الرئيس الصمّاد.. رجل التوافق الوطني ومهندس طريق الانتصارات اليمنية

في ذكرى استشهاده.. أي خطر شكّله مشروع "يد تحمي ويد تبني"، الذي حمله رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد على تحالف العدوان على اليمن، وكيف ساهم في التحول النوعي في مسار المواجهة؟
  • الرئيس الصمّاد.. قائد التوافق الوطني ومهندس طريق الانتصارات اليمنية

5 أعوام مرّت على اغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، صالح الصماد؛ هذه الشخصية الاستثنائية، التي برزت حنكتها السياسية في إدارة الدولة والتفاهمات التي قادتها مع الشركاء، وبطولاتها العسكرية في جبهات القتال، من الحرب الرابعة على صعدة، إلى عدوان التحالف السعودي على اليمن.

 19 نيسان/أبريل 2018، والموافق 3 شعبان 1439، تاريخ لم يكن عادياً بالنسبة إلى اليمنيين، كونه أعاد إلى ذاكرتهم جريمة اغتيال رئيسهم الأسبق إبراهيم الحمدي، عام 1977.

قائد أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، قال، في خطاب مطوّل في ذكرى استشهاد الرئيس الصمّاد، إنّ الحركة أجرت تحقيقاً توصّلت من خلاله إلى نتيجةٍ مؤكدة، مفادها أنّ أميركا هي التي حددت للسعودية استهداف الشهيد الصماد كهدفٍ أساسي. فمن هو الرئيس الشهيد صالح الصمّاد؟ وماذا عن مشروعه لبناء الدولة؟ ولماذا كان هدفاً لدى تحالف العدوان على اليمن؟

  • نبذة مختصرة عن سيرة الرئيس الشهيد صالح الصماد

الصماد.. القائد التوافقي

لا يمكن الحديث عن الرئيس الشهيد صالح الصمّاد، من دون التطرق إلى بعض صفاته، التي تميّزت بالتواضع  والاعتدال والتوافق، لقد كان قريباً من كل المكونات السياسية، وهو ما جعله محلّ قبول لدى معظم الأطياف السياسية اليمنية.

استطاع السير بين الألغام بحكمته، التي أفشلت محاولات تحالف العدوان على اليمن في شقّ وحدة الصف وإحداث أي اختراق للجبهة الداخلية، وخصوصاً فيما يتعلق بفتنة كانون الأول/ديسمبر 2017، بحيث تمكّن، عبر التفاف قيادات حركة "أنصار الله" من حوله، من القضاء على انقلاب علي عبد الله صالح، والمحافظة على الوضع الأمني في صنعاء والشمال، وصيانة تماسك الجبهات.

وتمكّن الصمّاد أيضاً من تجاوز تداعيات مقتل صالح، والمحافظة على تحالف "أنصار الله" و"المؤتمر"، واستئناف عقد جلسات البرلمان، الذي تنتمي أغلبية أعضائه إلى حزب صالح.

رئيس بلا منزل!

"لم نفتح القصور ليأتي الناس إلى زيارتنا، بل قلنا سنأتي نحن لزيارة الرجال الرجال في جبهات القتال".

  من مواقف الرئيس الصمّاد

لم يكن الرئيس الصمّاد ذاك الشخص اللاهث وراء السلطة، وهو ما أكّده قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، في أكثر من خطاب له، فلقد كان حريصاً على زيارة الجبهات بنفسه، على رغم المخاطر الجمّة المحدقة به، وإمكان استهدافه في أيّ لحظة، لكنّ حسّه، وطنياً وأمنياً وعسكرياً، كان الدافع إلى وجوده في الجبهات، والاطّلاع على أحوال المرابطين في الجبهات.

  • الرئيس الصمّاد خلال زيارته جبهة محافظة الجوف، أيلول/سبتمبر 2017

كان رئيساً من الشعب وإلى الشعب، مندفعاً نحو الانخراط بين الناس في مختلف المحافظات. وكان من المبادرين الأوائل إلى معاينة المناطق التي شهدت غارات، أو المنازل التي دمرها العدوان، مواسياً أهلها. وكان السبّاق في زيارة الجرحى، وأضرحة الشهداء. لم يكن بعيداً عن هموم الشعب، فكان المطّلع، والمستمع ، والساعي لمعالجة قضايا اليمنيين. 

  • الرئيس الصمّاد مع أفراد من الجيش واللجان الشعبية

تهدّم منزل الرئيس الصمّاد في الغارات الجوية للطائرات الحربية، كما تدمرت مزارعه، واستشهد إثنان من أشقائه خلال الحرب الظالمة، التي شُنّت على صعدة، ولاحقته قذائف الدبابات والمدافع إلى كل متراس وجرف بهدف قتله. 

عُرف بنزاهته، ومحاربته الفساد. فعلى الرغم من مكانته كرئيس، فإنه لم يكن يمتلك أرضاً أو عقاراً جديداً، منذ بدء العدوان السعودي على اليمن. ونقل عنه رفاقه قوله: "كل من يشتري أرضاً أو يبني عقاراً هذه الأيام – أي أيام الحرب - اكتبوا على جبينه كلمة فاسد". 

"يد تبني ويد تحمي".. مشروع بناء الدولة

"مشروع بناء الدولة يُعَدّ عنواناً لمرحلة جديدة من مقاومة العدوان، في المستويات كافة"

مقتطف من خطابات الرئيس الصمّاد

في ظروف ضاغطة وصعبة، وتُعَدّ الأصعب في تاريخ اليمن الحديث، تسلَّم الرئيس الشهيد مقاليد السلطة. مهمّة استثنائية في توقيت حسّاس تعيش خلاله البلاد حرباً عسكرية واقتصادية منذ أعوام، تحمّل تبعاتها الرئيس الصماد منذ اليوم الأول لتسلّمه رئاسة المجلس السياسي الأعلى عام 2016.

في الـ26 من آذار/مارس 2018، أطلق الرئيس الصمّاد مشروعه في بناء اليمن القوي، وذلك في كلمة أمام المحتشدين بمناسبة الذكرى الثالثة لاندلاع العدوان. إعلانٌ قوبل بتأييد شعبي ورسمي واسع النطاق، وعُدَّ السلاح الأكثر قوة وفعالية في مواجهة العدوان.

يقوم مشروع الصمّاد على ركيزتين أساسيتين: الأولى تكمن في توحيد الجهود الوطنية من أجل تعزيز صمود الشعب اليمني، وإعادة بناء مؤسسات الدولة. والأخرى تتمثّل بمواصلة العمل على تأهيل الجيش وتزويده بمهارات ومعدّات قتالية نوعية، فضلاً عن الاستمرار في التصنيع العسكري، حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسلحة كافة.

المشروع الذي "تسنده الجبهات ويسند الجبهات"، على حد توصيف الرئيس الصمّاد، قوامه "إيجاد دولة مدنية من أجل الشعب، وليس شعباً من أجل الدولة". وهو ما عدّه التحالف السعودي خطراً يهدد وجوده، لا يقل عن خطر الصواريخ اليمنية الباليستية، والتي طالت الرياض في عهد الرئيس الشهيد، وغيّرت المعادلة العسكرية.

وفي أول رد فعل للتحالف السعودي، على مشروع الصماد، وعد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارته الولايات المتحدة الأميركية، بإحداث انشقاقات داخل "أنصار الله". فأُعيدت حكومة عبد ربه منصور هادي إلى ممارسة مهمّاتها في المحافظات الجنوبية، في محاولة لإيهام المجتمع الدولي بأنّ ثمّة حكومة تسيطر على الجنوب. 

بعد محاولات تحالف العدوان الفاشلة في اختراق الصف اليمني، عبر تعزيز الفلتان الأمني، واللعب بورقة المرتبات، وإثارة الفتنة الداخلية، أدركت السعودية حجم المأزق، وصعوبة إجهاض مشروع الصمّاد الجهادي، فكانت الخطّة التالية، متمثلةً بتنفيذ قرار الاغتيال.

بصمات أميركية في اغتياله

بعد أعوام من المطاردة والملاحقة، ووضعه في مرتبة "المطلوب الثاني"، وتخصيص جائزة مقدارها 20 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، تمكّن التحالف السعودي ضدّ اليمن من اغتيال الرئيس الصمّاد، في 19 نيسان/أبريل 2018، وذلك بعيد انتهائه من لقاء مكشوف ومعلن، عقده مع السلطات المحلّية في محافظة الحديدة، حيث ألقى خطاباً مفصلياً من عمق المحافظات الجنوبية، التي يراهن عليها التحالف ويسعى لضرب بيئتها، بعد أن أزّم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية فيها، كنوع من الضغط كي يحظى ببعض ما عجز ويعجز عنه في الجبهات. 

في الخطاب الذي ألقاه، قال الصماد إنّه تم إبلاغه معلومات مؤكدة، مفادها أن "الولايات المتحدة الأميركية تتبنى معركة الساحل، أمّا السعودية فهي مجرد أداة لتنفيذ الأجندة الأميركية"، مخاطباً السفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، بالقول: "سنستقبلُكَ على خناجرِ بنادقنا"، وهي العبارة التي كانت عنوان المرحلة التي تلت عملية اغتياله.

الطائرة التي اغتالت الصمّاد هي طائرة أميركية، من نوع "أم كيو 9"، كما تؤكّد حركة أنصار الله، وهو ما يدلّل على أنّ هذه "الجريمة  تحمل بصمات واضحة للأميركيين".

  • لحظة استهداف سيارة الرئيس الشهيد الصماد في 19 نيسان/أبريل 2018

أعادت جريمة اغتيال الصماد إلى أذهان اليمنيين ما تعرّض له الرئيس الشهيد الأسبق، إبراهيم الحمدي، في تشرين الأول/أكتوبر من عام 1978، بحيث تمّ اغتياله عبر أيادٍ محلية، بعد أن بذلت السعودية مليارات الريالات لشراء الذمم في مواجهته، وضمان إنهاء مشروعه. وهنا يقول الإعلامي اليمني، طالب الحسني، في حديثه إلى الميادين نت، إنّ "المصلحة السعودية تقتضي أن يبقى اليمن ضعيفاً. ومن هذا المنطلق، تعمل الرياض، منذ أعوام، على تفعيل خلايا الغدر، والتآمر على رؤساء اليمن، الذين شكّلت مشاريعهم النهضوية تهديداً لها"، مضيفاً أنّ "الحمدي والصماد أبرز نموذج على ذلك".

ويُعُدُّ الحسني "الرئيس الصمّاد من أبرز الشخصيات المؤثرة في تاريخ اليمن، نظراً إلى مشروعه الوطني والقبلي والجمهوري، الذي قاده". ويشير إلى أنّ "الهدف من اغتياله هو إثارة الحرب الداخلية، بسبب ما يشكّله من ثِقل وطني وازن".

كما أنّ الرؤية العسكرية الاستراتيجية، والتي كان يملكها الرئيس الشهيد، تُعَدّ من أحد أهم أسباب اغتياله، وفق العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، شارل أبي نادر، الذي أكد للميادين نت أن "الشهيد الصمّاد كان من أوائل المسؤولين العسكريين المدنيين، الذين قدّموا خطّة منظّمة ومركّزة من أجل تنظيم البنية العسكرية وتطويرها، عبر وضع خطط التجنيد، وتطوير القدرات العسكرية اليمنية وتصنيعها".

مشروع الشهيد.. تحوّل نوعي في مسار المواجهة

يقول الإعلامي اليمني، طالب الحسني، في حديثه إلى الميادين، إنّ مشروع الشهيد لبناء الدولة من الداخل مستمر، ويُعمل عليه بصورة حثيثة، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها اليمن. ويشير الحسني، في هذا السياق، إلى ما بدأته السلطة عبر مشاريع التنمية والبنى التحتية، ومحاربة الفساد وبناء المؤسسات الفاعلة، والتطوير الزراعي، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي لليمن، وإنشاء هيئة الزكاة، وبناء الجامعات، وتأهيل كوادر الدولة وتفعيل أجهزتها، والتطوير العمراني والخدمات، ناهيك بالإصلاح السياسي القائم، والحوار المستمر مع الأحزاب، بحيث أصبح الجميع كتلة واحدة في مواجهة العدوان.  

أمّا على صعيد تطوير القدرات العسكرية، فيشير العميد المتقاعد شارل أبي نادر، في حديثه إلى الميادين نت، إلى أنّ للرئيس الصمّاد بصمات مؤثرة في هذا المجال، فالخطط التي وضعها لتطوير الصناعات العسكرية أسست مرحلة جديدة في اليمن، على صعيد الأسلحة الاستراتيجية والنوعية، فيما يتعلق بالصواريخ والطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي، والتي كان لها تأثير حاسم ومفصلي في الدفاع عن اليمن.

بعد أعوام على الجريمة البشعة، تُثبت الوقائع أنّ تاريخ 19 نيسان/أبريل 2018 (يوم الاغتيال)ـ لم يكن سوى مرحلة جديدة من المواجهة. فمع تكريس حالة الصمود الوطني، في مفهومه العميق والشامل، نجح اليمن في فرض معادلات الردع الاستراتيجي، من خلال استهدافه العمقين السعودي والإماراتي، عبر طائرات مسيّرة حملت اسم الرئيس الصمّاد،(صماد"1"، "2"، "3" و"4")، وهو ما يدلل على أن القادم أعظم في مجال التصنيع العسكري، وفق ما تؤكده القيادات اليمنية.

"من هنا، من هذه الجبهات سنُخضع العدو السعودي الأميركي، ومن هنا سنجبره على إيقاف عدوانه".

من كلام الرئيس الصمّاد خلال زيارته لإحدى جبهات الحدود 27 حزيران/يونيو 2017

المصدر: الميادين نت