"باخموت أبرز حدث".. حصاد الأسبوع الميداني للمعارك في أوكرانيا
نبدأ حصاد الأسبوع الميداني لمسرح العمليات القتالية الأوكراني من أبرز حدث: أرتيوموفسك - باخموت، حيث لم تنجح القوات الروسية خلال نهاية الأسبوع في إحكام الطوق حول المدينة تماماً وإكمال عملية حصارها التي بدأت منذ أسبوع من 3 اتجاهات: شرق وشمال وجنوب، مع أنّ المعارك تدور في الأقسام الشمالية الشرقية للمدينة في اتجاه المركز.
وقد حاولت القوات الروسية خلال نهاية الأسبوع خرق خط الجبهة والدفاعات الأوكرانية عند عقدة "نصب ساماليوت (مجسم الطائرة)"، ودارت معارك طاحنة عند عقدة هذا النصب، إلا أنّ القوات الأوكرانية تحصّنت في الأبنية العالية نسبياً، المكوّنة من 9 طوابق، غرب وشمال غربي النصب.
في الوقت نفسه، باتت الطريق العملية الوحيدة التي تصل أرتيومموفسك بكونستانتينوفكا وإيفانوفسكايا، ومنها إلى منطقة السهول التي تحاول القوات الأوكرانية الخروج عبرها، تحت مرمى النيران الرشاشة المتوسطة والثقيلة المكثفة، وتحت مرمى الأسلحة الروسية المضادة للدروع، ولم يعد بإمكان القوات الأوكرانية الاعتماد على هذه الطريق لرفد الجبهة بالتعزيزات أو للانسحاب.
اقرأ أيضاً: "طريق واحد للخروج".. قوات "فاغنر" تُحاصر مدينة باخموت
وبحسب المعلومات الواردة من الجبهة، فإنّ القوات الأوكرانية عجزت عن الانسحاب عبر تلك الطريق ليلاً حتى بمجموعات صغيرة بعد تكبّدها خسائر فادحة، الأمر الذي يعتبر انتحاراً بالنسبة إليهم، ناهيك بأنّ مرور الآليات المدرعة الأوكرانية بات أمراً مستحيلاً.
عملياً، بدأت القوات الأوكرانية بتنفيذ عملية انسحاب من أرتيوموفسك - باخموت، لكن بما أنّ المدينة باتت في حصار عملياتي ناري مكثف، فإنّ انسحاب القوات الأوكرانية لم يعد سهلاً، وسيستغرق مزيداً من الوقت، فيما الخيار الوحيد المتبقّي أمام القوات الأوكرانية هو ترك أرتيوموفسك. لذلك، تستميت تلك القوات بشكل يائس في الحفاظ على ممر الانسحاب.
القسم الشمالي من هذا الممر يقع انطلاقاً من خروموفا، التي تقع في منطقة السيطرة الرمادية، وتتصل بخط البرك المائية، أي ما بين موقع عقدة نصب الطائرة "ساماليوت" ونقطة البرك المائية، ما يعتبر منطقة ارتكاز محصنة تستند فيها القوات الأكرانية إلى تحويل المباني المرتفعة من 9 طوابق إلى مواقع إطلاق نار محصنة للحفاظ على هذا الممر الوحيد المتبقي للانسحاب. الأمر يسير ببطء، ولكن بشكل محتوم.
أمّا المعابر الأخرى، فقد باتت كلها تحت النيران الروسية المدفعية، وحتى الرشاشة الثقيلة والمتوسطة، ما يكبّد القوات الأوكرانية خسائر فادحة في الأفراد والآليات.
خلال الأسبوع الفائت، تخلّت القوات الأوكرانية بشكل متدرج عن أحياء وشوارع في شمال وشمال غربي المدينة بشكل أساسي، وتخلت كذلك بشكل أقل عن أحياء في شرق المدينة وجنوبها. عملياً، يمكن التأكيد أنّ ما يقارب نصف مساحة هذه المدينة الكبرى بات تحت سيطرة القوات الروسية وفي قبضتها.
معركة أرتيوموفسك باخموت مستمرة في الاشتعال خلال الأسبوع المقبل
أهم أهداف معركة أرتيوموفسك باخموت حقَّقتها القوات الروسية، وأولها تدمير مجموعة استراتيجية وازنة من المعدات، وقتل عديد نخبة القوات الأوكرانية، وتدمير مخزون احتياطياتها العسكرية. وبذلك، منعتها من تنفيذ هجوم موسع في اتجاه ضواحي خاركوف.
ثانياً، وبحسب وسائل إعلام غربية تستند إلى معلومات الأركان الأوكرانية، فإنّ مجموعة القوات الأوكرانية التي تم تدمير معظمها في أرتيوموفسك - باخموت كانت معدة لتكون رأس حربة وعموداً فقرياً للتشكيلات المسلحة الأوكرانية المخصصة للقيام بحملة هجوم الربيع المضاد المفترض في اتجاه زاباروجيا، أي إلى جنوب الغرب.
قبل السيطرة الكاملة على أرتيوموفسك - باخموت، تم تحقيق معظم الأهداف الأساسية من هذه المعركة، والنصر المؤكّد في هذا الاتجاه آتٍ لا محالة خلال الأيام القليلة المقبلة.
بدأت القوات الروسية فعلياً بعملية توسيع الهجوم انطلاقاً من اتجاه أرتيوموفسك لتشكيل منطقة أمان وسط غربي الدونباس، وهي في طور تنفيذ عمليات استطلاع بالنار لمواقع في اتجاه تاريسك وتشاسوف يار؛ فبعد باخموت، يُتوقّع أن لا تعطي القوات الروسية فرصة للأوكرانية لالتقاط الأنفاس وبناء خطوط دفاعية بديلة في المناطق الخلفية غرباً.
بات اتجاه كوبيانسك الاتجاه الثاني من حيث حجم الخسائر الأوكرانية، بعدما نفذت القوات الروسية سلسلة عمليات تقدم هجومية ناجحة بدعم من سلاحي الجو والمدفعية، فقد بلغت خسائر القوات الأوكرانية عدة مئات من القتلى والجرحى يومياً، وهي تخسر جغرافياً ببطء يوماً بعد يوم في هذا الاتجاه.
وتركز القوات الروسية هجومها في اتجاه شمالي كوبيانسك، وتطور هجومها من كريمينايا في اتجاه ليمان، ريثما تتحسن حالة الطقس وتجف طرقات المعابر الأساسية لاستئناف عملية هجومية موسعة في هذا الاتجاه.
في اتجاه جنوبي سيفيرسك، لم تشهد المحاور خلال الأسبوع الماضي عمليات قتالية جدية. أمّا في اتجاه أفدييفكا، فقد توقفت القوات الروسية عن التقدم، إذ يصعب عليها اختراق دفاعات القوات الأوكرانية المحصنة بسببب تداخل عدة عوامل تمنع القيام بمناورة واسعة.
اقرأ أيضاً: الاستخبارات البريطانية: القوات الروسية تتقدّم في باخموت وطرق الإمداد باتت محدودة
لهذا السببب، بدأت القوات الروسية باستخدام قنابل بزنة نصف طن لتدمير تحصينات العدو، على أمل أن تتمكن من استئناف التقدم خلال الأسبوع المقبل، وصولاً إلى حصار مجموعة القوات الأوكرانية المسلحة في أفدييفكا وتشكيل ما يسمى "مرجل توريتسك" (مدينة توريتسك، وهي نقطة ارتكاز لمجموعة القوات الأوكرانية في هذا الاتجاه).
جنوباً في اتجاه مارينكا، تجري عملية تدمير كلّ ما هو فوق سطح الأرض. وقد بات شكل المدينة شبيهاً بسطح القمر، ولكن بسببب الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة، فإنّ المعارك مستمرة بضراوة، وتزج الأركان الأوكرانية فيها ما أمكنها من قوات دعم احتياطية، في محاولة للحفاظ على ضواحي الحدود الغربية للمدينة.
وبالانتقال كذلك جنوباً في اتجاه معركة أوغليدار، فإنّ القوات الروسية مُنيت بفشل ذريع نتيجة التخطيط غير المدروس لهذه المعركة، وفشلت في تحقيق الحسم المتوقع حتى بعد النجاحات التكتيكية التي حققتها في هذا الاتجاه.
اتجاه زاباروجيا
ويشهد اتجاه زاباروجيا هدوءاً نسبياً، فيما تقوم القوات الروسية بتنفيذ عمليات استطلاع بالنار متواصلة للمواقع الدفاعية الأوكرانية، ولكن بفعل حشد الجانب الأوكراني المزيد من القوات والمعدات الحربية التي يتلقاها باستمرار من الغرب، فإنّ الربيع المقبل سيشهد أحداثاً شديدة السخونة والخطورة في هذا الاتجاه ستحدد مصير المواجهة المستقبلية في مسرح العمليات القتالية الأوكراني.