عام على الحرب في أوكرانيا.. النتائج والتوقعات من وجه نظر الخبراء الروس
تدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني. وقد دخل الصراع بين موسكو والغرب بسببها أكثر منعطفاته حدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وشكل في الوقت ذاته مواجهة غير مسبوقة ترى موسكو أنها باتت مصيرية بالنسبة إليها، معلنة في ضوئها انتهاء عصر القطب الواحد، وفي الوقت نفسه، وضع آخر مسمار في نعش الرهان على الحصول على مكانة جيوسياسية تليق بحجمها وقدراتها العسكرية والسياسية ضمن المنظومة الأوروبية.
وفي هذا السياق، تأتي الحرب مع أوكرانيا حرباً "بالوكالة" مع الغرب. ورغم أن الكرملين حدد أهداف العملية العسكرية الخاصة بحماية سكان الدونباس، ونزع السلاح من أوكرانيا، والقضاء على النزعة النازية فيها، فإنه تجنب وضع سقف زمني لها، وهذا تحديداً ما يدعم الفرضية القائلة إن وضع نظام دولي جديد وإعادة تثبيت روسيا كرقم صعب في المعادلة الدولية أهداف لا يمكن تحقيقها بحرب خاطفة، بل قد يكون نموذج حروب الاستنزاف أحد سيناريوهاتها.
بموازاة ذلك، جاءت العقوبات الغربية غير المسبوقة على موسكو، التي وصلت إلى حزمتها العاشرة، مقرونة بمساعدات عسكرية إضافية لكييف، لتصب في خانة توصيف هذا الصراع مع الغرب من خلال البوابة الأوكرانية بأنه حرب هجينة بكل ما للكلمة من معنى.
ما تأثير العقوبات الدولية في المواطن الروسي؟
الخبير في الشأن الاقتصادي أندريه زايتسيف أوضح لـ"الميادين نت" أنَّ الحديث عن تأثيرات العقوبات الغربية في الأوضاع المعيشية للمواطنين الروس ينقسم بين ما هو قائم في الواقع وما تحاول الدعاية الغربية تصويره، عبر الإيحاء بأن روسيا مستعدة لتدمير اقتصادها ومواطنيها من أجل الحرب في أوكرانيا.
وبحسب رأيه، فإن حديث الدعاية الغربية عن تأثير العقوبات في الاقتصاد والمواطنين في روسيا تراجع إلى درجة كبيرة مع نهاية العام الماضي، بعدما استنفدت ذخيرتها الدعائية أمام سرعة تمكّن الشركات، سواء الروسية أو الأجنبية من البلدان "الصديقة"، من سد الفراغ الذي خلفه انسحاب الشركات الأجنبية من روسيا ووقف تصدير منتجاتها إلى البلاد.
وبناء عليه، نظراً إلى أن روسيا دولة كبيرة، لم يكن للعقوبات تأثير قوي في الاقتصاد، لا سيما مع تواتر دخول الشركات الآسيوية والشرق أوسطية إلى السوق الروسية، وحلول المصنعين المحليين محل الشركات الأوروبية المغادرة.
ولكن، في المقابل، يرفض زايتسف مقولة أن "الواردات الموازية" أو "الحيل" الأخرى قادرة على تلبية كامل احتياجات بلد ضخم مثل روسيا، كان منذ سقوط الاتحاد السوفياتي معتمداً بشكل كبير على الواردات الأجنبية.
وبناء عليه، أمام روسيا، بحسب رأيه، خياران: الأول هو إعادة بناء اقتصادها بالكامل، والقيام بتصنيع يماثل في نطاقه "التصنيع الستاليني"، والآخر هو الاندماج في الاقتصاد العالمي غير الغربي والعمل بأقصى طاقة على سد الفراغ التقني وتوفير المنتجات المعقدة التي لطالما كانت حكراً على الشركات الأميركية والأوروبية.
بعد عام من الحرب، ماذا عن الأصوات المعارضة؟ هل تعارض الحرب ككل أم تعارض مسارها فحسب؟
يرى الباحث في العلوم الاجتماعية فلاديمير كوشول أنّ جزءاً كبيراً من الأصوات المعارضة تحول مع مرور الوقت إلى ما يشبه حال الحياد تجاه الحرب في أوكرانيا، وذلك لمجموعة أسباب، أهمها مواصلة واتساع تأييد الشارع للعملية العسكرية الخاصة، كرد فعل على العقوبات التي يعتبر المواطن الروسي أنها عدوانية وتستهدفه بشكل مباشر.
إضافةً إلى ذلك، باتت معارضة العملية العسكرية تعني في المقابل - بالنسبة إلى المزاج العام في البلاد – تأييد السياسات الغربية في اتخاذ العقوبات وشن الحصار وتقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا.
ومع ذلك، يلفت كوشول إلى بعض استطلاعات الرأي التي نشرت في آب/أغسطس 2022، والتي أشارت إلى أن نحو نصف من شملهم باتوا يعتقدون أن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا طال أمدها.
وبناء عليه، فإن تواصل العمليات العسكرية لوقت طويل، وفي الوقت ذاته من دون تحقيق نجاح أو انتصار ميداني مؤثر ووازن، قد يؤثر سلباً في الروح المعنوية للشريحة المؤيدة للعملية العسكرية.
ماذا يمكن أن نفهم من التغيير المتواصل للقادة العسكريين؟ ما خلفياته وأهدافه؟
يرى الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين أن تغيير القادة العسكريين أمر مألوف في عالم القوات المسلحة في ظروف الحرب، ويربط ذلك بالتغيرات التكتيكية التي برزت في سياق العمليات العسكرية في أوكرانيا، ودخول أسلحة غربية جديدة في خدمة القوات الأوكرانية، وفي الوقت ذاته، تحول جزء من المواجهات إلى حرب شوارع، ما يتطلب إجراء تغييرات في قيادة العمليات العسكرية بسبب تغير طبيعة القوات المشاركة في هذا النوع من القتال.
وبحسب قوله، على الرغم من آمال القادة العسكريين الأوكرانيين والأطلسيين، فإن مهام العملية الخاصة يتم تنفيذها على مراحل، وبصورة منهجية، إلى جانب تمكن القوات الروسية من تحويل قوات الجانب الأوكراني وموارده إلى الدفاع عن مناطق مختلفة بهدف تشتيت قواته.
كما أن تحرير منطقتي دونيتسك ولوغانسك وإعادتها إلى حدودهما الإدارية التاريخية هو انتصار عسكري بامتياز، بحسب تعبيره.
متى يُتوقع انتهاء الحرب؟ وكيف؟
وفقاً لليتوفكين، من الصعب الحديث عن زمن، حتى تقريبي، لانتهاء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لكونها ترتبط بنحو عضوي بإعادة هيكلة النظام الدولي ضمن معايير القطبية الثنائية.
ولكن نظرياً سيحدث هذا إما نتيجة تحقيق روسيا الأهداف التي وضعتها، وإما بسبب استنفاد أحد أطراف النزاع القدرة على مواصلة الحرب، وإما بفضل جهود الشركاء والوسطاء الدوليين المهتمين بإنهاء الأعمال القتالية، لا سيما عندما يصبح واضحاً أن تأثيراتها السلبية امتدت إلى ما هو أبعد من روسيا وأوكرانيا.
في كل الأحوال، يعتقد ليتوفكين أن روسيا، بصرف النظر عن خروجها من المواجهة العسكرية نتيجة انتصار مشروط أو نتيجة جهود دبلوماسية دولية، ستكون مضطرة إلى تحمل العبء الهائل المتمثل باستعادة مناطق جديدة. وبحسب رأيه، لن تنسحب روسيا من الصراع في أوكرانيا من دون عواقب اقتصادية.
أي تأثير لدخول الدبابات الغربية على خط الصراع؟ وماذا لو مُنحت كييف طائرات مقاتلة، كما يطالب زيلينسكي؟
يستبعد الخبير العسكري الروسي أن تساعد الأسلحة الغربية أوكرانيا في إحداث تحول ملموس في سير العمليات العسكرية، وذلك لأسباب عدة، أهمها كمية هذه الأسلحة، وأوقات التسليم الطويلة، والحاجة إلى تدريب القوات المسلحة في أوكرانيا على استخدامها، فضلاً عن امتلاك القوات الروسية الأسلحة المخصصة للتصدي لهذا النوع من السلاح الغربي.
إضافةً إلى ذلك، يرجح ليتوفكين أن تقوم القوات الروسية، ولا سيما الجو-فضائية، باستهداف هذه الأسلحة حتى خلال عملية دخولها الأراضي الأوكرانية، موضحاً أن روسيا حذرت في وقت سابق، في حال تم بالفعل إرسال أنواع "محددة" من الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، أنها ستتعامل معها كأهداف مشروعة وستضربها.
الغرب أثبت أنه حلف واحد في الحرب الأوكرانية، ماذا عن روسيا والصين وغيرها من الدول؟
يرى خبراء روس أن طبيعة العلاقات التي تربط بين روسيا والصين هي مزيج من التحالف والبراغماتية. وفي رأي الباحث في الشؤون الدولية مكسيم ماسلوف، فإن بكين تدعم بوضوح الموقف الروسي، ومن المهم بالنسبة إليها أن تثبت روسيا قوتها العسكرية، وبالطبع قوتها الاقتصادية، إذ إنها تريد أن تتعامل مع منتصر أو على الأقل مع قوة اقتصادية وعسكرية قوية لا ترتبط معها بنزاعات ومصالح متناقضة.
في الوقت نفسه، يعتبر أن انتصار روسيا في الحرب مع أوكرانيا هو مصلحة صينية بامتياز، ليس بمعيار "عدو عدوي صديقي" فحسب، بل لأن الصين قد تصطدم في المستقبل أيضاً بالسيناريو الأوكراني نفسه في مقاربة ملف تايوان.
كما أن مجرد وجود قوة اقتصادية ضخمة (الصين)، يتابع ماسلوف، لا تؤيد العقوبات الغربية ضد روسيا من جهة، وتتشارك معها في منصات اقتصادية إقليمية وفي كثير من الاتفاقيات والمشاريع التجارية، لا سيما في مجالي النفط والغاز، من جهة أخرى، هو رصيد كبير لروسيا في مواجهة تداعيات العقوبات والتخفيف من آثارها.