كيف تؤثر أزمة "إسرائيل" على تحدّياتها الأمنية والعسكرية في المنطقة؟

لن تقتصر تداعيات الأزمة السياسية التي يعيشها الاحتلال الإسرائيلي على داخل الكيان فقط، بل من شأنّها أن تؤثر في قدرته على مواجهة التحديات الخارجية، وهو ما بدأ يتحدّث عنه المسؤولون الإسرائيليون.
  • كيف ستؤثر الأزمة السياسية في "إسرائيل" على تحدّياتها الخارجية؟

أزمة سياسية حادة تعيشها "إسرائيل" منذ أشهر، لم تعد تقتصر على التراشق الكلامي داخل الحكومة والكنيست، بل انتقلت إلى الشارع عبر تظاهرات نظمها ما يقارب ربع مليون مستوطن، ضدّ تعديلات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو القضائية. 

الأزمة المستفحلة، التي تهدد مفاصل الكيان ومؤسساته كافة، باعتراف المسؤولين الإسرائيليين، تعمّقت مع دخول المؤسسة العسكرية على خط الاحتجاجات، بإعلان مئات الجنود في الاحتياط عدم امتثالهم للتدريب أو رفض الخدمة في حال إقرار التعديلات، ما يشكل تهديداً لأساس "إسرائيل" الوجودي، وفق ما أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

وعليه، فإنّ ما تشهده "إسرائيل" اليوم من انقسامات، سيؤثر بطبيعة الحال في تحدّياتها الخارجية، وهو ما لم يخفه الإعلام الإسرائيلي، منذ اليوم الأول لبروز الخلافات، وحديثه عن ما سمّاه فقدان "الردع الإستراتيجي".

"إسرائيل" تأكل نفسها بنفسها

بعد أقل من 3 أشهر على تشكيلها، تطوّق الأزمات الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، وصولاً إلى أزمة التعديلات القضائية التي عصفت مؤخراً، والتي أظهرت أن المشكلة أبعد مما تكون أزمة سياسية دستورية، إنّما أزمة بنيوية تتعلق بتركيبة الكيان واختلافات مستوطنيه القومية والطبقية العميقة، وهو ما أشار إليه الدبلوماسي السابق والكاتب البريطاني ألستر كروك، عند حديثه عن أنّ ما يحدث في "إسرائيل" هو "معارضة هيكلية وديموغرافية متناقضة تتقدّم نحو انفجارها الحتمي منذ 23 عاماً على الأقلّ".

يقول رئيس كيان الاحتلال  إسحاق هرتسوغ في وصفه لما يجري، إنّ "إسرائيل" تعيش أزمة تاريخية تهدد بخرابها من الداخل، خاصة مع تمرد المئات من جنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي، وإعلان رفضهم المشاركة في تدريبات عسكرية احتجاجاً على التعديلات القضائية، وهو ما شكّل صدمه إضافية في كيان الاحتلال، الذي لطالما روّج أن "جيشه" المتعدد الأعراق غير مسيّس.

ومع اشتداد الأزمة السياسية، بدأت رؤوس الأموال بالهروب من "إسرائيل" إلى الخارج (مليارا دولار يومياً تخرج من كيان الاحتلال وفق حديث شلومو دوفرات، أحد أكبر المستثمرين في صناعات الهايتك)، وسط تصاعد التحذيرات من الخبراء الاقتصاديين حول تأثير التعديلات القضائية في الاقتصاد الإسرائيلي ككل.

اقرأ أيضاً: "تأثيرها مدمر".. تقرير يبرز أثر التعديلات القضائية على اقتصاد "إسرائيل"

أبرز التحدّيات التي تواجهها "إسرائيل"

يضاف إلى التحدي الداخلي المستجد في كيان الاحتلال، التحدي الفلسطيني، وكذلك إيران وحزب الله،  إذ تزداد الشكوك في المؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيليتين بشأن قدرة الكيان على مواجهة مزيد من التصعيد، داخلياً وخارجياً.

ففي فلسطين المحتلة، نجحت المقاومة الفلسطينية في غزة في فرض معادلات ردع متبادلة. كما شكّلت العمليات الفدائية التي ينفذها الفلسطينيون بين الحين والآخر، حالة من الرعب والاستنفار، مع حديث عن تزايد عدد الإنذارات، واستحالة وضع شرطي في كل زاوية، فالوضع بالنسبة إلى قائد شرطة الاحتلال الإسرائيلي، كوبي شفتاي، يطير النوم من العيون.

الداخل الفلسطيني المقاوم، ليس وحده من يؤرق الاحتلال، فمع تعاظم قدرات محور المقاومة، تتزايد التحديات التي تواجهها "إسرائيل"، في ظل وجود ضعف وعيوب خطرة يمكن أن تكشفها أي حرب مستقبلية يواجهها الكيان، فوفقاً لرئيس لجنة الشكاوى في "الجيش" الإسرائيلي سابقاً، اللواء إسحاق بريك، فإنّ الوضع اللوجستي في "الجيش" الإسرائيلي يمر بحال من الفشل والإخفاق، وبالتالي فإنّ هذا الفشل سيوقف "الجيش" عن شن الحرب المتعددة الجبهات، وسيضعه في مأزق في الساعات الأولى من الحرب "المتعددة الميادين" المقبلة، ولن يسمح له بمواصلة القتال أو تحقيق الانتصار.

ويتزايد القلق الإسرائيلي من تعزيز إيران لقدراتها في مجالات مختلفة، عسكرياً، سياسياً، وعلمياً، وقد عُبّر عنه في حديث عدد كبير من الخبراء والمختصين الإسرائيليين، عن الخيارات المتاحة أمام "إسرائيل" لإيقاف  التقدم الإيراني.

وفي هذا السياق، برز حديث لوسائل إعلام إسرائيلية، بأنّ "إسرائيل" على الرغم من قيامها باستعدادات كبيرة لمهاجمة إيران، فإن الاحتمال بأن تنبري وحدها لمهاجمة إيران هو حالياً "صفر"، وباعتراف عدد من المحللين الإسرائيليين فإنّ "خسائر إسرائيل ستكون أشد من ضربة نووية، في حال المواجهة مع إيران".

حديث نتنياهو المستمر بشأن الجاهزية العسكرية ضدّ إيران، نسفها رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، من خلال تهديده بكشف أكاذيب نتنياهو، وشرح كل الثغرات المتعلقة بهذا الأمر.

وعلى لائحة التهديدات الأساسية يوضع حزب الله، وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فإنّ حزب الله يشكل تهديداً كبيراً لـ"إسرائيل". وعليه، فإنّ على "إسرائيل" أن تنظر  إلى ترسانة الصواريخ الدقيقة المتزايدة لحزب الله باعتبارها تهديداً إستراتيجياً كبيراً على قدم المساواة مع برنامج إيران النووي، تقول الصحيفة الإسرائيلية.

تأثير الأزمة السياسية في تحديات "إسرائيل" الخارجية

لا شك في أنّ ما يعيشه الاحتلال الإسرائيلي اليوم، سينعكس عليه سلباً في جبهات الخارج، وهو ما لم يخفه المسؤولون الإسرائيليون الذين تحدّثوا عما سمّوه "فقدان الردع أو تضرره".

وفي هذا السياق، يقول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) السابق، عاموس يادلين، إنّ "حزب الله لا يحتاج إلى صواريخ دقيقة، لأن إسرائيل تتآكَّل داخلياً".

ووفقاً لعاموس يدلين، فإنّ "هناك أشخاصاً في الحكومة الإسرائيلية يهتفون ويشجعون على الانقسامات، بدلاً من الانشغال بإيران وحزب الله".

نجل نتنياهو لم يخف امتعاضه من الوضع القائم، وتأثيره الإيجابي في أعداء "إسرائيل"، فبعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل أسابيع، والذي تناول فيه الانقسام الإسرائيلي، انتقد يائير نتنياهو القيادات السياسية المعارضة في "إسرائيل"، قائلاً لهم: "شكراً لكم أيها المغفلون، لأنّكم من أجل المحافظة على سيطرتكم تفرحون أعداء إسرائيل، وتقوّضون الردع الإسرائيلي".

ويرى مسؤولون في "جيش" الاحتلال، أن "المشكلات الحاليّة في إسرائيل قد تقود الجيش إلى أزمة احتياطٍ أخطر من حرب لبنان الثانية".

اقرأ أيضاً: لماذا يظهر سلاح الجو الإسرائيلي كأبرز المعترضين على التعديلات القضائية؟

وبحسب خبراء إسرائيليين، فإن تأخّر قيادة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في فهم عمق الأزمة، وانعكاساتها على تشكيل الاحتياط، له تبِعاتٌ خطرة، لأنّ جهاز احتياط مستقطباً ومنقسماً، وفقاً لهم، سيُلحق ضرراً لا يُعوَّض بكفاءة "الجيش" وقدرته على مواجهة التحدّيات. 

وعليه، فإنّ ما يجري اليوم في "إسرائيل"، سيؤثّر في الجهد المشترك الإسرائيلي- الأميركي في مواجهة إيران، كما سيؤثر في مستوى الردع في مواجهة محور المقاومة، وفي اتّفاقيات التطبيع، وهي مؤشرات تهدد وجود "إسرائيل"، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم.

المصدر: الميادين نت