التي تستثمر في "إسرائيل"، تم وضعها في صناديق استثمار مشتركة في الخارج.
  • كيف تؤثر التعديلات القضائية في الاقتصاد الإسرائيلي؟

"إسرائيل تتآكل"، حقيقة لما يحصل داخل كيان الاحتلال في هذه الأيام، فالنكسات التي يعيشها الاحتلال تتوالى وبدأت بالظهور بشكل علني، ولا سيما التفكك المجتمعي والتحذيرات من "حرب أهلية" والانقسامات السياسية والأزمة الاقتصادية فضلاً عن المشاكل التي يعاني منها "الجيش".

الظهور العلني للمشاكل بدأ منذ تشكيل حكومة الرئيس بنيامين نتنياهو المتهم بقضايا فساد، وتحديداً مع  الحديث عن قانون التعديلات القضائية، الذي يسعى إلى تقليص سلطات المحكمة العليا ومنح السياسيين سلطات أكبر في اختيار القضاة. قابلت هذا القانون، احتجاجات أسبوعية أمام مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس المحتلة، وترافق ذلك مع تزايد حدة التصريحات السياسية، التي حذرت من الانقسام ومن تأثير هذا القانون سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي والتعاملات التجارية الخارجية.

ومن ضمن التصريحات المتعلقة بذلك، قال عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان "نحن نتجه إلى أشد أزمة اقتصادية"، أما رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد فحذر من القانون قائلاً  إنه "سيضر الاقتصاد والأمن الإسرائيلي".

من جهته، حذر شيمي بيريس، نجل رئيس الوزراء والرئيس السابق شيمعون بيريس، والمدير التنفيذي لأكبر صندوق استثمار في "إسرائيل" "بيتانغو"، من أن "إسرائيل" تواجه أضراراً اقتصادية كبيرة نتيجة التعديل القضائي.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة انقلاب نتنياهو القضائي، أيهما يصمد!

دلائل على الأزمة الاقتصادية الحالية

المخاوف من التعديلات التي قال نتنياهو إنها "لن تضر بالاقتصاد الإسرائيلي"، أدت إلى اصدار تحذيرات من أكبر المستثمرين في صناعات "الهاي تك" الإسرائيلية، من تدهور الأوضاع الاقتصادية في الكيان الإسرائيلي، علماً أن نتنياهو ردّ على ذلك في مؤتمر صحافي من دون وجود اقتصاديين بارزين في المنصة لإثبات ذلك.

بعض الشركات الكبرى لم يطمئنها كلام نتنياهو إذ أعلنت أنها بصدد سحب مئات مليارات الدولارات إلى الخارج، احتجاجاً على الخطة الحكومية، متوقعةً أن تكون للأخيرة تداعيات سلبية على الاقتصاد. كما بعث عيدو غال، مؤسس ومدير شركة "ريسكيفيد"،  برسالة إلى موظفيه أبلغهم فيها أنه يعتزم سحب 500 مليون دولار من حسابات شركته إلى الخارج.

وكتب "غال"، في رسالته: "يمكن أن تؤدي القوانين التي يجري تمريرها إلى تفكيك قضائنا المستقل.. سيؤدي هذا على الأرجح إلى ركود اقتصادي كبير وطويل الأمد في إسرائيل". وفي سياق رسالته عرض غال، الذي أسس شركته عام 2012، على الموظفين الانتقال للعمل في فرعها بالعاصمة البرتغالية لشبونة.

من جهته، حذر أيضاً حاكم بنك "إسرائيل"، أمير يارون من أزمة اقتصادية في أي لحظة.

وفي الوقت نفسه، قال مصدر  لشبكة CNBC الأميركية إنّ يارون حذر في اجتماع استضافه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي من أن الأزمة السياسية يمكن أن تصبح أزمة اقتصادية، وأنه "يجب التعامل مع القضية". وأن ممثلي الحكومة على اتصال بمسؤولين تنفيذيين "إسرائيليين" مهمين في محاولة لتخفيف التأثير على الاقتصاد، وفق المصدر.

كثيرة هي التحذيرات التي يتجاهلها نتنياهو، لكن  من التحذيرات "غير المتوقعة" كما وصفها الإعلام الإسرائيلي كانت من قبل مركز الدراسات الإسرائيلي "فوروم كوهيلت" وهو الجهة الأكثر تأثيراً على حكومة نتنياهو. رئيس المنتدى الاقتصادي، مايكل ساريل، حذر في رسالة من أن التعديلات سيكون لها تأثير ضار على الاقتصاد لأنها ستضر بفصل السلطات داخل الكيان ونظام الضوابط والتوازنات، مضيفاً أنّ  هناك حاجة لتعديل قضائي، لكن المقترح يشكل مبالغة. 

ومع ارتفاع منسوب الخوف داخل الاحتلال، نشرت وسائل إعلام إسرائيليةـ استطلاعاً يظهر أن شركة من كل خمس شركات تدرس إخراج أموالها من "إسرائيل"، وأيضاً "تبين أن 1 من كل 20 شركة بدأت فعلياً بإخراج أموال من إسرائيل". وجاء في الاستطلاع أن 60% من الشركات تتحدث عن تراجع في الأرباح بسبب غلاء الأسعار.

وعلى صلة بذلك، نشر موقع "زْمان يسرائيل" الإخباري، تقريراً  يكشف تراجع المؤشرات المركزية في بورصة "تل أبيب"  بنسب تتراوح بين 10 و15% عن البورصات في الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا بطبيعة الحال، أضر بأجزاء مهمة من الاقتصاد الإسرائيلي بما في ذلك العقارات، حيث قامت الشركات  بتحويل أموالها إلى الدولار الأميركي أو العملات الأخرى.

وكما هو متوقع، أعرب يانيف باغوت، نائب مدير عام بورصة "تل أبيب" عن قلقه من منحى إخراج الأموال من "إسرائيل"، داعياً  بنك "إسرائيل" إلى "التدخل وبث الاستقرار"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت".  إلا أنّه في المقلب الآخر وبالتزامن مع هذه التصريحات، كشفت قناة "كان" الإسرائيلية، أنّه تم سحب نحو 8.1 مليارات شيكل من مختلف الصناديق المشتركة التي تستثمر في "إسرائيل" في شهر شباط/فبراير، وبدلاً من ذلك تم وضعها في صناديق استثمار مشتركة في الخارج.

اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي: مئات الاقتصاديين يحذرون من تبعات التعديلات القضائية

تحذير "غير عادي" من وكالة التصنيف الائتماني 

ويترافق ذلك مع تقديم  وكالة التصنيف الائتماني الذي يحدد قدرة الكيانات على الحصول على القروض اللازمة، تحذيراً غير عادي لـ"إسرائيل" وربط قانون التعديلات القضائية بخفض التصنيف الائتماني.

وكتبت شركة التصنيف الائتماني أنّه إذا تم تنفيذ التعديل القضائي بالكامل، فإن التغيير المقترح يمكن أن "يضعف مادياً قوة القضاء وبالتالي يكون الائتمان السلبي".علاوة على ذلك، قالت الوكالة إنها لا تتوقع أن يكون للإصلاحات أي تأثير اقتصادي قصير المدى، إلا أنّها استشهدت بتقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأن بعض شركات التكنولوجيا تفكر في المغادرة كعلامة على مشكلة محتملة تواجه الاقتصاد.

من جهتها، نشرت شركة "Fitch" قسماً خاصاً بالمخاطر الاقتصادية للإصلاح القضائي في مذكرتها، محذرةً من أن التعديل القضائي المقترح "يمكن أن يكون له تأثير سلبي على ملف الائتمان لإسرائيل من خلال إضعاف مؤشرات الحوكمة، أو إذا أدى إضعاف الضوابط المؤسسية إلى نتائج سياسية أسوأ، أو استمرار معنويات المستثمرين السلبية".

وأشارت "Fitch" إلى تمرير قواعد مماثلة في بلدان، قالت إنها أدت إلى "إضعاف كبير لمؤشرات حوكمة البنك الدولي" في تلك الأماكن، كما تؤدي هذه المؤشرات دوراً مهماً في تشكيل التصنيفات المخصصة للكيانات.

"إسرائيل" تعاني اقتصادياً قبل تعديلات نتنياهو

هذه الأزمة الاقتصادية ليست الأولى من نوعها التي يعاني منها كيان الاحتلال، بل رافقت الاحتلال الإسرائيلي حيث عانى من التضخم المفرط في السبعينيات والثمانينيات، مما أثر على جميع جوانب الاقتصاد الإسرائيلي.

كما تسبب الحل البديل للحكومة في 1984-1985 بالانتقال إلى الدولار الأميركي في حالة من الذعر. كذلك بقيت مراقبة الصرف سارية المفعول في "إسرائيل" حتى عام 1998، وكان رئيس الوزراء حينها بنيامين نتنياهو.

أما في العام 2003 -2004 ، فواجهت "إسرائيل" أزمة اقتصادية كبيرة أخرى عندما رفضت صناديق رأس المال الاستثماري الأجنبي الاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية لأسباب ضريبية.

لكن الأزمة الحالية في الاقتصاد الإسرائيلي تعتبر الأشد والأكثر تأثيراً لأنها تأتي في ظروف داخلية وخارجية مختلفة.  وفي حال استمرت الأزمة على حالها فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيكون متضرراً بشكل مباشر بها نتيجة ارتباطه بالاستثمار الأجنبي.

وفي السياق، فإن المسألة ستتجاوز الاقتصاد والسياسية في اتجاه الأمن، إذ تؤكد صحيفة "جيروزاليم بوست الإسرائيلية" أن "الاستثمار الأجنبي من خلال المشاريع المشتركة كان محورياً تماماً بالنسبة لإسرائيل، وليس بالنسبة للصادرات فقط، بل هو أمر محوري للغاية لأمن إسرائيل القومي".

المصدر: الميادين